لم يعد إيمان المرشح في الدوائر الانتخابية بامتلاكه قدرات خاصة، وبقوة تأثيره على الناخبين كفيلاً بتوقع فوزه في الانتخابات، فقد تجاوزت العملية الانتخابية قصص القدرات الخاصة والتميز والثقة بالنفس، تجاوزت كل هذه العناصر لتصل إلى أطر التكنيك والحسابات، والأساليب العلمية، والخطط الاستراتيجية، لدرجة أصبحت العملية الانتخابية في مختلف البلدان أشبه بالحرب الباردة التي تتطلب إعداداً من نوع خاص.
ففي السابق كانت الحملات السياسية تستخدم الطرق التقليدية في التواصل الشخصي، مثل شراء وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، والإعلانات المطبوعة والبريد المباشر، أما اليوم فإدارة الحملة الانتخابية أصبحت تتطلب مقومات مختلفة، منها معرفة مقومات الإدارة الفعالة في الحملة الانتخابية التي تؤدي إلى كيفية تكوين صورة ذهنية إيجابية للمرشح في دائرته الانتخابية، معتمدة في ذلك على التسويق السياسي، وقد عرّف المتخصصون مفهوم التسويق السياسي أنه عرض منتج في السوق للجمهور المستهدف في وقت مناسب ليتوافق مع احتياجات ومتطلبات المستهلك، وهو يعني أيضاً تزاوج السياسة والتسويق بما فيها الجانب الاقتصادي والسياسي.
ومن هذا المنطلق سعت الجمعيات والأحزاب إلى الحقائب التدريبية التي تعمل على نقل مهارات المشاركين في العملية الانتخابية، وتطبيق الأسس والقواعد العلمية في تخطيط وإدارة الحملات الانتخابية، واستهدفت برامج التنمية السياسية مديري الحملات الانتخابية لتدريبهم على المقومات والأدوات الحديثة التي تتواكب مع العصر الحديث بكافة متطلباته والتي تقود الحملات الانتخابية إلى النجاح، فقد تصدرت شبكات الإنترنت اللعبة الانتخابية، وأصبحت برامج التواصل الاجتماعي محركاً لا غنى عنه في العملية الانتخابية.
ومن جهة أخرى أصبح التدريب على الاستخدام الأمثل والفاعل لشبكات الإنترنت في التواصل الاجتماعي علم ومهارة تدَرّس وتكتسب لتحقيق أهداف الحملة الانتخابية، وقد رصدت بلدان العالم ميزانيات كبرى للبرامج التدريبية السياسية، إيماناً منها بأن السياسية تساهم في تغيير موازين القوى العالمية، ولم يكتفِ المدربون في مجالات إدارة الحملات الانتخابية بالمعلومات الأكاديمية فحسب، بل حرصوا على طرح تجارب تطبيقية مختلفة من واقع الممارسات الفعلية أمام الفئات المستهدفة، حيث يتم الاهتمام بتضافر الجانبين النظري والتطبيقي.
وعلى صعيد آخر تنوعت سياسات البرامج التدريبية في مجال إدارة الحملات الانتخابية، فمن هذه البرامج من اتخذت أسلوب وصول المرشح إلى أكبر قاعدة شعبية ممكنة للفوز بالانتخابات، ومنها من اكتفت بالوصول إلى شريحة معينة من الجمهور، تتصف بالإيجابية والانتشار، لذا، تنوعت وسائل جذب الناخبين بين الشعارات الرنانة والتي تتخذ من القضايا المهمة في حياة المواطنين وسيلة للفوز واللعب على المشاعر، وبين من قدّم برامج منطقية ومدروسة ومخططة بعناية.
وأياً كانت نوعية البرامج التدريبية التي تدار بها الحملات الانتخابية، فنحن نقف اليوم أمام حقائق مهمة تؤكد ارتفاع مستوى الوعي السياسي لدى الجماهير بصفة عامة، هذا الوعي الذي يتجسد في عدة صور، فزيادة عدد المشاركين وبصورة كبيرة في دورات معهد البحرين للتنمية السياسية إحدى هذه الصور، والإقبال الكبير الذي نشهده على الندوات السياسية والتفاعل معها من خلال المناقشة وطرح المداخلات، والمقترحات، وعرض المشهد السياسي الذي نعيشه بوضوح ورؤية وموضوعيه كلها صور تؤكد على هذا الوعي السياسي الذي بات يفتح أمام المرشحين الكثير من الملفات ولعل أهمها يكمن في كيفية التواصل مع جمهور واعٍ ومثقف سياسياً.
معهد البحرين للتنمية السياسية