النسيان أصبح جزءاً من حياتنا اليومية بحكم ظروف الحياة والانشغالات اليومية الكثيرة، فيجعل النسيان في دائرة التقصير والمحاسبة، فهناك من ينسى مواعيد مهمة في حياته وهناك من لا يتذكر حدث في غاية الأهمية في حياته بالتالي يقع ذلك ضرراً عليه وتبدأ رحلة العتاب من أقرب الأشخاص له.. فإلى أية مدى يؤثر النسيان في حياتنا؟ وكيف يمكن علاجه؟.
يقول عبدالله علي: النسيان يلازمني في كل شيء خاصة مع كثرة متطلبات الحياة، وفلا أبالغ حينما أقول بأنني أنسى أموراً في أقل من عشر دقائق، فأحياناً يطلب مني أبنائي إحضار أمر ما من السوق، وأذهب وأشتري وأنسى ما طلبوا مني، وعند عودتي إلى المنزل أتذكر.. وأعود ثانية لشراء ما هو مطلوب.
وتعلق مروة إسماعيل وتقول: تفادياً للنسيان -والذي دائماً ما أتحاسب عليه من قبل الأهل والمدرسة أيضاً- أقوم بكتابة جميع ما أريد إنجازه في ورقة (نوته) وهذه الطريقة ساعدتي كثيراً، حيث أقوم بتسجيل الواجبات المطلوبة من المدرسة وأيضاً أسجل جميع ما أريد أن أقوم به في يومي ومن ثم أتابع وفقاً للورقة.
«الكبر شين»
«الكبر شين» هكذا بدأ عبدالله صالح قوله، ويضيف: النسيان لم يكن في قاموس حياتي ولكن مع تقدم العمر بدأت أنسى كثيراً ويصيبني (زهايمر) وبدأت أنسى كثيراً وأعتقد أن هذا النسيان له علاقة بالتقدم العمري وكلما كبر الإنسان كلما كان قابلاً للنسيان بصورة أكبر.
تردف: ولكن هناك جانب إيجابي للنسيان في حياتنا، لذلك النسيان يكون في كثير من الأحيان نعمة، فعندما تنسى مواقف مؤلمة ذلك يساعدك على مواصلة حياتك دون أن تتأثر بذلك طوال حياتك.
مواقف لا أحسد عليها.. المنبه
أما يوسف محمد يروي لنا حكايته مع النسيان ويقول: كثيراً ما أتعرض لمواقف وخلافات بسبب النسيان، ومن هذه المواقف -السنوية أن صح التعبير- غالباً ما أنسى تاريخ ميلاد زوجتي بالتالي الزعل والخلاف طول اليوم، وأيضاً عندما أعد أبنائي لأمر ما كتنزه وأخرج فأنسى ولم أعد في الوقت المتفق عليه فيبدأ الزعل والاتصالات.. هذا على المستوى الأسري، أما على صعيد العمل أحياناً أكلف بأمر ما أنسى إنجازه ويأتي الموعد ويسألني المسؤول ويكون الجواب حتماً «نسيت» ولكن لا مجال لكلمة (نسيت) في ميدان العمل، بالتالي المحاسبة، لكن في الحقيقة هذا النسيان يتكرر، لذلك من الصعب السماح لمن يكرر الأمر بحجة النسيان.
النسيان نعمة
أكـــد رئيس قســم علم النفس بجامعة البحرين د.شمســـان المناعــــي أن النسيان نعمة في كثيـــر مـــن الأحيـــان، حيث إنه يساعد على التخلص من الخبرات والذكريـــات المؤلمـــة من الذاكرة لأنها لو ظلت فيظل الإنسان في حالة نفسية تؤثر عليه، وفي المقابل النسيان أحياناً يؤثر سلباً في حياتنا، حيث يريد الإنسان خاصة في الحياة اليومية بأن يتذكر أمراً مهماً إلا أنه ينساه في ذلك الوقت، فإن النسيان يرجع إلى حجم الذاكرة أو مستوى الذاكرة عند الإنسان، وبطبيعة الحال هذه الذاكرة تختلف من إنسان إلى آخر، فمن الناحية العلمية، نجد بأن المتفوقين عقلياً لديهم ذاكرة كبيرة الحجم وبالتالي يختزنون الكثير من المعلومات والحقائق، بعكس غير المتفوقين فهم لا يتذكروا المعلومات فيكون مستوى ذاكرتهم أقل، فهذه كلها تندرج تحت ما يسمى بالفروقات الفردية.
ويضيف: النسيان والحفظ من وظائف الذاكرة الإنسانية، فالإنسان كلما نمى عقلياً كلما زاد مستوى الذاكرة لديهم، فإن أقوى مرحلة للذاكرة هي مرحلة النضوج (الشباب والمراهقة)، فإن الإنسان يكون مستوى ذاكرته أقوى في المرحلة العمرية ما بين 20-30 سنة، وكلما كبر في السن تضعف لديه الذاكرة.
ويواصل: كما إن الدراسات العلمية تؤكد أن ذاكرة المرأة تركز على التفاصيل (تفاصيل الموضوع) فتتذكر الموضوع بكل تفصيلي، بينما الرجل يهتم فقط بالموضوع بشكل عام دون العناية والاهتمام بالتفاصيل، لذلك لو تتحدث المرأة تجدها تركز وتهتم بالتفاصيل.
يردف د.المناعي: الذاكرة تنقسم إلى ثلاثة أقسام منها الذاكرة اللحظية وهي التي تتذكر الموضوع لمدة ثوانٍ، وذاكرة قصيرة المدى وهي التي تتذكر الأمور (الموقف) لمدة أيام أو أسبوع، وأخيراً ذاكرة طويلة المدى وهي التي تتذكر الموضوع لمدة زمنية أطول ويعمل عليها الإنسان. مشيراً إلى أن في الذاكرة خبرات لا شعورية قد يكون الإنسان مر بها في فترة الطفولة ويتذكرها بشكل غير مباشرة ويتجلى في سلوكياته، فعلى سبيل المثال الطفل عندما يتعرض لموقف مؤلم في طفولته، حيث إنه حتماً يتأثر به في حياته ويترجم ذلك في سلوكياته في الحياة العامة، حيث إن الذاكرة تخزن في العقل الباطن هذا الموقف.
ويختتم: وإن تحدثنا عن النسيان اليومي والذي نعرض له جميعاً بسبب ضغوطات الحياة وكثرة الانشغالات لذا نجد أن الإنسان في العصر الحالي معرض للنسيان أكثر من الإنسان في القديم، بحكم ظروف الحياة والعصر، وفي هذا نجد كثيراً من الناس يكتبون ما يريدون أن يفعلوا خلال اليوم في ورقة أو مذكرة وهذه إحدى الوسائل التي تساعد على التذكر وعدم النسيان.