كتب - وليد صبري:
تحتفـــل دول مجلــس التعـــاون الخليجــــي بالذكرى الـ33 لتأسيس المجلس، في الوقت الذي ينشد فيه شعوب دول المجلس الوحدة الخليجية، بينما أرسى أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس منذ انعقاد الدورة الأولى في العاصمة الإماراتية أبوظبي قبل 33 عاماً، وتحديداً في 25 مايو 1981، قواعد ترسيخ مبدأ العمل الجماعي المشترك ودعم المسيرة الخيرة وتطوير قدرات المجلس لتحقيق المزيد من الإنجازات بما يلبي تطلعات مواطني دول «التعاون»، ويحفظ امن وسلامة شعوبه ودوله.
ومع تخطي المجلس عامه الـ33 تحتفي دول المجلس بإنجازات تحققت وطموح لا يحده حد، حيث جاء المجلس بقناعة راسخة وبمنظور واعٍ كرسته حكمة القادة وحنكتهم، التي كانت الحامي للمجلس ودوله وسط عالم مضطرب وأوضاع سياسية واقتصادية متقلبة. وفي 21 رجب 1401هـ الموافق 25 مايو 1981 توصل قادة كل من مملكة البحرين، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وسلطنة عمان، ودولة قطر، ودولة الكويت في اجتماع عقد بأبوظبي لصيغة تعاونية تضم الدول الست. ويأتي العمل على التحول من صيغة التعاون الخليجي إلى الاتحاد، متسقاً مع أحد الأهداف الرئيسة المنصوص عليها في النظام الأساسي لدول المجلس، وهو «تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها»، وفقاً للمادة الرابعة من النظام الأساسي للمجلس. والانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد كان مبادرة تضمنها الخطاب الافتتاحي لخادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود في قمة مجلس التعاون التي عقدت في الرياض في 19 ديسمبر 2011، ودعا فيها إلى الانتقال بالمجلس من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد. وقد لاقت ترحيباً في حينها وأيدها قادة دول المجلس في البيان الصادر في ختام أعمال القمة، وكانت ردة الفعل الشعبية السريعة تعبيراً عن الطموحات الكامنة لدى المواطن الخليجي في الارتقاء بالمجلس إلى مستوى أكثر تلاحماً وفعالية وتأثيراً، محلياً وعالمياً يتمثل في «الاتحاد الخليجي».
ويهدف الاتحاد لتوثيق أواصر التعاون بين دول الخليج في مجالات الأمن والسياسة الخارجية لمواجهة التهديدات الخارجية خاصة من إيران.
وحددت دراسة لمعهد الدراسات الدبلوماسية دوافع الانتقال من التعاون إلى الاتحاد في نقاط عدة منها أن النظام الأساسي لمجلس التعاون الخليجي نص صراحة على أن أحد أهداف المجلس هو الوصول لوحدة دول المجلس، وذلك بسبب طبيعية الخصائص والقواسم والتطلعات المشتركة لأبناء الخليج العربي، إضافة إلى أن تنامي التهديدات الإقليمية والدولية تفرض العمل الجاد من قبل دول مجلس التعاون الخليجي للتحول من صيغة التعاون الحالية إلى صيغة اتحادية مقبولة لدى الدول الست تكفل لها الأمن والاستقرار، وأن تجارب الأزمات السابقة أثبتت صعوبة التعامل الفردي من قبل دول مجلس التعاون مع تلك الأزمات. وهذا يعني أن التعاون والتنسيق بين دول المجلس بصيغته الحالية لا يرقى لمواجهة الأزمات الكبرى بخاصة الاستراتيجية والأمنية.
يذكر أن مجلس التعاون لدول الخليج العربية منظمة إقليمية عربية مكونة من 6 دول أعضاء تطل على الخليج العربي هي الإمارات والبحرين والسعودية وسلطنة عمان وقطر والكويت.
وتأسس المجلس في 25 مايو 1981 في خضم الحرب بين العراق وإيران، بالاجتماع المنعقد في الرياض بالمملكة العربية السعودية وكان كل من أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح والرئيس الإماراتي الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان من أصحاب فكرة إنشائه، ويتولى الأمانة العامة للمجلس حالياً د.عبداللطيف بن راشد الزياني، ويتخذ المجلس من الرياض مقراً له.
