خلص المشاركان في الجلسة الثانية من اليوم الثاني لمؤتمر دراسات حول «أمن التعاون» إلى ضرورة استكمال إجراءات الربط المائي الخليجي وتطوير تقنيات الموارد غير التقليدية لتعزيز الأمن المائي، مشيرين إلى أن الأمن المائي بات مطلباً استراتيجياً وطنياً لتحقيق أمن دول التعاون، ما يستدعي وضع استراتيجية شاملة وخارطة طريق لتحقيق الأمن المائي الخليجي.
وقال مدير الاستراتيجية الموحدة للمياه في دول مجلس التعاون الخليجي د.عبدالعزيز الطرباق إن «دول مجلس التعاون تقع في منطقة صحراوية جافة المناخ، ولا يوجد بها أنهار جارية وتعاني من قلة مياه الأمطار، وعليه فإن المياه تعد المورد الأكثر تقييداً أو تحديداً للتنمية الاقتصادية والاجتماعية».
وأوضح الطرباق أنه «تم خلال العقود القليلة الماضية استنزاف كبير لموارد المياه الجوفية وخاصة في القطاع الزراعي، مما أدى إلى هبوط حاد في مستويات هذه المياه لدرجة أن العيون في البحرين والسعودية مثلاً أصبحت غير متدفقة، وهبط مستوى الماء فيها بشكل كبير، كما إن زيادة عدد السكان وارتفاع مستوى المعيشة والتنمية الصناعية قد زادت بشكل هائل من الاستهلاك في القطاعين البلدي والصناعي مما يهدد الأمن المائي لدول المجلس. ولفت إلى أن دول الخليج تعتمد في مياه الشرب بنسبة 90% على المياه المحلاة من البحر. وأوضح أن المملكة العربية السعودية وحدها استهلكت خلال السنوات الأربعين الماضية أكثر من 500 مليار م3 من المياه الجوفية، واصفاً ذلك بأنه «أشبه بالانتحار» وأمر خطير جداً في دولة صحراوية مثل السعودية. وعرف الطرباق مفهوم الأمن المائي بأنه الكفاية والضمان للموارد المائية عبر الزمان والمكان بالكميات والمواصفات العالمية، ويعني تلبية الاحتياجات الخليجية المختلفة من المياه كماً ونوعاً مع ضمان استمرار هذه الكفاية من خلال حماية الاستخدامات الحالية للدولة وتنمية موارد المياه العالمية. وأشار الطرباق إلى أن «من ربع إلى ثلث الإنتاج البترولي يذهب لتشغيل محطات التحلية، كما إن مياه الصرف الصحي المعالجة تعتبر مصدراً جيداً ولكنه غير مستغل بالطريقة الكاملة في دول الخليج».
واعتبر الطرباق أن أهم القوى الدافعة للمشكلة المائية في الخليج هي ضغوطات النمو السكاني المتزايدة وتعارض السياسات الزراعية مع الموارد المتاحة وانخفاض كفاءة استخدام المياه وعدم كفاية الوعي المجتمعي بالأمن المائي وترشيد الاستهلاك.
ودعا الطرباق إلى ضرورة القيام بإصلاحات كبيرة في بناء القدرات المؤسسية وتحديث التشريعات، وتحسين مستوى النهج التشاركي ليتحول المجتمع الخليجي من جزء إلى المشكلة إلى مساهم في تعزيز الأمن المائي.
وحث الطرباق على ضرورة الإسراع في إنجاز الاستراتيجية الموحدة لدول الخليج واستكمال إجراءات الربط المائي ورفع مستوى الاستثمارات المطلوبة في البحث والتطوير في مجال تقنيات الموارد غير التقليدية، وتعزيز التكامل بين دول الخليج والعالمين العربي والإسلامي في قضية الأمن الغذائي لتعزيز الأمن المائي.
«خارطة مائية»
من جهته قال المدير التنفيذي لمركز أبحاث المياه بمعهد الكويت للأبحاث العملية د.محمد الراشد إن الدول التي تكبدت عناء تطبيق استراتيجيات الأمن المائي خلال القرن الماضي تعتبر حالياً من الدول الغنية وخصوصاً بمصادرها المائية، بينما ستواجه الدول التي لم تطبق هذه الاستراتيجيات حتى الآن تحديات جمة كلما تأخرت في اتخاذ قرار وضع استراتيجية أمنها المائي وآليات تطبيقها لهذه الاستراتيجية، مطالباً دول مجلس التعاون الخليجي بصياغة استراتيجية شاملة وموحدة تكون مدروسة وبعيدة الأمد لتحقيق الأمن المائي وتعزيزه في السنوات المقبلة. وأضاف د.الراشد أن من أهم مقومات الأمن المائي في المنطقة هو تحلية المياه ومعالجتها وإعادة استخدامها ومكامن المياه الجوفية، وتوفر الطاقات اللازمة لتطويع هذه المقومات، وتكوين مخزون استراتيجي آمن من المياه العذبة وخيارات نقل المياه عبر الحدود. وأشار د.الراشد إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي تشترك بشكل عام بخصائصها المائية، بالإضافة إلى الخصائص الأخرى المشتركة، مما يسهل اتباع استراتيجية موحدة للأمن المائي.
وطرح الراشد خارطة طريق لتحقيق الأمن المائي الخليجي وتعزيز مكوناته، وذلك من خلال توحيد الإطار العام للسياسات والقوانين المائية لدول مجلس التعاون عبر نظم تسعير المياه والمواصفات وغيرها، وتقييم التقنيات المستخدمة ومصادر الطاقة المستخدمة لتحلية ومعالجة المياه في دول المجلس، وإعداد استراتيجية لتحقيق الأمن المائي من قبل مختصين في شؤون المياه، فضلاً عن تكوين مخزون استراتيجي كافٍ وآمن من المياه العذبة باستخدام أحدث تقنيات الشحن الاصطناعي.
واستعرض بعض الأمثلة الناجحة لاستراتيجيات تحقيق الأمن المائي التي اتبعتها بعض الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وكيفية وصول هذه البلدان المتقدمة لصياغة هذه الاستراتيجيات وتطبيقاتها وما واجهته من صعوبات وتكاليف اجتماعية واقتصادية لوصولها لهذا الهدف.