أكد رئيس اللجنة العليا المنظمة لمؤتمر حوار الحضارات سفير البحرين لدى الكويت الشيخ خليفة بن حمد آل خليفة، أن البحرين تشكل نموذجاً في ترسيخ حقوق المواطنة وحرية الفكر والدين والمعتقد، ودعم التسامح والحوار بين الحضارات والثقافات والأديان والمذاهب المختلفة، في إطار التعددية الفكرية والثقافية والتنوع الديني والمذهبي والفكري.
وقال في حديث مع صحيفة «الشرق الأوسط»، إن صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى يمتلك رؤية ثاقبة، وأنه دائم الرغبة في الحوار والتواصل، ويسعى دوماً إلى السبق في أن يكون للبحرين مكانها بين الدول الحاضنة لحوار الحضارات، وأن تكون البحرين واحة لحوار الحضارات دعماً لمشروع خادم الحرمين الشريفين، وتعزيزاً لمسيرة مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود لحوار الحضارات والثقافات. وأضاف أن احتضان المنامة لهذا المؤتمر العالمي تحت عنوان «الحضارات في خدمة الإنسانية» بمشاركة 150 من رموز الفكر والثقافة والإعلام وممثلي الأديان والمذاهب المختلفة، يأتي في إطار مبادرات الملك لتعزيز القيم الإنسانية والحوار والتفاهم المشترك بين جميع الدول والشعوب والحضارات على أسس من الود والاحترام المتبادل ونبذ الكراهية.
وذكر أن مؤتمر حوار الحضارات الذي تستضيفه البحرين ما بين 5-7 مايو المقبل، يمثل امتداداً لمؤتمر الحوار الإسلامي المسيحي عام 2002، ومؤتمر التقريب بين المذاهب الإسلاميةعام 2003.
وأكد دعم البحرين وتقديرها للمبادرات الإقليمية والدولية الداعية للحوار ونبذ التطرف والتعصب الفكري والعرقي والديني، مثمناً مبادرة خادم الحرمين الشريفين لإنشاء مركز للحوار بين المذاهب الإسلامية، وتدشين مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود للحوار بين أتباع الديانات والثقافات في فيينا.
ولفت إلى أن البحرين لديها السبق والريادة في استضافة العديد من المؤتمرات المماثلة، بمشاركة علماء وباحثين ومفكرين ومثقفين من مختلف الأديان والثقافات، وقبل 12 عاماً انعقد مؤتمر الحوار الإسلامي المسيحي عام 2002 تحت شعار «دور الأديان في تحقيق التعايش السلمي للمجتمعات المعاصرة»، ثم مؤتمر التقريب بين المذاهب الإسلامية عام 2003، مروراً بمنتدى الحوار بين الحضارات عام 2008، وغيرها من المؤتمرات الداعية للأمن والسلام الإقليمي والدولي مثل مؤتمر حوار المنامة.
وعدّ السفير مؤتمر حوار الحضارات 2014 امتداداً للجهود الرامية إلى تحقيق أمن وسعادة البشرية، مضيفاً أن البحرين تشارك بفعالية في تدعيم الجهود الدولية، ودعم قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتسمية عام 2001 سنة الحوار بين الحضارات، واعتماد برنامج عالمي للحوار بين الحضارات في العام ذاته.
وأبدى استعداد المملكة لاستضافة أمانة عامة لحوار الأديان والثقافات، مشيراً إلى أن جلالة الملك شارك في الاجتماع رفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن دعم الحوار بين الأديان والثقافات بمقر الأمم المتحدة بنيويورك 12 نوفمبر 2008، بينما شاركت قرينة الملك ممثلة عن البحرين كضيف شرف في احتفالية افتتاح واحة «سعفة الحرية» في ساحة كاتدرائية نوتردام بباريس عام 2012. وأوضح أن للبحرين إسهاماتها الإنسانية المشهودة في دعم الحوار والتفاعل بين الحضارات، واحترام المبادئ الأساسية للعدالة وحقوق الإنسان وكرامته، من خلال تدشينها جائزة عيسى لخدمة الإنسانية بقيمة مليون دولار أمريكي، وميدالية ذهبية صدرت نسختها الأولى لعام 2011 - 2012، و جائزة اليونيسكو - الملك حمد بن عيسى آل خليفة لاستخدامات تكنولوجيات المعلومات والاتصال في مجال التعليم منذ عام 2005، والمركز الإقليمي العربي للتراث العالمي التابع لمنظمة اليونيسكو عام 2013، ومبادرتها بإنشاء واستضافة أول محكمة عربية لحقوق الإنسان، إلى جانب ارتباطها بعلاقات ودية وثيقة مع كبرى المؤسسات الدينية في العالم، مثل الأزهر الشريف والفاتيكان.
