دعا شيخ الأزهر الشريف الإمام الأكبر د.أحمد الطيب لنبذ الخلافات المذهبية، وعدم اتخاذها مادة لإحداث الفتنة بين أبناء الوطن الواحد، مؤكداً استعداد الأزهر التام للإسهام في استكمال ما بدأته البحرين من حوار بين علماء المذاهب الإسلامية.
وأضاف شيخ الأزهر -خلال الجلسة الافتتاحية لمؤتمر حوار الحضارات والثقافات أمس- أن مبادرة البحرين باستضافة مؤتمر حوار الحضارات والثقافات، تعتبر لبنة مباركة في إقامة علاقات إنسانية سوية تحقق قيم الأخوة والعدل والمساواة والسلم الاجتماعي بين أبناء الحضارات المختلفة، معرباً عن شكره البحرين لاستضافتها المؤتمر «الذي تمليه الظروف والملابسات التي يمر بها عالمنا المعاصر خصوصاً العالمين العربي والإسلامي».
ودعا شيخ الأزهر، البحرين لأن تستمر في رعايتها لهذا الحوار وهذا التعارف بين الحضارات علي مستويين أولهما مستوى الحوار والتعارف بين أتباع المذاهب الإسلامية، للاتفاق على القواسم المشتركة للسير قدماً في طريق الوحدة الوطنية والإسلامية، وثانيهما مستوى التعارف والحوار بين أبناء الأديان السماوية وأتباع الحضارات المختلفة.
وقال شيخ الأزهر إن الإسلام جاء بحضارة إنسانية سامية نزلت إلى الواقع وخاضت تجربة تاريخية طويلة، أثبتت أن الإسلام دين عالمي يفتح أبوابه على مصراعيها لكل عناصر الحق والخير مهما اختلفت مصادرها ومهما تناءت مواطنها، وأن حضارته كانت حضارة مفتوحة على العالم وقد تعاملت مع الأديان والحضارات الأخرى بكثير من الاحترام والتفاعل والتواصل، مشيراً إلى أنها كما تأثرت بحضارات الآخرين؛ أثرت فيها ورفدتها بزاد علمي وحضاري ما كانت لتحصل عليه لولا حضارة المسلمين.
وأضاف: نحن مؤهلون اليوم لاستلهام روح حضارتنا وقادرين على إعادة إنتاج حضارة التعارف مرة أخرى، معرباً عن اعتقاده أن هذا الدور الآن هو دور العرب والمسلمين، حيث أصبح العالم كله علي سطح بركان عنيف يهدد بالانفجار والهلاك كما آلت الحضارة الغربية إلى حالة من الأنانية المفرطة لم تر فيها غير نفسها وقوتها وسيطرتها علي العالم..
وأوضح د.الطيب أن الحضارة الغربية تتسم بالأنانية، والتعالي والاستعلاء من جانب الغرب؛ أضاع على العالم فرصاً كبرى للتلاحم بين الغرب والشرق، والتي هي أعرق من حضارة الغرب وأكثر منها عقلانية، وكان باستطاعتها أن تنقذ العالم من حروب القرن الماضي، وقد تنبه لذلك شيوخ الأزهر من أربعينات القرن الماضي، مؤكداً أنه لا مفر من التقريب بين الشعوب وأن تصبح الأرض كلها مدينة واحدة، خصوصاً وأن حضارة المسلمين هي حضارة تعارف تمد يدها للحضارات الأخرى وتستفيد وتفيد، فكان الإسلام أول من سعى للعالمية بثقافته المتنوعة، والمسلمين لم يجدوا حرجاً في أن يأخذوا من غيرهم من الحضارات الأخرى، وكانوا يقبلون الحق من غيرهم ويشكرونهم عليه.
وأكد شيخ الأزهر أن مسألة علاقتنا بالغرب الآن؛ لا تحتاج إلي علاج أكثر من الحوار والتعاون الذي يقتضي بذل الجهود من الطرفين اللذين أصبح كل منهما يجهل الآخر ويبادله العداوة والبغضاء، ونتطلع إلى حوار داخلي يجمع بيننا ويوحد أهدافنا ومقاصدنا العليا قبل حوارنا مع الغرب الذي لم يعد يفهم لغة غير لغة الاتحاد والكيانات المتحدة. وأضاف د.الطيب أن الغرب اتحد ولم يكن في يديه كتاب مقدس يتلوه ليل نهار كالقرآن الكريم الذي يدعونا نحن العرب والمسلمين إلى الوحدة ويحذرنا من التنازع والتفرق والاختلاف، والغرب الذي اتحد وزاده اتحاده قوة وبأساً لا يمتلك من أسباب الوحدة ودواعيها مثل ما يمتلك العرب والمسلمون فالغرب دول شتى في لغاتهم وأجناسهم ومذاهبهم وأديانهم وثقافاتهم، فنحن العرب والمسلمين لنا لغة واحدة ودين واحد ومصحف واحد ونبي واحد ومع ذلك يقع بيننا العنف والبغضاء على اختلافات مذهبية يتسع لها ديننا الحنيف، وتجد لها مكاناً في شريعته السمحة الغراء.