الاتحاد رسالة لإيران
قال محللون إن مشروع الاتحاد الخليجي يحمل عدة رسائل إلى إيران، في ظروف صعبة تمر بها طهران ومنطقة الخليج والعالم العربي بشكل عام. وفي هذا الصدد أوضح أستاذ العلوم السياسية في جامعة الإمارات د.عبد الخالق عبدالله، أن مشروع الاتحاد الخليجي، والذي اختار اسم «اتحاد الخليج العربي» يرسل رسالة واضحة إلى إيران من مجرد اختيار تسمية الخليج «بالعربي».
وأضاف «المسمى في حد ذاته فيه رسالة قوية إلى إيران مفادها أن دول الخليج مجتمعة ترفض التسمية الإيرانية للخليج بأنه فارسي، ذلك أن دلالات تلك التسمية سياسياً، تعني بسط السيطرة الإيرانية على المنطقة بأكملها، وكأن طهران تقول إنها القوة الوحيدة هنا». وتابع عبدالله «مجلس التعاون الخليجي نشأ في الأساس لمواجهة الأخطار الخارجية، لكنه لم يشأ الاصطدام بإيران، إلا أن الاتحاد الخليجي لن يكون كذلك، بل سينطلق من نقاط قوة وثقة لمواجهة التمدد الإيراني والتصدي لأي محاولة لتهديد أمن المنطقة».
ورأى عبدالله أن «مشروع الاتحاد الخليجي نابع من رحم 30 عاماً من التجربة التعاونية، وهناك نضوج في التجربة فيما يتعلق بالتنسيق والتعاون ومظاهر الاندماج بين دول الخليج».
المجلس داعم للبحرين
بادرت دول مجلس التعاون الخليجي لمساندة البحرين منذ اندلاع الأحداث الطائفية في المملكة، ولم يكن مستغرباً تنادي وزراء خارجية دول المجلس للاجتماع في المنامة قلب الحدث في 17 فبراير 2011 خلال أقل من 72 ساعة من اندلاع الاحتجاجات الطائفية، مؤكدين إيمانهم بالمصير المشترك للشعوب الخليجية وعمق أواصر الإخوة التي تجمعهم.
وتوالت مواقف دول مجلس التعاون المنحازة إلى حق البحرينيين في الأمن والاستقرار، والتي ساهمت في التصدي للأحداث التي كادت تعصف بنسيج المجتمع، فأعلنت في أكثر من مناسبة، على المستويات كافة، الرسمية والشعبية، وفي مجالات السياسة والإعلام، وصولاً إلى تفعيل دور قوة درع الجزيرة، مؤكدة وقوفها إلى جانب الشعب البحريني في مواجهة التحديات.
ولاشك في أن إسراع دول المجلس في اتخاذ المواقف الداعمة لمملكة البحرين جاء ردة فعل للتهديدات التي استشعرها الزعماء الخليجيون من التحرك الطائفي الذي كان صدى لأطماع خارجية وتحديداً من جهة إيران. وشدد محللون وسياسيون على أن تلاحم الأشقاء وأد الفتنة الطائفية وقوات درع الجزيرة كانت الرادع الأكبر للأطماع الإيرانية.
من جهة أخرى، يأتي حرص حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى على المشاركة الدائمة في أعمال قمة دول مجلس التعاون تأكيداً على حرص جلالته الدائم على دعم المسيرة المباركة لمجلس التعاون لما فيه خير وتقدم دول المجلس ورخاء شعوبها. ويبذل جلالته جهوداً متواصلة منذ توليه مقاليد الحكم في البلاد لترسيخ دعائم وأركان الكيان الخليجي المشترك بالتعاون مع أشقائه من قادة دول المجلس، إيماناً من جلالته بوحدة الهدف والمصير والترابط الجغرافي والعقائدي الذي يجمع دول وشعوب المجلس ويوفر الأرضية المتينة والراسخة لدعم عملها المشترك في كافة المجالات.
وانطلاقاً من حرص مملكة البحرين تحت القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة على تعزيز مسيرة التعاون المشترك بين الدول الأعضاء في منظومة مجلس التعاون، فقد طرح جلالته رؤية مملكة البحرين لتطوير مجلس التعاون في قمة الكويت في ديسمبر 2010.
وقد حازت «رؤية مملكة البحرين لتطوير مجلس التعاون» على إشادة وتقدير من قادة دول المجلس، لما تضمنته من أفكار هامة وطموحة، تستهدف النهوض بآليات العمل والسياسات المتبعة بما يكفل للمجلس المزيد من الحيوية والديناميكية اللازمة لاستكمال مشروع التكامل بين دول المجلس. ومنذ ذلك الحين، تتابعت الخطى لوضع رؤية البحرين موضع التنفيذ ضمن جدول زمني محدد.
