حوار – وليد صبري:
أكد الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان سماحة العلامة السيد محمد علي الحسيني أن «نظام ولاية الفقيه يضع مملكة البحرين ودول مجلس التعاون الخليجي في مرمى تهديداته لفرض شروطه على الآخرين»، فيما حذر البحرينيين من «مخططات النظام»، مشيراً إلى أنه «نظام تأسس على تصدير العنف والإرهاب والأزمات للبلدان الأخرى والبحرين إحدى أهدافه».
وشدد الحسيني في حوار خص به «الوطن» على أن «حكمة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين المفدى وراء نهضة المملكة وبروز دورها الإقليمي والدولي». ودعا الحسيني «البحرينيين دون استثناء إلى الاستفادة من إصلاحات الملك التي تؤسس لمجتمع حضاري»، موضحاً أنه «ليس هناك من يحن على البحريني أكثر من أخيه البحريني».
وقال إن «الأبجدية الوطنية الحقة تفرض على الشخص التفكير في أنه بحريني أولاً، ومسلم ثانياً، وشيعي أو سني ثالثاً»، لافتاً إلى أن «المجلس الإسلامي العربي يرفض فتاوى تدعو للعنف وتجعل التطرف والمواجهة بديلاً عن منطق العقل والحوار»، مؤكداً أن «الخطر الأكبر في استخدام الإرهاب لإعلان الحرب على الدولة التي هي خط أحمر».
وعلق الحسيني على الحكم القضائي بحل المجلس العلمائي وتصفية أمواله بقوله إن «كل حزب أو تنظيم أو مجلس يدعو للعنف وإثارة النعرات الطائفية خطر على البنيان الاجتماعي والأمن القومي»، بينما شدد على أنه «لا يوجد في أعراف الشيعة مجالس تدعو للطائفية والعنف ومن يفعل ذلك يرتبط بأجندة خارجية».
واعتبر الحسيني أن «من حق البحرين إدراج «حزب الله» الشيعي اللبناني على لائحة الإرهاب لحماية أمنها القومي»، مشيراً إلى أن «السلطات أبعدت حسين النجاتي طبقاً لأولويات الحرص والمسؤولية».
ورأى أن «الطائفة الشيعية أكبر من أن تختزل في حزب، خاصة أن هناك أغلبية صامتة لابد من أخذها في الاعتبار»، مضيفاً إن «هناك من يسعى لجعل الطائفة الشيعية رهينة للحسابات الإقليمية من أجل مصالح ضيقة»، فيما أشاد «بدعوة خادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود لإنشاء حوار بين المذاهب الإسلامية»، مؤكداً أنها «تنم عن أعلى درجات الحرص والمسؤولية»، بينما دعا «علماء المسلمين إلى الاستجابة لتلك الدعوة وتلبيتها سريعاً».
وذكر أن «نشر التشيع فكرة طارئة ولإحدى بدع وألاعيب نظام ولاية الفقيه»، مضيفاً أن «ولاية الفقيه لا تصلح للشيعة العرب لأنها تخدم أجندة سياسية خاصة ضيقة»، بينما رأى أن «وحدة الموقف العربي أفضل آلية لوقف تغلغل النظام الإيراني في الدول العربية».
وأعرب الحسيني عن «رفضه لقتال «حزب الله» في سوريا» معتبراً أن «التدخل السافر لنظام ولاية الفقيه أساس الأزمة»، وأعرب عن «خشيته من تلك الأزمة على لبنان» لافتاً إلى أن «التفاؤل محدود بعدم اندلاع حرب أهلية في لبنان نتيجة الأزمة السورية».
وقال إن «النظام الإيراني مهووس بالقتل والإبادة والإعدامات ودون ممارساتها يعتقد أنه يتعرض للسقوط». وذكر الحسيني أن «تهميش سنة العراق أبرز الأخطاء السياسية الكبيرة لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي»، مؤكداً «تشكيكه بفوز المالكي في الانتخابات التشريعية التي أقيمت نهاية أبريل الماضي»، بينما شدد على أن «صمت المرجعيات الشيعية عن مجازر الأنبار والفلوجة يرجع إلى تدخل نظام ولاية الفقيه على خط المرجعية». وإلى نص الحوار:
نهضة وإصلاحات شاملة
كيف تقيمون الإصلاحات السياسية في البحرين؟
- النهضة التي تشهدها البحرين على مختلف الأصعدة، وبروز دورها الإقليمي والدولي، يعود إلى حكمة ورجاحة وبعد نظر حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين المفدى، ومساعيه الحثيثة من أجل خدمة البحرين وشعبها، لأن جلالته قد ربط بين النهضة وبين إصلاحاته الشاملة، والتي لها وجود على أرض الواقع، وإننا نرى في هذه الإصلاحات خاصة في عودة المبعدين وإطلاق ميثاق العمل الوطني وإجراء انتخابات بلدية ونيابية، خطوة عملية جدية جريئة لكسر حواجز الجمود والارتقاء بالجهد الوطني إلى مرحلة متقدمة تشهد تضافر الجهود وتكاتفها، وعلى الجميع دون استثناء الاستفادة من هذه الدعوة الكريمة، ومن هذه الأجواء الإيجابية، التي تؤسس لمجتمع بحريني حضاري، يضع همه الأساس في بناء الوطن وخدمة الأجيال اللاحقة.
منذ اندلاع الأحداث في البحرين في 14 فبراير 2011، والقيادة السياسية تقدم خطوات عملية لحل الأزمة بينما تبقى المعارضة الراديكالية في سعيها نحو التأزيم.. كيف تقيمون الموقف السياسي في ظل تلك الوقائع؟
- منطق الحوار والتفاوض برأينا هو عين العقل والصواب، وهو المنطق الذي يمكن من خلاله إنجاز وتحقيق أكثر مما سيتم تحقيقه عن طريق التأزيم والاحتقان والتعصب، وإننا كمجلس إسلامي عربي دعونا، وندعو دائماً لتغليب المصلحة الوطنية العليا على كل المصالح والأمور الأخرى، خصوصاً تلك التي لها أذرع وجذور خارجية، فليس هناك من يحن على البحريني أكثر من أخيه البحريني، وإننا نلفت انتباه إخواننا في البحرين خصوصاً الشيعة منهم إلى هذه الحقيقة، والتفكير في حقيقة أن البحرين ستبقى أرضاً وشعباً، أما الظروف الموضوعية المحيطة بها فقابلة للتغيير، ونقصد بذلك نظام ولاية الفقيه الذي هو أساس المشاكل والأزمات في المنطقة، وعدم التعويل عليه لأنه يقوم بتجنيد وتوظيف كل الأمور والمسائل، بما فيها ما يدور في البحرين لصالح أجندته وأهدافه الخاصة ويقوم بالمساومة والمناورة على أساسها، ولهذا ندعو إخواننا في البحرين ألا يجعلوا من أنفسهم ورقة أو جسراً لهذا النظام.
جمعية «الوفاق» ترفض إدانة العنف والإرهاب، وترفض المشاركة في الحوار الوطني وانسحبت من البرلمان، وتسعى للاستقواء بالخارج، وتحشد الشارع عن طريق مثيري الشغب، كيف تقيمون ذلك الموقف؟
- الحقيقة التي على جميع الأطراف الوطنية في البحرين القبول بها واعتبارها أمراً واقعاً، أن البحرين كدولة ووطن خط أحمر، لا يجب أبداً المساس به، أو العمل على إلحاق أي ضرر به، وعلى الجميع أن يعلم أن إثارة العنف واستخدام الإرهاب يعني إعلان الحرب على الدولة نفسها، التي هي حامية وراعية الجميع، وفي هذا الخطر الأكبر والخلط الأشنع، الذي ندعو للانتباه والحذر منه، وأننا ندعو جمعية «الوفاق» للتمعن والتدقيق والتمحيص في الأمر من مختلف جوانبه وليس من جانب واحد، لأن أخذ الأمور على محمل أو منظور واحد يقلص من مساحات التفكير وطرح البدائل والحلول. إننا نرى أنه على كل بحريني أن يفكر بأنه بحريني أولاً، ومسلم ثانياً وشيعي أو سني ثالثاً، وعليه تحديد مواقفه طبقاً لهذه الأبجدية الوطنية الحقة التي ندعو الشيعة العرب في معظم البلدان لمراعاتها بنفس الطريقة و النمط.
البحرين خط أحمر
كيف ترون الاحتجاجات المسلحة التي تشهدها البحرين بين فترة وأخرى؟ وما رأيكم في فتاوى رجال دين تدعو لسحق الشرطة واستخدام العنف وقنابل المولوتوف؟
- نحن نفضل محادثات سلمية لأعوام، على إراقة قطرة دم بحرينية أو عربية، ونحن كمرجعية إسلامية عربية نرفض فتاوى تدعو للفوضى والعنف، وجعل منطق التطرف والمواجهة، بديلاً عن منطق العقل والحوار، وكما أكدنا سابقاً، فإن الدولة خط أحمر لأن إلحاق الضرر بالدولة يعني إلحاق ضرر بهيبة البحرين، وعزتها وكرامتها، وضعف الدولة وتضعضع أحوالها يقود إلى الفلتان الأمني الذي لا يستفاد منه أي بحريني وإنما يخدم مصالح خارجية بنسبة 100%.
القضاء في البحرين حكم بحل المجلس العلمائي وتصفية أمواله لأنه يعمل في السياسة مستخدماً المنابر الدينية في التحريض على الطائفية.. كيف تقيمون ذلك الموقف؟ وهل في أعراف الشيعة وجود مجالس من هذا النوع؟
- إننا نرى كل حزب أو تنظيم أو مجلس يدعو لممارسة العنف وإثارة النعرات الطائفية، خطر وتهديد على البنيان الاجتماعي أولاً، وعلى الأمن القومي ثانياً، وأننا لم نرَ عبر التاريخ قيام الشيعة بتأسيس مجالس تدعو للطائفية والعنف، بل إنها بريئة من هكذا أمور ترتبط بأجندة خارجية من دون أدنى شك.
السلطات أبعدت حسين النجاتي عن البحرين لأنه مارس نشاطاته بشكل غير واضح ومن غير تنسيق مع الجهات الرسمية في البلاد.. ما تعليقكم على ذلك؟
- طالما يكون هنالك ملك أو حاكم عادل، فعلينا التفكير طبقاً لذلك بوجود سلطات مختصة تعمل وتتصرف بروح الحرص والمسؤولية، وإننا نعتقد أن السلطات البحرينية قد قامت بما يجب فعله طبقاً لأولويات تعمل على أساسها.
«حزب الله» إرهابي
كيف تقيمون إدراج البحرين لـ»حزب الله» على لائحة الإرهاب؟ إضافة إلى تفكير مجلس التعاون الخليجي ودول عربية في هذا الأمر؟
- من حق أي بلد الدفاع عن أمنه القومي لو أحس أو شعر بخطر أو تهديد من أي جهة أو طرف أو حزب، ولكل بلد عربي الحق الكامل في التصرف بما يتفق ومصالحه الوطنية والأمنية، ومن حق الدول العربية أن تفكر بهذا المنحى.
كيف تقيمون التهديدات الإيرانية للبحرين بوجه خاص، ولمجلس التعاون الخليجي بوجه عام؟ وماذا عن تدخل إيران في الشأن البحريني؟
- التهديدات الإيرانية أمر واقع وليس مجرد فرضيات أو تخمينــات. إن نظــام ولاية الفقيه يحاول دائماً جعل الخليج عموماً والبحرين خصوصاً في مرمى تهديداته وأخطاره من أجل فرض شروطه وأهدافه على الآخرين، وهو يقف دائماً ضد السلام والأمن والاستقرار في وطننا العربي بصورة عامة وفي منطقة الخليج بصورة خاصة، أما عن تدخل نظام ولاية الفقيه في الشأن البحريني الداخلي، فإنه حديث ذو شجون وإن هذا النظام الذي بنى وجوده على تصدير العنف والإرهاب والأزمات للبلدان الأخرى قد جعل وللأسف البحرين واحدة من أهدافه، وإننا ندعو إخواننا في البحرين، إلى أخذ الحيطة والحذر والانتباه من مخططات وألاعيب هذا النظام أياً كانت.
من وجهة نظر سماحتكم، كيف يمكن للدول العربية أن تقاوم التغلغل والتدخل الإيراني في شؤونها خاصة دول الخليج؟ وما دور القيادات السياسية العربية كي تقاوم التدخل الإيراني في شؤونها؟
- وحدة الصف والكلمة والموقف العربي، برأينا وقناعتنا هو أفضل أساس يمكن استخدامه كآلية عملية ضد تغلغل نفوذ النظام الإيراني في الدول العربية، والتي برأينا باتت تهدد الأمنين القومي والاجتماعي العربي أكثر من أي وقت مضى، وأن على القيادات السياسية العربية أن تضع خططاً وبرامج عملية على أرض الواقع، لوقف هذا التغلغل خصوصاً من حيث سعي البلدان العربية التي فيها أبناء الطائفة الشيعية، إلى احتضان هذه الطائفة أكثر وتوعيتها وتنبيهها من الخطر المحدق بالوطن والشعب من جراء خطر التغلغل القائم.
هل ترون أن هناك تغلغلاً إيرانياً جديداً في القرن الأفريقي؟
- نعم هناك تغلغل وإن كان محدوداً، لكنه يسعى للتوسع والانتشار أكثر فأكثر، إن لم تكن هناك من جهود للوقوف بوجهه وإيقافه عند حده.
