اللاذقية - (رويترز): على مدى 3 سنوات ظل سكان المحافظات السورية المطلة على ساحل البحر المتوسط يتابعون من ملاذهم الآمن الحرب الأهلية المستعرة في المناطق البعيدة عن الساحل وهي تمزق أوصال البلاد وتقتل عشرات الآلاف وتدمر مدناً لها تاريخ عريق. لكن هجوماً بدأه قبل 3 أسابيع مقاتلو المعارضة في شمال محافظة اللاذقية معقل الأقلية العلوية التي ينتمي إليها الرئيس بشار الأسد قرب المعركة شيئاً فشيئاً وبدد ذلك الإحساس بالأمن النسبي.
فالقتال يدور الآن في التلال المطلة على البحر ليصبح ميناء اللاذقية الرئيسي في مرمى نيران مقاتلي المعارضة وتشعر منطقة الساحل السوري بأنها تتعرض لخطر حقيقي. وقبل شهر واحد سقط 8 قتلى في قصف صاروخي على المدينة.
ورغم أن كثيرين من العلويين الذين يمثلون 10% من سكان سوريا البالغ عددهم 23 مليون نسمة يؤيدون الأسد قولاً وفعلاً فقد تعاطف آخرون مع الانتفاضة الشعبية على حكمه التي بدأت عام 2011 لكنهم يخشون الآن أفعالاً انتقامية من خصومهم من الطوائف الأخرى.
ومازالت الذكريات ماثلة في أذهان أهل المدينة البالغ عددهم 400 ألف نسمة للهجوم الذي شنه مقاتلون معارضون في أغسطس الماضي وقتل فيه عشرات من سكان القرى العلوية قرب اللاذقية على أيدي مقاتلين متشددين وجهاديين أجانب.
ورغم أن الأسد الذي يعيش في دمشق على مسافة 300 كيلومتر إلى الجنوب يبدو أكثر ثقة في الصمود والبقاء فقد فرضت تقلبات الحرب الأهلية بما تحمله في طياتها من فوضى نفسها حتى على أكثر الأماكن أمناً في البلاد بينما ظل البحث عن الجواسيس والخونة والخسائر في صفوف الموالين للأسد يعكر الحياة اليومية.
وحتى قبل أن تصل أصداء القصف إلى المدينة الوادعة كان ثمن الحرب جلياً من مواكب الجنازات اليومية للقتلى من الجنود ورجال الميليشيا المؤيدة للأسد.
وبدأ القتال الذي جلب الخوف معه إلى اللاذقية قبل 3 أسابيع عندما دخل مقاتلو المعارضة من تركيا واستولوا على المعبر الحدودي عند قرية كسب التي يسكنها مسيحيون من الأرمن وهي آخر معبر حدودي من تركيا إلى الأراضي الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية.
واستولى المقاتلون أيضاً على شاطئ صغير على مقربة ليصبح لهم أول موطئ قدم على ساحل البحر المتوسط الذي يمتد مسافة 250 كيلومتراً. وخاض مقاتلو المعارضة قتالاً ضد قوات الأسد للسيطرة على تلال المدينة والتي تشمل موقعاً لاتصالات الأقمار الصناعية يعرف باسم نقطة المراقبة 45.
ويقول سكان مدينة اللاذقية وقد انتابهم التوتر إن نيران المدفعية الثقيلة يمكن أن تصيبهم بكل سهولة من ذلك الموقع.
وكما سارت أحداث الحرب الطاحنة في مسار متعرج وسقط فيها نحو150 ألف قتيل حتى الآن لا توجد أي بادرة على أن القتال في اللاذقية يمثل أي تحول حاسم في الصراع.
وفي نقاط التفتيش الكثيرة التي تقيمها القوات الحكومية على الطريق الساحلي الرئيسي يدقق مسلحون في بطاقات الهوية بحثاً عن أي مؤشرات على ديانة المسافرين وميولهم السياسية.
وينحدر أغلب أفراد الأمن وكبار الضباط العسكريين في المنطقة الساحلية من القرى العلوية في المنطقة ولهم خبرة واسعة في رصد الغرباء.
ويقول بعض أهالي المنطقة إنهم بدؤوا يرون رجال ميليشيا شيعية عراقيين على امتداد الساحل لدعم صفوف القوات السورية. وانضم عراقيون إلى قوات من «حزب الله» الشيعي اللبناني وإلى مستشارين وقادة من إيران القوة الشيعية الرئيسة في المنطقة لمساعدة الأسد. وزاد موت هلال الأسد ابن عم الرئيس الشهر الماضي من الإحساس الجديد بعدم الأمان بين الموالين للحكومة في المحافظات الساحلية. وقتل هلال الأسد الذي كان يقود الفرع المحلي لميليشيا قوات الدفاع الوطني قبل 3 أسابيع في معركة قرب الحدود التركية مع مقاتلين إسلاميين ليصبح أول عضو من عائلة الأسد يقتل منذ عملية تفجير في دمشق عام 2012. ويقول سكان إن قوات الأمن التي تبحث عن مقاتلي المعارضة تستهدف الأحياء السنية على الساحل على نحو متزايد. ويعتقل شبان وينقلون لاستجوابهم بمنشات تقول جماعات لحقوق الإنسان إن كثيرين يعذبون فيها ويقتلون.