بقلم - د. أشرف محمد كشك:
على الرغم من أن اجتماع وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيغل مع وزراء الدفاع في دول مجلس التعاون بالرياض في 14 مايو 2014 -للمرة الثانية- قد جاء ضمن منتدى الحوار الخليجي - الأمريكي الذي أطلقته الولايات المتحدة عام 2006، لمناقشة تحديات الأمن الإقليمي وآليات مواجهتها، بل إنه يعد تطبيقاً للتطور النوعي في السياسة الأمريكية تجاه دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وهو التعاون مع دول المجلس ككتلة واحدة، فإن توقيت ذلك الاجتماع وما أسفر عنه من نتائج يكتسب أهمية خاصة حيث تشهد منطقة الخليج العربي تفاعلات إقليمية وأخرى دولية تتشابك خيوطها لترسم ملامح مشهد بالغ التعقيد، فعلى الصعيد الإقليمي تزامن ذلك الاجتماع مع اجتماعات دول مجموعة الـ5+1 وإيران بشأن الملف النووي، وهو الأمر لايزال يثير قلق دول مجلس التعاون عما سوف تسفر عنه تلك المفاوضات، والتي ربما لن تقتصر على الملف النووي، ومن ثم فقد جاء رد وزير الدفاع الأمريكي واضحاً في هذا الشأن بالقول إن «التفاوض مع إيران حول ملفها النووي لا يعني مبادلته بالأمن الإقليمي» مؤكداً على أن «التزام الولايات المتحدة بأمن الخليج لا يتزعزع»، وعلى الصعيد الإقليمي - العالمي، يجيء ذلك الاجتماع في أعقاب تصريح السفير الروسي لدى مملكة البحرين فيكتور سميرنوف بأن «المنامة وموسكو تسعيان لإنشاء منظومة للأمن الإقليمي»، وذلك على خلفية زيارة ولي العهد البحريني لموسكو في مايو الجاري، هي الزيارة التي أثارت احتجاج الولايات المتحدة الأمريكية وهو ما عبر عنه مسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية بالقول «مع استمرار روسيا في جهودها لزعزعة أوكرانيا ليس هذا هو الوقت المناسب لأي بلد للقيام بمعاملات تجارية كالمعتاد مع روسيا»، وواقع الأمر أن سعي روسيا لدور في أمن الخليج العربي ليس بالأمر الجديد، حيث تنهض رؤية روسيا في هذا الشأن على تصور مؤداه ضرورة أن تقام في منطقة الخليج العربي آلية أمن تستند على اهتمام الأطراف كافة تستهدف في النهاية إقامة منظمة للتعاون لمنطقة الخليج العربي، تضم دول المنطقة كافة، إضافةً إلى روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فضلاً عن المنظمات الإقليمية والعالمية المعنية.
ومع أهمية قراءة الاجتماع في ذلك التوقيت، فإن الأهم هو ما أسفر عنه هذا الاجتماع، بل وتأثير ذلك على أمن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية؟
وللإجابة على ذلك التساؤل يمكن الإشارة إلى النقاط التالية:
أولاً: تجدل الجدل مجدداً حول مفهومي الأمن الاستراتيجي والأمن التعاوني، ولأي النوعين يتعين أن تكون الأولوية؟ فعلى الرغم من أهمية التعاون في مجالات بين دول مجلس التعاون والولايات المتحدة في مجالات الأمن الاستراتيجي والتي دعا إليها وزير الدفاع الأمريكي وهي «تنسيق الدفاع الجوي والصاروخي، تكامل الأمن البحري، التعاون في مجال أمن المعلومات»، ودول المجلس بحاجة إليها جميعها فإن ذلك لا ينفي أهمية العمل بالتوازي في مجال الأمن التعاوني الذي ينهض على إجراءات بناء الثقة واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وفي هذا السياق يمكن تفسير دعوة المملكة العربية السعودية وزير الخارجية الإيراني لزيارتها لمناقشة القضايا في المنطقة، وواقع الأمر أنها لم تكن المرة الأولى التي تدعو فيها دول مجلس التعاون إيران لبناء علاقات حسن جوار، حيث إن دول المجلس لم تعارض أي دور لإيران ضمن ترتيبات الأمن الإقليمي إلا أن لذلك الدور متطلبات يأتي في مقدمتها ضرورة تغير السياسة الإيرانية تجاه دول مجلس التعاون بشكل جذري ليس أقلها وقف التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لدول المجلس، حيث إن خلاف دول المجلس مع إيران لا يكمن في الملف النووي الإيراني، وحتى لو تمت تسوية ذلك الملف من خلال التفاوض ستظـــل هناك قضايـــــا أخــــرى عالقــــة بيــن الجانبين.