التعاون الأمني
في إطار التعاون الأمني بين دول المجلس، فقد أقرت القمة الأخيرة لدول المجلس التي عقدت بالكويت في ديسمبر الماضي إنشاء قوة عسكرية موحدة وإنتربول خليجي، كما وافق القادة في اجتماعهم الأخير على إنشاء أكاديمية خليجية للدراسات الاستراتيجية والأمنية لدول المجلس ومباركة إنشاء جهاز للشرطة الخليجية.
وفي سياق التعاون بين أمريكا ودول مجلس التعاون الخليجي، حث وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيغل خلال اجتماع مع نظرائه في دول مجلس التعاون، والذي عقد في جدة قبل أسبوعين على «التوحد لمواجهة التهديد الإيراني»، تزامناً مع المفاوضات الحاسمة بين إيران ومجموعة «5+1» بشأن برنامج طهران النووي المثير للجدل.
وقال هيغل في كلمة أمام الاجتماع التشاوري الأول لمجلس الدفاع المشترك لوزراء دفاع مجلس التعاون الخليجي، إن التزام الولايات المتحدة الأمريكية «بأمن واستقرار الخليج لا يتزعزع»، مؤكداً أن بلاده «ستظل دوماً تعمل على التأكد من عدم امتلاك إيران للسلاح النووي وأن إيران ستلتزم بأي اتفاقيات مستقبلية بخصوص ذلك».
وتناقش واشنطن مع دول مجلس التعاون منذ سنوات ضرورة إنشاء منظومة دفاع صاروخية لحمايتها من إيران.
وأكد مسؤولون أمريكيون «أولوية» مساعدة دول الخليج على بناء «منظومة دفاع صاروخية إقليمية» لمواجهة ما يرونه تهديداً إيرانياً وشيكاً بصواريخ باليستية.
مكافحة الإرهاب
توصلت دول مجلس التعاون في عام 2004 إلى التوقيع على اتفاقية دول مجلس التعاون لمكافحة الإرهاب، وفي عام 2006 تم تشكيل لجنة أمنية دائمة مختصة بمكافحة الإرهاب تعقد اجتماعاتها بشكل سنوي كإحدى اللجان الأمنية المتخصصة، كما رحبت دول الخليج بتدشين مركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب في نيويورك، والذي يأتي إنشاؤه تتويجاً لمقترح خادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، معبرين عن أملهم في أن يساهم إنشاء المركز في معالجة أسباب ظاهرة الإرهاب، واجتثاثها من جذورها ومكافحتها، وتعزيز الجهد الدولي في دعم واستقرار الأمن والسلم الدوليين.
«درع الجزيرة»
تتأهب قوة «درع الجزيرة» القوة العسكرية الموحدة لدول الخليج العربية، لمرحلة جديدة تتوافق مع وضع تحول دول مجلس التعاون من «التعاون» إلى «الاتحاد». ويفوق عدد القوة الإجمالي الآن 30 ألف مقاتل. وتنفذ القوة بين وقت وآخر تمارين عسكرية، وشاركت في حرب تحرير الكويت في عام 1990، كما إن مقر القيادة المتقدمة الآن في البحرين.
وبرزت الحاجة الفعلية لزيادة القوة مع تنامي التهديدات العسكرية الإيرانية واحتلالها للجزر الإماراتية الثلاث، وعمدت القوة إلى تلبية طلب تقدمت به البحرين في أبريل 2011، ودخلت إثر ذلك قوة مكونة من 1500 عسكري وآليات مدرعة لحفظ الأمن.
سياسات مجلس التعاون
تواصل دول المجلس العمل على توحيد وتنسيق مواقفها السياسية تجاه العديد من القضايا المهمة، الإقليمية والدولية، في إطار عدد من الأسس والمرتكزات، القائمة على حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وحل النزاعات بالطرق السلمية، ودعم القضايا العربية والإسلامية، وتطوير علاقات التعاون مع الدول والمجموعات الدولية وتمثلت هذه المواقف في العلاقات مع إيران، ومطالبة إيران بالالتزام التام بمبادئ حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول المجلس، خاصة في البحرين وعلاقاتها مع المملكة العربية السعودية، وحل الخلافات بالطرق السلمية والحوار المباشر، وعدم استخدام القوة أو التهديد بها، بما يكفل الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة. وأكدت دول المجلس تضامنها الكامل مع دولة الإمارات في قضية الجزر الثلاثة المحتلة من قبل إيران «طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى».