وأشار إلى أن عاهل البلاد المفدى زار في العام الأول لتوليه مقاليد الحكم بالبلاد، الفاتيكان في نوفمبر 1999، والتقى بابا الفاتيكان الراحل يوحنا بولس الثاني، والتقى البابا بنديكتوس السادس عشر لدى زيارته إلى إيطاليا عام 2008، وتعد المنامة مقراً لنائب بابا الفاتيكان لشمال شبه الجزيرة العربية، حيث تستضيف أقدم كنيسة كاثوليكية في المنطقة يعود تاريخها لعام 1930.
ونبه إلى أن البحرين انضمت خلال العام الحالي إلى اتفاقيتين دوليتين مهمتين لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة اليونيسكو، أولاهما بشأن حماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي لسنة 2005، والثانية بشأن حماية التراث الثقافي غير المادي لسنة 2003، بما يؤكد احترامها لحقوق الأفراد في التعبير الثقافي وحماية التنوع والتعددية في الآراء والتوجهات الدينية والثقافية والحضارية في رحاب من الديمقراطية والتسامــح والعدالــة الاجتماعيــة والاحترام المتبــادل بين الشعوب والثقافات، باعتبارها من أهم ركائز تحقيق السلام والأمن على الصعيدين المحلي والدولي، ودفع خطوات التنمية المستدامة.
وبين أن الرسالة الأساسية لمؤتمر حوار الحضارات نابعة من دستور البحرين، الذي يؤكد في مادته 18 أن الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، ويتساوى المواطنون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة، باعتبار ذلك جوهر المشروع الإصلاحي لملك البلاد.
وقال «لهذا جاء العنوان الرئيس للمؤتمر الحضــارات فــي خدمـــة الإنسانية، إيماناً أن التنوع الحضاري والثقافي والديني والفكري ينبغي أن يكون رافداً للتعاون والتحالف، بدلاً من الفرقة أو الصدام أو إثارة الكراهية، من أجل صالح البشرية وسعادتها، ونشر الحرية والعدالة والسلام والاستقرار في جميع أرجاء المعمورة»، داعياً إلى احترام المبادئ السامية لجميع الأديان والمذاهــب، والتمســك بالشرعيـــــة الدولية والاتفاقيات الحقوقية الدولية.
وأضاف أن المؤتمر يؤكد ضرورة التسامح واحتــرام التنــوع الدينــي والثقافي والفكري وحماية حقوق الإنسان، وحرياته السياسية والمدنية والثقافية والاجتماعية، وبناء الثقة وتعزيز الحوار والتفاهم والتعايش السلمي بين جميع الحضارات والأديان والثقافات داخل الوطن الواحد، وإقامة العلاقات مع الدول والمجتمعات الأخرى، وتوجيه الثروات والطاقات البشرية والمادية نحو التنمية الاقتصاديــة والاجتماعية، والنهــوض بالحضارة الإنسانية العالمية الجامعة، وتعزيز الجهود المشتركة في حماية الأفراد والمجتمعات من مخاطر التعصب والكراهية الدينية أو العرقية.
وقال إن المؤتمر يناقش على مدار 3 أيام 4 محاور أساسية، تتناول التعارف الإنساني وأثره في إسعاد البشرية، ودور المؤسسات الدينية والتعليمية والإعلامية في تعزيز الروابط الإنسانية، والتعايش بين حضارات متنوعة في الوطن الواحد، والمحور الرابع حول حقوق الإنسان والديمقراطية كثمار للحضارات الإنسانية. وتسعى هذه المحاور -حسب تصريحه- إلى تأكيد أهمية التعارف والتقارب بين الشعوب والحضارات باعتباره دعوة ربانية وفطرة بشرية، مع التركيز على القيم الإنسانية المشتركة وحقوق الإنسان العالمية بما ينمي روح الود والتعايش السلمي بين جميع البشر من خلال 12 موضوعاً، وبمشاركة نخبة متنوعة من العلماء والمفكرين يمثلون معظم المؤسســات الدينيـة والأكاديميــة والثقافية في العالم، بما يعبر عن تنوع المجتمعات والحضارات الإنسانية.
وحول ما إذا أدت المؤسسات الدينية والتعليمية والإعلامية دورها في تعزيز الروابط الإنسانية، أم أنها -كما يرى كثيرون- جرى تسييسها واستغلالها في تأجيج الخلافات والصراعات، قال الشيخ خليفة بن حمد آل خليفة إن هذه القضية مهمة جداً، ومحور أساس على أجندة أعمال المؤتمر، باعتبار هذه المؤسسات من أكثر القنوات تأثيراً في وعي وثقافة الفرد والمجتمع، وعليها مسؤولية أخلاقية وإنسانية ووطنية في ترسيخ التعايش السلمي والتسامح بين جميع المجتمعات وأتباع الأديان والثقافات، والحيلولة دون إساءة استغلالها من عناصر متطرفة في نشر التعصب والعداوة أو التحريض على الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية، لأغراض سياسية أو أيديولوجية.