ثانياً: مدى تكامل أو تعارض رؤى الأمن الإقليمي ورؤى الأمن العالمي؟ ففي الوقت التي تسعى فيه دول مجلس التعاون لدراسة مقترح الاتحاد الخليجي، وتنفيذ المملكة العربية السعودية لأكبر مناورات في تاريخها «سيف عبدالله» والتي كانت رسالة واضحة مؤداها أن المملكة لديها قدرات للدفاع الذاتي وهو ما ينعكس بالطبع على الأمن الذاتي الخليجي، فضلاً عن وجود توجهات لرأب صدع الخلافات الخليجية - الخليجية، فإن ذلك تزامن مع دعوة الولايات المتحدة للدفاع الجماعي مع دول المجلس، ومع أهمية الدور الأمريكي تجاه أمن الخليج العربي وهو ما أشار إليه صراحة الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع في المملكة العربية السعودية خلال لقاء تشاك هيغل بالقول «مسؤولية أمن الخليج مشتركة بين دول المجلس والمجتمع الدولي وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية «بيد أن ذلك لا يعني إلغاء المفهوم الذاتي لأمن منطقة الخليج العربي، بل إن بناء قوة ردع ذاتية خليجية من شأنه تحقيق توازن للقوى بين ضفتي الخليج العربي، الأمر الذي يتطلب من دول مجلس التعاون تحقيق ما يسمى «القوة الموازنة» والتي من شأنها ضبط مسار التفاعلات في منطقة الخليج العربي، بمعنى آخر هل تتكامل جهود بناء أمن ذاتي خليجي مع الرؤى العالمية لأمن الخليج أم أنها تبدو متنافسة؟
ثالثاً: موقع أمن الخليج العربي من الرؤية الأمريكية؟ بمعنى آخر هل لدى الولايات المتحدة تصوراً للأمن الإقليمي في منطقة الخليج العربي يعالج أسباب التوتر وحالة عدم الاستقرار؟ أم أن أمن الخليج في المفهوم الأمريكي هو جزء من تصور أكبر للشرق الأوسط وارتباط ذلك بمضامين السياسة الدفاعية الجديدة للولايات المتحدة، ومنطقة الخليج جزء من ذلك التصور؟ وبمعنى أكثر دقة هل لدى الولايات المتحدة تصوراً شاملاً للأمن الإقليمي في منطقة الخليــج العربـــي التـي تتفاعل مع الدائرة الإقليمية تأثراً وتأثيراً، أم أنها تتعامل مع كل قضية على حدة؟ حيث لوحظ أن مبادرة حوار أمن الخليج التي أطلقتها عام 2006 تتضمن 6 مجالات للحوار بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون وهي «تحسين القدرات الدفاعية لدول الخليج، قضايا الأمن الإقليمي» الصراع العربي الإسرائيلي، العراق، برنامج إيران النووي»، مكافحة انتشار الأسلحة النووية، التصدي للإرهاب، تعزيز الأمن الوطني، حماية البنية التحتية، ومن ثم فإن تعزيز القدرات الدفاعية لدول مجلس التعاون -مع أهميته- فإنه ليس سوى بند واحد من بنود تلك المبادرة، في ظل تنامي تحديات الأمن الإقليمي ومن ذلك إعلان إيران عن البدء في بناء قاعدة لطائرات دون طيار بالقرب من مضيق هرمز، فضلاً عن تحديات الأمن الإقليمي الأخرى «العراق، اليمن، سوريا» تلك القضايا وإن بدت منفصلة فإن لها تأثيراً على أمن الخليج العربي ومن ثم المصالح الدولية، وبالتالي فإن تلك التهديدات لا تنحصر في مسائل الدفاع الصاروخي والأمن البحري وأمن المعلومات، صحيح أن الولايات المتحدة أعلنت غير ذي مرة التزامها بأمن دول مجلس التعاون ففي كلمته أمام حوار المنامة الأمني عام 2013 قال هيغل «الولايات المتحدة لا تنوي خفض حضورها العسكري في منطقة الخليج العربي، وملتزمة بتحالفاتها، ولديها 35 ألف جندي في الخليج العربي والشرق الأوسط، وتم تخصيص 86 مليون دولار لتوسعة الأسطول الخامس في الخليج»، وأن الولايات المتحدة أرسلت أحدث طائراتها المقاتلة للمنطقة ومن بينها إف 22 التي لا يمكن لأجهزة الرادار أن ترصدها، وهناك أكثر من 40 سفينة تابعة للبحرية الأمريكية تجوب المياه القريبة ومن بينها حاملة طائرات والسفن المعاونة»، إلا أن تلك الجهود الأمريكية يتعين أن تتوازى معها جهود أخرى ضمن رؤية أشمل لمواجهة تهديدات الأمن الإقليمي.
رابعاً: مع الاتفاق بأنه لا يمكن الفصل بين الأمن الإقليمي والأمن العالمي، فإن التجارب أكدت وبما لا يدع مجالاً للشك قدرة المنظمات الإقليمية على النهوض بدور مهم في تحقيق الأمن الإقليمي ومن ذلك دور مجلس التعاون تجاه تسوية الأزمة اليمنية، بما يعني أن تعزيز أدوار تلك المنظمات من شأنه أن يسهم في تحقيق الأمن الإقليمي ومن ثم الحفاظ على المصالح الدولية، الأمر الذي يتطلب وجود تصور بعيد المدى لدعم القدرات الجماعية لدول المجلس.
خامساً: لاتزال قضية أمن الخليج العربي محلاً للاستقطاب بين قوى دولية وأخرى إقليمية، بعيداً عن وجود تصورات لبناء هيكل للأمن الإقليمي يضم كافة الأطراف المعنية سواء داخل المنطقة أو خارجها على غرار المنتديات الإقليمية في هذا الشأن ومنها الآسيان، وبمعنى آخر لاتزال السياسات الدولية لأمن تلك المنطقة بمثابـــة ردود أفعـــال آنيــــة للتطـــورات الإقليمية والدولية دون وجود أهداف بعيدة المدى لتعزيز الأمن والاستقرار في أحد أهم مناطق العالم أهمية على الإطلاق، ومن ثم فإنه ومع أهمية مجالات التعاون الدفاعي التي عرضها وزير الدفاع الأمريكي، والتي من شأنها أن تسهم في تحقيق أمن منطقة الخليج العربي فإن مدى نجاح ذلك التعاون سيظل مرهوناً بوجود تصورات أشمل لتحديات الأمن الإقليمي الخليجي وكيفية مواجهتها.
* باحث بمركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة