كتب – جعفر الديري:
لا تعتقد الباحثة والناشطة الاجتماعية هدى آل محمود أن الأسرة البحرينية، سعيدة، كما العديد من الأسر في محيطنا الخليجي أو الإقليمي أو العالمي، بشكلها الصغير (النووي- أي الأسرة النواة)، مرجعة ذلك لما تواجهه من تحديات أكبر من قدراتها على التكيف! وتمزقها تناقضات ما يدور حولها وما يطالبها المجتمع بالقيام به.
آل محمود أوضحت لـ «الوطن» عبر هذا اللقاء، أنه بدون تفهم لكل التطورات التي حدثت وتحدث في الواقع! لم تعد الأسرة هي المؤثر الأساس في أطفالها، لافتة إلى أهمية مفهوم الحب كمقياس لسعادة الأسرة، يتعرض للتغييب رغم أهميته القصوى.
- من أين يبدأ تكوين الأسرة السعيدة؟
يبدأ من الأسرة ذاتها، السعادة لها أسس يتعلمها الإنسان من أسرته الأولى وأهمها الدفء والترابط الأسري والتفاهم والحوار سبيل للتواصل وحل المشكلات. هذه أول الأسس للتوازن النفسي المطلوب لأفراد الأسرة خصوصاً الأطفال. وإذا عرفنا أن الطفل يتعلم بكافة حواسه وأهمها حاسة النظر, يمتص كل ما يدور حوله ويحوله إلى بناء ومنظومة قيمية وأخلاقية تتراكم وتقوى على مر السنوات عبر أخطر عملية تتولاها الأسرة نيابة عن المجتمع وهي (عملية التنشئة الاجتماعية).
- لماذا حاسة النظر؟
لأن الطفل يستوعب بنظره كل خفايا السلوك الواقعي الذي يمارسه الآباء بغض النظر عن التوجيه والإرشاد المستمرين (والذي غالباً ما يأتي بمصاحبة العنف) ولا يثمر هذا كثيراً، لأن عقل الطفل في السنوات الأولى لا يستوعب كثيراً من المصطلحات التي يقدمها الأبوان له من خبراتهما التي لا تتناسب مع قدرات الطفل العقلية والفكرية، وكذلك قدرة المخ بالسنوات الأولى لاستيعاب المفاهيم المجردة. على كل حال تراوح التربية الأولى للطفل بين الشدة المفرطة أو التدليل المفرط وغياب عاطفة الحب والتقارب والحوار, تؤذي وتعيق تكوين الذات للطفل وينشأ بقدر كبير من الكراهية أو اللامبالاة لذاته وللآخرين وغالباً ما ينظر لذاته بدونية فيعكسها في علاقته بالآخر. وفي النهاية هذه مقومات لا تؤدي لتكوين أسرة في البداية، فضلاً عن أن تكون سعيدة! لذا فتحليل ارتفاع معدلات الزواج السريع والطلاق الأسرع جزء منه يجب أن يبحث في هذه الأسباب التي غالباً ما لا يتم الالتفاف إليها.
فجوة الأجيال
- إلى أي درجة يؤثر التعليم في بناء الأسرة السعيدة؟
التعليم أحد أهم العوامل التي تؤثر على عامل التكافؤ في الزواج وتكوين الأسرة! فإذا كان هناك تفاوت كبير في مستويات التعليم بين الزوجين أصبحت قدرتهم على التفاهم قليلة وإمكان النزاع والشقاق أكبر! خصوصاً إذا ما كانت الزوجة أعلى تعليماً من الزوج عندها احتمالية الشقاق والتوتر يكون أكبر نتيجة اختلاف النضج الفكري بين الزوجين! كذلك يشكل التعليم عاملاً حاسماً في تعميق فجوة الأجيال بين الآباء والأبناء, فعندما يكون الأبناء على قدر عالٍ من التعليم، والآباء حظهم قليل منه يفقد التناغم والتفاهم والتلاقي الفكري بيتهم حول معظم الأمور, بالنتيجة يبتعد الأبناء عن الآباء وربما كلياً وهذا يسبب الكثير من الألم للجميع والضياع أيضاً, فالأبناء يحتاجون الآباء ليس مادياً فقط ولكن يحتاجوا ركام خبرة الآباء ودعمهم الاجتماعي والنفسي، وقد يختل هذا بدرجة كبيرة بين كل أفراد الأسرة!.
