أكدت دراسة أن الموقف الإيراني بشأن تسمية " الخليج العربي"، يثير جدلا إعلاميا حادا، وأن هذا الموقف لا يقتصر على مجرد الإصرار على وسم الخليج بالهوية " الفارسية " فحسب ؛ بل يتعدى ذلك ليشمل أبعاداً قومية ومضامين سياسية تتمحور حول السعي لتحقيق الهيمنة الإقليمية.
واعتبرت الدراسة التي صدرت عن مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة، وأعدها الدكتور بشير زين العابدين، وتحمل عنوان "الخليج العربي وأبعاد التسمية"، اعتبرت أن الموقف العربي تجاه هذا الجدل يجب ألا يتوقف عند مناقشة المسمى اللفظي للخليج العربي، بل يجب أن ينطلق من حقيقة مفادها أن عروبة الخليج تشكل مكوناً أساسياً من مكونات الهوية الإقليمية لسكان الخليج ككل.
وذكرت الدراسة أن مياه الخليج أُطلقت عليه مسميات عدة عبر مختلف العصور، وأن العديد من الجغرافيين والمؤرخين في العصور القديمة أطلقوا عليه مسمى "الخليج العربي" نظراً لهيمنة العنصر العربي على موانئه وجزره، ومن أبرز هؤلاء الرحالة والجغرافي سترابون، والمؤرخ الروماني بليني.
وأشارت إلى أن كثيرا من المصنفات التاريخية والجغرافية، فضلا عن الخرائط التي ظهرت إبان العصور المختلفة، وخاصة خلال الفترة من(1478-1861( تؤكد غالبيتها على هوية الخليج العربية، مدللة على ذلك بأن الغالبية العظمى من المسميات التي اصطلح الجغرافيون والرحالة على استخدامها مثل: "الخليج العربي" و"خليج العراق"، و"خليج البصرة" و"خليج عمان" و"بحر البصرة"، و"بحر القطيف" تؤكد الهوية العربية للخليج.
ووجدت الدراسة أنه تم العثور على العديد من المصادر والخرائط الأوروبية الحديثة التي تستخدم مسمى "الخليج العربي"، مؤكدة أنه في عام 1990 نشر جون بيير فينون أستاذ المعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية في باريس دراسة في صحيفة "اللوموند" الفرنسية يؤكد فيها على تسمية الخليج العربي، مستنداً إلى خارطة " لوكانور" التي يرجع تاريخها إلى نهاية القرن السادس عشر والتي تحمل التسمية اللاتينية "سينوس أرابيكوس" أي "البحر العربي".
وقال الباحث الفرنسي: "لقد عثرت على أكثر من وثيقة وخارطة في المكتبة الوطنية في باريس تثبت بصورة قاطعة تسمية "الخليج العربي"(...) وأن تسمية "الخليج الفارسي" المتداولة حديثاً بين بعض الجغرافيين الأوربيين جاءت نتيجة توجهات سياسية لدى بعض القوى الاستعمارية في القرن التاسع عشر.
وتابعت الدراسة تحليلها السياسي والتاريخي وقالت: إن هناك محاولات لإغفال العنصر العربي لدى التأريخ للأحداث التي مرت بالمنطقة قديما وحديثا، مؤكدة أن هناك العديد من الدراسات التاريخية الحديثة والمعاصرة التي لم تتطرق للكيانات السياسية العربية التي هيمنت على شاطئي الخليج، هذا بالرغم من أن تاريخ الهيمنة العربية على السواحل الشرقية لمياه الخليج يعود إلى مطلع القرن الرابع الميلادي، واستمر التواجد العربي حتى يومنا هذا، وأن الرحالة الغربيين أسهبوا في الحديث عن هيمنة العرب على الحركة الملاحية في الخليج العربي، ومن أبرزهم الرحالة كارستن نيبور الذي تحدث عن عروبة الخليج في القرن الثامن عشر.
