قالت صحيفة "نيويورك تايمز" أن بعض النظم الاقتصادية الأكبر حجما في آسيا تبحث حاليا بفعل الضغط الأمريكي المتزايد عن خيارات ملائمة لتقليل كميات النفط الذي تشتريه من إيران مما يعني أن الاقتصاد الإيراني سوف يتعرض لضغط شديد خلال الأشهر القليلة المقبلة.
وأضافت الصحيفة في تقرير لها اليوم الأربعاء أن قرار استجابة اليابان وكوريا الجنوبية لمطالب واشنطن في هذا المجال يأتي بعد تقارير تحدثت حول تخفيض الصين بالفعل حجم مشترياتها من النفط الإيراني الخام الشهر الماضي بسبب خلاف حول السعر مع طهران.
ومهما يكن الأمر لا شك أن خسارة إيران لمثل هذه المبيعات سيكون لها انعكاسات مؤثرة على اقتصادها الذي يترنح حاليا كما هو واضح من خلال هبوط قيمة الريال الإيراني، ارتفاع مستوى التضخم وتنامي الشعور بالقلق لدى الناس من احتمال اندلاع حرب وشيكة في المنطقة.
ويذكر أن الصين، اليابان، الهند وكوريا الجنوبية تستورد أكثر من %60 من حاجياتها النفطية من إيران، وتعتمد كلها على إيران ومنتجين آخرين في منطقة الخليج العربي لتلبية احتياجاتها المتزايدة من النفط والغاز الطبيعي.
انتكاسة كبرى
ومع تزايد حدة التوتر في الخليج، بدأت حكومات وشركات ورجال أعمال هذه الدول البحث عن هذه السلعة الحيوية في أماكن جديدة مثل روسيا، فيتنام، إفريقيا الغربية، العراق والسعودية على نحو خاص. وإذا ما تأكد هذا الاتجاه سيشكل عندئذ انتكاسة كبرى لطهران التي تعتمد كثيرا على عائدات النفط لدفع عجلة اقتصادها المنهك بسبب العقوبات المفروضة على إيران منذ سنوات، وسوف يكون لهذا انعكاسات سلبية كبيرة على المستهلك الإيراني لاسيما بعد أن قرر الاتحاد الأوروبي التحرك نحو حظر استيراد النفط الإيراني هو الآخر. والواقع أننا لو أخذنا كل هذه الإجراءات بعين الاعتبار، لتبين لنا أن الجهد الغربي يمثل الآن اخطر ضغط اقتصادي تتعرض له إيران بعد سنوات من الخلاف مع الغرب حول برنامجها النووي الذي يعتقد الاتحاد الأوروبي وأمريكا أن الهدف منه إنتاج أسلحة نووية.
لكن إذا كان الغرض هنا هو دفع إيران للاستسلام، يمكن القول إذا أن هذه الحملة لم تنجح حتى الآن، فقد ربط الإيرانيون نفطهم بحرب اقتصادية هددوا فيها بإغلاق مضيق هرمز الذي يمر فيه خمس نفط العالم إلى الأسواق العالمية.
لعبة شطرنج
ومن الواضح أن هذه الزيارة هي جزء من جهد مركز يقوم به الدبلوماسيون الغربيون لإقناع بلدان آسيا بالتعاون مع الجهود الأمريكية لإنجاح العقوبات الجديدة. حول هذا يقول دانييل يرجين مؤرخ شؤون الطاقة: أنها لعبة شطرنج عالمية، فقد بدأ المشترون الكبار يتحركون بحذر لوضع خطط بديلة تمكنهم من تقليل اعتمادهم على النفط الإيراني.
ويأتي هذا الجهد الآسيوي في حقيقة الأمر استجابة لقانون أمريكي أصدره الكونغرس في نهاية العام الماضي ويقضي بأن تنفذ الإدارة الأمريكية قرار المقاطعة الجديدة على مراحل بحيث يصبح من الصعب جدا على الدول الأخرى شراء النفط الإيراني، وذلك بمنع التعامل مع بنك إيران المركزي.
وبيد أن العقوبات الجديدة لا تشمل السلع الغذائية، المواد الطبية والمعاملات التجارية الإنسانية، وتسمح للرئيس بإعفاء أية شركة من تطبيق العقوبات في حال تضارب ذلك مع مصالح الأمن القومي الأمريكي.
والأمر الآخر الذي ينطوي على مغزى أيضا هو أن القانون المذكور يعفي من العقوبات البلدان التي تقلص بشكل كبير وارداتها من إيران.
الخليج العربي
وعلى الرغم من هذا، أعربت اليابان وكوريا الجنوبية عن بعض القلق من الطلب الأمريكي الذي يفرض عليهما تقليص اعتمادهما على النفط الإيراني، وذلك لخشيتهما من أن تقوض هذه الخطوة اقتصاديهما. فمن المعروف أن اليابان التي هي ثاني اكبر مستورد للنفط الإيراني، تعتمد على دول الخليج العربي في حوالي أربعة أخماس وارداتها النفطية التي تمر عبر مضيق هرمز.
لذا اعلن اوسامو فوجيمورا سكرتير الحكومة ان اليابان اعربت عن قلقها للولايات المتحدة بشأن المخاطر التي قد يتعرض لها الاقتصادين الياباني والعالمي نتيجة لتقليص واردات النفط من ايران.
غير ان يوسوشي كيمورا رئيس شركة الطاقة التي هي الاكبر في مجال تصفية النفط في اليابان اعلن اخيرا ان شركته بدأت محادثات مع المملكة العربية السعودية ودول نفطية اخرى – لم يسمها – حول توفير بدائل للنفط الايراني.
وبدورها، اعلنت حكومة كوريا الجنوبية هي الاخرى انها تدرس السبل التي تمكنها من تقليص وارداتها النفطية من ايران، لكن الحكومة امتنعت عن القول ما اذا كانت ستتوقف عن استيراد النفط الايراني بالكامل.
اما الصين التي تستورد ما يصل الى حوالي %11 من وارداتها النفطية من ايران، فقد قلصت بالفعل مشترياتها اليومية من الخام الايراني على الرغم من ان معدل تقليل هذه المشتريات يتراوح بين 15000 برميل فقط في اليوم وربما اكثر من ذلك. والحقيقة ان من الصعب معرفة ما اذا كانت بيجين تلعب هنا ورقة سياسية ام انها تحاول شراء النفط بشروط افضل.
وحول هذا، يقول آندي ليبو، المحلل التجاري في قطاع مصافي النفط في هيوستن: لا شك ان الصينيين قلصوا عقودهم على المدى البعيد ولا ندري سبب ذلك، لكن ربما يشعرون ان بمقدورهم الآن شراء النفط على نحو ارخص من الاسواق على المدى القصير اذا ما خسرت ايران زبائنها الاوروبيين.
جدير بالذكر ان السعودية كانت قد ذكرت اكثر من مرة انها سوف تزيد انتاجها عند الحاجة من اجل تعويض النقص الناجم عن توقف صادرات النفط الايراني.
ولهذا لا يوجد حاليا احساس بالازمة في اسواق النفط. الا ان هذا الاحساس سوف يتبدل بسرعة ليحل محله القلق في حال انقطاع امدادات النفط من الشرق الاوسط بسبب الازمة السياسية القائمة التي لا تزال تلقي بظلالها القاتمة على منطقة الخليج.