كما تؤكد دول المجلس على أهمية التزام إيران بالتعاون التام مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وبمبادئ الشرعية الدولية. وشددت دول مجلس التعاون على دعمها للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطينية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
كتلة اقتصادية قوية
على الصعيد الاقتصادي، يعتبر مجلس التعاون كتلة اقتصادية قوية، بناتج محلي إجمالي بلغ أكثر من 1.4 تريليون دولار، أي أكثر من نصف الاقتصاد العربي ككل. وتمتلك دول مجلس التعاون الخليجي نحو 630 بليون دولار من الاحتياطي النقدي الرسمي، ونحو تريليوني دولار من الاستثمارات الخارجية تشمل موجودات الصناديق السيادية.
وتمثل دول المجلس سوقاً موحدة قوامها 47 مليون نسمة، بينهم نحو 23 مليوناً من الأجانب أو ما نسبته أكثر من 48%، بحسب أرقام الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي. ويبلغ عدد سكان الاتحاد الخليجي من دون الأجانب 24 مليون نسمة. وتشير التقارير إلى أن أكثر من 65% من إجمالي سكان دول المجلس تقل أعمارهم عن 30 عاماً.
ويبلغ حجم المبادلات التجارية بين دول الخليج والعالم حالياً تريليون دولار. كما إنها استقطبت استثمارات أجنبية قيمتها 300 مليار دولار. وتملك دول مجلس التعاون الخليجي 40% من النفط العالمي إضافة إلى ربع احتياطيات الأرض من الغاز الطبيعي. وعلى إثر حرب الخليج، لجأت الدول الست إلى توقيع اتفاقات دفاعية مع الدول الغربية وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية لضمان أمنها في حال نشوب نزاع مماثل. وبالرغم من جهود التكامل الاقتصادي، تحاول دول مجلس التعاون اعتماد عملة موحدة، وإتمام الاتحاد الجمركي الكامل فيما بينها، كما اتخذت إجراءات وقرارات تسمح بحرية التنقل لمواطنيها ولرؤوس الأموال، منها إلغاء تأشيرات الدخول بينها والسماح بتملك مواطني كل منها في أراضي الدول الأخرى. وتضخ دول المجلس 17.5 مليون برميل من الخام يومياً، أي خمس الإنتاج العالمي و55% من إنتاج منظمة الدول المصدر للنفط.
وبفضل ارتفاع أسعار الخام، بلغ إجمالي الناتج المحلي لدول الخليج العربية مجتمعة 1600 مليار دولار في 2012 بحسب أرقام صندوق النقد الدولي. وبلغت العائدات النفطية لدول المجلس 740 مليار دولار في 2013 مقارنة بـ680 مليار دولار في 2012.
وأفادت المؤسسة المالية العالمية أن معدل الدخل الفردي بلغ 33 ألف دولار سنوياً، فيما يتوقع أن تبلغ الموجودات الخليجية في الخارج ألفا مليار دولار العام الحالي و2400 مليار العام المقبل.
«الربيع العربي»
أكد محللون وخبراء أن «منظومة مجلس التعاون الخليجي أكدت جدارتها وقدرتها على حل الإشكالات والأزمات العربية، خاصة الأزمات والاضطرابات التي لحقت ببعض الدول العربية فيما سمي بـ»الربيع العربي»، حيث شهدت تونس، ومصر، وليبيا واليمن وسوريا احتجاجات حاشدة ضد أنظمة الحكم، وطالبت شعوب تلك الدول بالتغيير. وذكر الخبراء أن «مواقف مجلس التعاون كانت سباقة في الدعوة للوقف الفوري لاستخدام القوة ضد المدنيين، والعمل على حقن الدماء وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية لبعضهم، وتحقيق تطلعات شعوب تلك الدول الشقيقة»، مشيرين إلى أن «مواقف مجلس التعاون الخليجي ومبادراته لحل الأزمات في تلك الدول قدمت حلولاً عاقلة تكفل حصول التغيير عبر انتقال سلمي متفاهم يوفر على المجتمعات دفع فواتير مؤلمة من الدم والخراب».