ولاحظت الدراسة أن هناك ندرة في البحوث العلمية التي تتقصى جذور التواجد العربي في موانئ الخليج العربي وجزره، وأنه يتعين على المؤسسات العلمية أن تنشر المزيد من الدراسات التاريخية التي تتناول هذا الموضوع، وذلك بهدف ترسيخ هذا التواجد كجزء من البناء الثقافي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
وأضافت أن نزعات الهيمنة الإيرانية على الخليج ظهرت في مواقفها الرسمية بصورة مقلقة منذ العام 2004 عندما عمدت مؤسسة "ناشيونال جيوغرافيك" إلى كتابة اسم "الخليج العربي" في أطلسها الجديد، وأشارت إلى وجود خلاف على الجزر الإمارتية الثلاث المحتلة، وهو ما دفع طهران آنذاك إلى منع مطبوعات المؤسسة وخرائطها في إيران، متحججة بالدفاع عما سمته الهوية التاريخية "الفارسية" للخليج..
وفي الفترة نفسها والتي تلاها، خاصة عامي 2006 و2008، ظهرت مواقف عديدة ومقالات في الصحف الرسمية الإيرانية تدّعي لطهران الحق في السيطرة على سائر الخليج العربي، وأن سواحله الغربية كانت تابعة لها قبل الإسلام، وبأن تسمية "الخليج الفارسي" هي التسمية الوحيدة التي أطلقت على الخليج العربي، منكرة وجود أي تسمية أخرى، الأمر الذي يؤكد أن الموقف الرسمي لإيران اليوم يتعامل مع إشكالية مسمى الخليج من منطلق قومي يسعى إلى إلغاء أي هوية أخرى في الخليج العربي.
ورصدت الدراسة الكثير من المصادر التي تؤكد أن سكان سواحل الخليج العربي وجزره يرجعون إلى أصول عربية هاجرت من شبه الجزيرة العربية إلى أطرافها، وأن الفرس بطبيعتهم يجدون صعوبة في التأقلم مع حياة البحر بالمقارنة بعرب الخليج الذين استوطنوا سواحل الخليج، كما أن العرب حافظوا على السيادة البحرية في الخليج العربي طيلة الفترة الممتدة ما بين القرن الثامن الميلادي وحتى التاسع عشر الميلادي.
ونقلت الدراسة عن باحثين أوروبيين من أمثال المؤرخ الإنجليزي رودريك أوين في كتابه: "الفقاعة الذهبية: وثائق الخليج العربي"، والمؤرخ البريطاني أرنولد ويلسون، قولهم: "إن السيطرة الفعلية الفارسية لم تكن موجودة على السواحل الشرقية للخليج، بل كان النفوذ للعرب منذ عهد سابور الثاني في القرن الرابع الميلادي، واستمر كذلك بعد قيام الدولة الإسلامية، وحتى فترة متقدمة من الوقت الحاضر".
وترى الدراسة أن هناك اعتبارات استراتيجية تدفع إيران إلى الادعاء بمسمى آخر للخليج، ومن بين هذه الاعتبارات البعد القومي الشوفيني المحيط بالمسألة، ومحاولاتها الدؤوبة لتأكيد الاعتراف بها كقوة إقليمية كبرى، والسعي للعب دور أمني في المنطقة ولو على حساب الغير، مشيرة إلى أن إيران تعد دولة " شبه مغلقة " تحاصرها الجبال والصحاري من الشمال والشرق والغرب، ولذلك تعتمد في اتصالها بالعالم الخارجي على إطلالتها الخليجية.
وأضافت أن مياه الخليج العربي تعد المعبر الرئيس لواردات إيران ولنفطها الذي يشكل 80% من إيراداتها، والمصدر الأساسي لمواردها من العملة الأجنبية، كما أن طهران لا ترغب بإثارة حفيظة القوى الرئيسة في آسيا كالهند والصين وروسيا إذا ما تبنت سياسة توسعية في المناطق الشرقية أو الجنوبية لبلادهم، فضلا بالطبع عن أن الإصرار على مسمى آخر للخليج يخفف إلى حد كبير من الضغط والاحتقان الداخلي الذي تأن منه إيران بفعل العديد من الأمور التي لم تعد تخفى على أحد.
وخلصت الدراسة إلى التأكيد على أن إثارة إيران لقضية مسمى الخليج في الفترة الحالية يمثل خطورة كبيرة للوعي العربي، حيث يمثل كل من الإسلام والعروبة الدعامتين الأساسيتين لمكونات الهوية الوطنية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ولذلك فإنه يتعين على هذه الدول دعم البحوث العلمية الجادة التي تهدف إلى ترسيخ الهوية العربية.
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}