أكـــد رئيــس تحريــر قنــاة tv5 mond الفرنسية سليمان زغيدور، أن التنوع ظاهرة حتمية وأن لا بديل عن التعايش، عادا الحوار بين الحضارات والثقافات شرطا لازما لاستمرار البشرية.
وفي ورقته المعنونة «اختلاف الحضارات سبيل إلى تحالفها» ضمن جلسات مؤتمر حوار الحضارات والثقافات أمس، قال زغيدور إن العزلة والانغلاق مفردات أسهمت في إرباك علاقتنا بالآخر، بعد أن غدت فكرة «التعايش/ الحوار» بين مختلف الثقافات والحضارات شرطا لازما وحاسما لاستمرار البشرية.
وأضاف أنه ليس هناك خيار بديل عن التعايش بين مختلف ألوان الطيف اللغوي والديني والثقافي، ليصبح التنوع ظاهرة طبيعية وحتمية لا يمكن الرجوع عنها.
واستدرك في السياق ذاته «لا نستطيع أن نتحاور مع أنفسنا، لنتحاور كما يتحاور الزوجان، كما يجب أن نكون على الأقل اثنين مستقلين ومختلفين وخاصة متكاملين، لا الفرد ولا المجموعة ولا الثقافة أو الحضارة تطور في الوحدة، ولا زادت قيمته في انعزال رائع، لا يمكن أن نعيش منزوين بأبواب ونوافذ مغلقة، كي يزدهر الإنسان هو بحاجة للإنسان، فكره يتغذى من تنوع الكون ومن تنوع ساكنيه أولا، لغاتهم، طقوسهم وعاداتهم».
وأردف «نحن لا نحيا إلا في نظرة الآخر، نحن لا نتطور ولا نتقدم إلا بالنسبة للآخر، للجار، للغريب، صديقا كان أم عدوا، لذلك تعلم ابن آدم بالفطرة، منذ صباح العالم الأول، أن التبادل هو الحياة، أن التعاون و التقاسم هما شرطا البقاء، وأن التعايش مع أمثاله مفروض على الجميع».
وفي مقابل تلك الدعوات الباحثة في شأن تأسيس علاقة العالم الإنساني وفق تلك القواسم المشتركة، المبنية من خلال جملة من المفاهيم «التعايش ـ الحوار ـ الالتقاء»، كانت هناك دعوات وجهود تسعى إلى تحقق «الانقسام» بين العالم، هكذا ذهب زغيدور مستطردا «منذ نهاية الحرب الباردة، أي منذ 23 عاما، تم تشييد 26 ألف كم من الجدران الحدودية بين البلدان، ما يعني أن نصف الكرة الأرضية تم تسويرها بين الشر».
وأضاف «هذه الحدود الجديدة تضاف إلى 240 ألف كم من الحدود الرسمية الدولية، الفاصلة بين 193 دولة عضو بالأمم المتحدة، أي أنه يوجد اليوم 270 ألف كم من الحدود».
الانقسام هذا، يرجعه زغيدور إلى فكرة «الصراع»، فالإنسان كما يقول «تعلم منذ البداية كما في قصة قابيل وهابيل، أن الصراع متأصل في الطبيعة البشرية، أن الإنسان رغم حرية الاختيار ليس فقط كائنا عاقلا و لطيفا، بل هو أيضا كائن له عواطف، عقل ضعيف وينجرف وراء غرائزه البدائية التي قد تجعله قادرا على الأسوأ بما في ذلك رفض تام للآخر، اضطهاد للجار أو قتل للأخ».
إلا أن التحاور أيضا قديم قدم الصراع، هنا يحاول زغيدور أن يشير إلى حجم التعقيد الذي يعيشه إنسان هذه الأرض، فمفردة «الحوار ـ الصراع» قطبا رحى «لا يفترقان كالتوائم السيامية، ما يميز التحاور أنه كان ويظل الطريقة الأكثر حكمة والأكثر نجاعة لحل الخلافات بين الأفراد والشعوب والبلدان، وما نسميه حضارة ما هو إلا التطور الذي عرف واستطاع الإنسان تحقيقه والحفاظ عليه كي يحل الخلاف بالحوار بالتشاور وأخيرا بالوفاق، الحضارة هي تفوق الثقافة على الطبيعة، تفوق المكتسب على الفطري، العقل على الغريزة، مفهوم الصالح العام على العاطفة الجماعية، والسلام على الحرب».
وعرج زغيدور على مفهوم «الحضارة»، محاولا وضعه في سياق، يمكن للمعنى السليم أن يتموضع فيه «مفهوم تناولناه مرارا وتكرارا دون أن نحاول تعريفه»، لكن «التعريف الخاطئ للأشياء يزيد من فوضى العالم» كما يقول ألبرت كامو، الفرنسي من أصل جزائري الحائز على نوبل للآداب.
ويتساءل «عما نتحدث بالتحديد عند تناولنا هذه الكلمة «حضارة»؟ هي كلمة جديدة، فهي تعود إلى عصر الأنوار، ويتأتى من اللاتينية «سيفيس وتعني مواطن، أصل أعطى فيما بعد مدني وتمدن، ونلاحظ جيدا أن أصل الكلمة لا يقصد به حيز ثقافي أو مجال ديني لكن فقط وضعية، مستوى، مرحلة من تطور الإنسان من طبيعته، من بدائيته، من توحشه».
بهذا المقياس - يرى زغيدور - أنه لا يوجد إذا إلا حضارة إنسانية وحيدة وفريدة، عالمية تضم عديدا من الثقافات المحلية الشعبية والدولية، وكانت هذه الفكرة تهيمن على القرن التاسع عشر عندما كانت الأمم الأوروبية تسعى إلى استعمار البلدان المسلمة في أفريقيا وآسيا بإرادة معلنة في تهذيب شعوب العالم بنظرة طبقية وتطورية لدرجات الحضارة التي وصلت إليها هذه الشعوب.