- ماذا عن تأثير الفجوة المعلوماتية؟
حالياً الفجوة المعلوماتية وليس فقط القراءة والكتابة من يفرق ويباعد الأجيال عن بعضها! اليوم أصبح للأبناء عوالم جديدة يصعب كثيراً على الآباء (حتى المتعلمين منهم) الولوج إليها, فضلاً عن اختلاف الاهتمامات والنظرة للحياة والكثير من الأمور التي تجعل الأسرة الصغيرة اليوم في أضعف حالاتها بعد سطوة المؤسسة الإعلامية ووسائط التواصل الاجتماعي على الكثير من ما تبقى من واجباتها واهتماماتها بالنسبة للأطفال والشباب. وهذا أيضاً يجب أن يكون محط دراسات جادة لأن إفرازاته على المدى المتوسط والبعيد خطيرة على كيان الأسرة والمجتمع بشكل عام.
- بشكل عام هل الأسرة البحرينية سعيدة؟
لا أعتقد! والأسرة البحرينية كما العديد من الأسر في محيطنا الخليجي أو الإقليمي أو العالمي, بشكلها الصغير (النووي- أي الأسرة النواة) تواجه تحديات أكبر من قدراتها على التكيف! وتمزقها تناقضات ما يدور حولها وما يطالبها المجتمع بالقيام به, وبدون تفهم لكل التطورات التي حدثت وتحدث في الواقع! لم تعد الأسرة هي المؤثر الأساس في أطفالها.
تلاشي تأثير الأسرة
- هل هذا حال مجتمعنا فقط؟
إن العديد من الدراسات أثبتت بدون شك أن تأثير الأسرة على الطفل تبدأ في الضعف منذ بداية المراهقة (سن التاسعة تقريباً) حيث يبدأ تأثير الأصدقاء سواء بالمجتمع المحلي أو المدرسة أو العالم الافتراضي الذي يدخله الأبناء اليوم مبكراً ولا يستطيع أحد أو جهة السيطرة عليه.. ليس عندنا فقط .. حتى في الغرب أكبر التحديات التي تواجه الأسرة هي تلاشي تأثيرها على النشء وفي أخطر المراحل وهي مرحلة المراهقة.
أضف لذلك توترات الحياة وضغوطها نتيجة للكثير من العوامل مثل: البطالة أو ضعف الرواتب – عدم وجود السكن الملائم – عدم القدرة على تحقيق الطموحات لكافة أفراد الأسرة – قد يقود كل هذا أو بعضه للطلاق أو العنف الأسري أو التباعد والتفكك الأسري. لا يعني هذا إن الجميع هكذا وهناك أسر تواجه مشكلات ويمكنها التكيف معها ومعالجتها وهذه هي الأسر التي أفسحت مجالاً للحوار والتفاهم والتسامح والحب وعدم التسلط على شكل العلاقة بين أفرادها.
- ماذا عن مفهوم الحب؟
أمر يجب أن ننظر بجدية إليه لكي نقيس مقدار سعادة الأسرة، كيف يسود بين أفراد الأسرة وكيف يتعلمه الأطفال منذ نشأتهم الأولى, فالحب عاطفة مُتعلمة ومكتسبة (من العائلة بشكل أساس) وليست مُورثة! لهذا جزء كبير من سعادة العائلة رغم كل صعوبة في الأمور المادية, يكمن في مقدار الحب الذي يشيع بين أفراد الأسرة. وهذا أيضاً يمكنه أن يكون مدخلاً لمبحث هام حول سعادة واستقرار وسلامة الأسرة وأفرادها جسدياً ونفسياً. وهو مبحث مسكوت عنه رغم أهميته القصوى التي تنعكس من الأسرة إلى المجتمع بشكل عام وارتباطه بتفشي العنف وتفضيل الأسلوب العنيف في حل المشكلات عن أي أسلوب آخر وغيرها من الأمور المتعلقة بهذا المدخل الهام لسعادة الأسرة. وصدق القول (أسرة سعيدة هي أسرة محبة)!.