وأضاف أنه انطلاقاً من أهمية اضطلاع هذه المؤسسات بواجباتها في احترام حقوق الإنسان والتنوع الحضاري ومكافحة التعصب والكراهية، وإصلاح أوجه الخلل، يتطرق المؤتمر في محوره الثاني إلى موضوع التعليم الديني وأثره في تعايش أبناء الحضارات، ويحذر من خطاب الكراهية وأثره السلبي على اتباع الحضارات، ومن التطرف الفكري وأثره في تنامي ظاهرة العنف وصدام الحضارات.
وأعرب عن ثقته بخروج المؤتمر بتوصيات تدعــو إلى الوسطيـــة والانفتاح، وترشيد الخطاب الديني، وتحديث وتطوير المناهج التعليمية بما يتوافق مع المعايير الحقوقية، ودعوة المؤسسات الإعلامية إلى الالتزام بآداب وأخلاقيات المهنة.
وأكد أن البحرين تدرك تماماً مخاطر التحريض الإعلامي «خاصة أننا من أكثر دول العالم تضرراً من قنوات فضائية ومواقع إلكترونية تبث سمومها لنشر الأكاذيب والشائعات، وإثارة الفرقة، والتحريض على الفتنة الطائفية والكراهية والعنف والإرهاب». وعبر عن بالغ قلقه إزاء سوء استخدام القنوات الإعلامية في الدعوة إلى الصراع والصدام والعداوة، وقال «لهذا تحرص البحرين ويركز المؤتمر على أهمية العيش المشترك وترسيـــخ الديمقراطيــة وحقــوق المواطنة داخل الوطن الواحد في إطار الدولة المدنية، ونشر قيم الوسطية والاعتدال، وتحصين المجتمع من التطرف الفكري، وتأكيد أهمية دور القانون في تنظيم العلاقة بين أتباع الحضارات والثقافات المتنوعة».
وأعرب عن اعتقاده أن هذه المخاطر والتحديات تتطلب تفعيل الإجراءات القانونية، وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي في تطبيق الاتفاقات والمعاهدات الدولية، لاسيما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز العنصري، إلى جانب المواثيق الإعلامية.
وواصل «جميع هذه التشريعات والمواثيق تدعـــو لحفــظ الأمـن والسلام، وحماية حقوق الآخرين وسمعتهم، ونبذ التعصب والتحريض على الفرقة والعداوة والإرهاب، وتحث على الاحترام بين البشر على اختلاف الحضارات والثقافات واللغات والأديان والمعتقدات».
ورأى الشيــخ خليفـــــة بن حمـــد أن الحكومـات ومؤسســات المجتمــع الثقافية والفكرية والفنية والإعلامية والتعليمية والدينية والأهلية، كلها شريكة في تعزيز التفاهم والاحترام المتبادل بين الحضارات والثقافات والأديان على تنوعها، ودعوة الجميع إلى احترام الرموز والشعائر الدينية، وعدم الإساءة إلى حقوق ومعتقدات الآخرين، ونبذ التعصب والتطرف العرقي والديني.
وأكد أن جميع الضمانات متوفرة لإنجاح المؤتمر العالمي لحوار الحضارات على أرض البحرين، في ظل الانفتاح السياسي والديمقراطي، واحترام الحقوق والحريات الدينية والفكرية والإعلامية والثقافية خلال العهد الإصلاحي لملك البلاد، وما يقدمه من دعم للجنة العليا المنظمة للمؤتمر. وقال إنه يتشرف أن اللجنة تضم كوكبة مضيئة من رموز المجتمع البحريني بجميع مكوناته وتنوعاته الدينية والمذهبية والفكرية، من مسلمين سنة وشيعة ومسيحيين ويهود وغيرهم، وإلى جانب هذه الروح الوطنية الجامعة، هناك الكفاءات الوطنية المخلصة في جميع الوزارات والهيئات الحكومية الداعمة للمؤتمر، بما فيها هيئة شؤون الإعلام ووزارة العدل ووزارة الثقافة، والخبرات السابقة في تنظيم مثل هذه المؤتمرات والفعاليات الدولية، إلى جانب الشراكة مع منظمة الأمم المتحدة ممثلة في مركز الأمم المتحدة للإعلام بمنطقة الخليج، وبيت ثقافات العالم في برلين، في تدعيم الإجراءات التنظيميــة واللوجستية والفنية، وتعميم مضامينه دولياً وأوروبياً.