في الرواية «التوثيقية» التي حملت عنواناً هو «قصة الثائر محمد محمود أبو جلدة» نجد مؤلفين هما الكاتبة حنان بكير حالياً وأديب يوسف صادر قبل ثمانين سنة من اليوم كما نجد حكاية ثائر من النوع الذي درجت العادة على تسميته باللص الشريف أي ذاك الذي يثور على سلطة معينة بهدف وطني ويسلب الأغنياء أموالهم ويساعد الفقراء.
كما نصل في هذه الرواية إلى جملة نابليون بونابرت الشهيرة «فتش عن المرأة» ونلتقي بحكاية شبيهة بشمشون ودليلة وإن كان بشكل معكوس فشمشون كان يهودياً يبطش بالفلسطينيين وقد أحب ابنة أعدائه الفلسطينية دليلة فانتقمت لأهلها منه بعد أن قصت شعره مصدر قوته الهائلة. أما في الرواية فالثائر الفلسطيني محمد محمود أبو جلدة أولع باليهودية إليكرا كوهين فأقنعتها جماعتها بأن تقيم معه علاقة ثم تسلمه لهم. إلا أن الأمور تسير بشكل مختلف فالفتاة أحبت الشاب البطل المطارد وعاشت معه إلى أن ألقي القبض عليه بمكيدة ونفذ فيه حكم بالإعدام. ووفقاً للشاعر اللبناني إلياس أبي شبكة في قصيدته «دليلة» التي حمل فيها على الشابة الفلسطينية التي اعتبرها شعراء آخرون بطلة ومنهم الشاعر أدونيس فقد قال أبو شبكة: فالكبير الكبير تضعفه أنثى ، فينجر كالصغير الصغير، فقد أحب صالح العرميط الذي كان اليد اليمنى للبطل الثائر هذه الفتاة وأعمته الغيرة فتحول من بطل كقائده إلى خائن واش. صحيح أنه ندم في النهاية بعد أن غدر به ضابط الشرطة الإسرائيلي في حكومة فلسطين التي كانت تحت إشراف الانتداب البريطاني ولم يكافئه بتسليمه إليكترا كما كان قد طلب. لكن ما ينفع الندم هنا وقد خان من كان يعتبره أخاً عزيزاً وشريكاً في النضال.
جاءت الرواية في 117 صفحة متوسطة القطع وصدرت عن «دار نلسن -السويد - لبنان» أما حنان بكير فهي كاتبة وصحافية فلسطينية المولد لبنانية النشأة نرويجية الجنسية.
الثائر الفلسطيني أو اللص الشريف كما كان أمثاله ممن يثورون على السلطات الحاكمة ويساعدون الفقراء يسمون ومن هؤلاء مثلاً اسم شهير في لبنان هو فؤاد علامة سجل تاريخياً أن القبض ألقي عليه بخيانة يده اليمنى صالح العرميط كما قال البعض وأعدمته السلطات.
القصة الموثقة هذه مأخوذة عن مجلة «اللطائف العصرية» التي كان يصدرها في بيروت أديب يوسف صادر التي حملت صورة عددها المنشورة في الكتاب وصفاً لها بأنها «مجلة روائية أسبوعية مصورة» وقد وردت قصة»محمد محمود أبو جلدة» في عدد المجلة الصادر في السادس من مايو سنة 1934.
وتنبغي الإشارة إلى أن هذا النوع من القصص على أهميته الوطنية والعاطفية يخلو من كثير من السمات السردية المقنعة والناجحة. وقد عرفت بيروت في تلك الحقبة وبعدها مجلات تعني بهذا النوع من القصص الموثقة التي تقوم على أحداث فعلية ومن جملة هذه المجلات مجلة «ألف ليلة وليلة» لصاحبها الكاتب كرم ملحم كرم.
وقد اشتركت حنان بكير في الرواية بأن كتبت مقدمة لها وفصلين افتتاحيين عن فتاة أولعت بسيرة هذا الثائر وشبهتها بسيرة «روبنهود» البطل الإنجليزي الشهير الذي كان عدواً للسلطات وصديقاً للفقراء. وقد حصلت بالصدفة على هذا العدد من المجلة التي نشرت صورة هذا الثائر.
في المقدمة تقول حنان بكير «هذا الكتاب ليس كتاباً توثيقياً بالمعنى العلمي للتوثيق. إذ لم يعتمد البحث والتدقيق في وثائق قديمة أو العودة إلى مصادر تاريخية وإن اعتمد رواية كتبت في العام 1934 وقد عاصر كاتبها أديب يوسف صادر تلك المرحلة وأن البحث فيسيرة الثائر أبو جلدة يتطلب العودة إلى الأرشيف البريطاني.
«والمطب الذي خشيت الوقوع به هو هل وثق الكاتب سيرة الثائر كما هي أم إنه استعمل الفنتازيا الكتابية والخيال في تدوينه للحكاية؟ عنوان المجلة قد يوحي بذلك «اللطائف العصرية». وقد يحتج البعض من أنصار الثائر على ظهور تلك المرأة اليهودية «اليكترا كوهين» في حياة الثائر كوني لم أسمع بها شفاهياً رغم معقولية هذه السياسة في أجهزة الموساد وهو استخدام المرأة!!» في إشارة إلى جهاز المخابرات الإسرائيلي.
وأضافت «كان هدفي هو إبراز شخصية شعبية فولكلورية مناضلة ووضع سيرتها في يد الناشئة من شعبنا الفلسطيني والعربي وعدم طمسها وهي سيرة تقرب من سيرة روبن هود الذي ألهب خيالنا ردحاً طويلاً من الزمان. ولا أرى ضيراً في إذا استعمل الخيال الكتابي في إضافة مغامرات جديدة لهذه الشخصية كما حصل في سيرة روبن هود الذي كان شخصية موجودة بالفعل وقد جرى تحميلها الكثير من المغامرات الخيالية».
وحوت قصة الثائر أبو جلدة كما أوردتها المجلة عدداً من الصور الفوتوغرافية له ولرفيقه العرميط في قاعة المحكة وخارجها بحراسة الشرطة البريطانية في فلسطين وعلى صور لآخرين من رفاقه وأخرى لبلدة طمون التي ينتمي إليها الثائر.
تنتهي القصة كما وردت في المجلة بالثائر ورفيقه في السجن. وتختم حنان بكير الرواية بعنوان هو «النهاية» وفيه تقول «هنا..انتهت رواية «اللطائف العصرية».. فالثائران في قبضة رجال الأمن أخيراً .. لكن ظلت نهايتهما لغزاً وسراً بالنسبة لي على الأقل ..هل استطاع الثائر الفرار! هل صدر بحقه عفو ما! هذه التساؤلات ظلت تلح علي من حين لآخر».