اختزال الطائفة
يرى بعض المحللين أن «حزب الله» يختزل الطائفة الشيعية في لبنان برغم تطرفه، فإلى متى يستمر بمصادرة القرار الشيعي؟ وهل يمكن أن تصبح الطائفة رهينة للحسابات الإقليمية؟
- الطائفة شيعية كانت أم سنية، أكبر من أن تختزل في حزب أو حزبين أو حتى مجموعة أحزاب، الطائفة أكبر من ذلك، ويجب الانتباه دائماً إلى أن هناك أغلبية صامتة هي التي يمكن اعتبارها الأساس، وبطبيعة الحال فهناك من يسعى لكي يجعل من الطائفة رهينة للحسابات الإقليمية من أجل مصالح ضيقة، لكن على الرغم من ذلك فإن الطائفة أكبر من ذلك بكثير.
ما موقفكم من ولاء حسن نصر الله لإيران؟ وما موقفكم من نظرية ولاية الفقيه؟ وهل ترون أنها تصلح للشيعة العرب أم أنها تخص نظام إيران فقط؟
- لكل أمرئ أفكاره ومبادئه وميوله الخاصة، وكل يجعل ولاءه على أساس ذلك. موقفنا من نظام ولاية الفقيه، أنه نظام يخدم أهداف وأجندة سياسية خاصة ضيقة، وقد أكدنا مراراً وتكراراً من أنها لا يمكن أن تصلح للشيعة العرب لعدة اعتبارات، لكننا نود هنا أن نؤكد أيضاً أن هذه النظرية لا تحظى حتى بقبول الإيرانيين أنفسهم ويعارضونها بشدة، وحتى عند وقوع انتفاضة 2009 في إيران فقد رفع المتظاهرون شعار «السقوط لنظام ولاية الفقيه»، بل و»الموت للولي الفقيه» نفسه.
حسن نصرالله يزعم أن عدوانه على الأراضي السورية ومساندته لنظام الرئيس بشار الأسد بأنه «جهاد» من أجل الدفاع عن مقامات آل البيت خاصة مقام السيدة زينب رضي الله عنها، كيف تقيمون موقف «حزب الله» من الأزمة السورية، وقتاله إلى جانب قوات الأسد؟ وهل تتوقعون اشتعال الفتنة الطائفية بلبنان جراء ذلك التدخل؟
- «حزب الله» ينطلق من رؤية نابعة من قناعات خاصة به، ترتكز على أسس ومقومات ليست بالضرورة أن تكون متفقة ومتطابقة مع الرؤى والتوجهات والقناعات الأخرى بشأن الأوضاع في سوريا، وإننا كمجلس إسلامي عربي ضد كل تدخل خارجي في الشأن السوري، ونعتقد أن أفضل سبيل لحل الأزمة السورية، إنهاء التدخل الخارجي خصوصاً تدخل نظام ولاية الفقيه، الذي هو أساس الأزمة وسبب استمرارها.
البعض يرى أن دعوة رجال دين لبنانيين للجهاد في سوريا، مقدمة لصراع طائفي ومذهبي في لبنان، ما رأيكم في ذلك؟
- الخطأ لا يمكن معالجته بخطأ، نظام ولاية الفقيه ارتكب خطاً فاحشاً بتدخله السافر في الشأن الداخلي السوري، وهو المسؤول شرعياً عن كل الأخطاء التي ستنجم أو تسفر عن هذا الخطأ، وعلينا أن نعمل على تفادي اتجاه الأوضاع نحو مفترق اللاعودة، لا قدر الله، والعمل على فرض حل إنهاء التدخلات الخارجية في الشأن السوري فهو بقناعتنا الحل الأمثل لأن تطور الأمر إلى حرب مذهبية سيحقق هدفا وغاية لأعداء الأمة العربية والإسلامية كانت تحلم به منذ عقود.
كيف ترون الأوضاع في سوريا، وهل تتوقعون أنه من الممكن التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية، دون التدخل العسكري؟
- الأوضاع في سوريا، يحاول نظام ولاية الفقيه الاستفادة منها لصالحه عبر دفعها نحو مفترقات خطيرة، تنذر بأكثر من خطر لدول وشعوب المنطقة، ولا يمكن حل المعضلة السورية مع بقاء التدخل الخارجي الذي أساسه وعماده تدخل النظام الإيراني، حتى إن هذا النظام يتخوف كثيراً من انسحابه من سوريا لقناعته بعدم مقدرة نظام الأسد على مواجهة الثورة ضده وحتمية سقوطه، ولهذا فلابد من مشروع حل دولي، يضع مسألة إنهاء التدخل الخارجي، كأساس لحل الأزمة السورية.
هل تخشون عودة الحرب الأهلية في لبنان مرة أخرى، وسط انتشار السلاح بأيدي معظم الأطراف اللبنانيين وسياسة الانقسام والخطاب المتطرف، وما مصير البلاد في ظل الاصطفاف الطائفي والمذهبي؟
- بصراحة الأوضاع مع أنها لا تطمئن كثيراً، لكن الجميع ذاق مرارة وقساوة وبشاعة الحرب الأهلية، وما جنته على الشعب اللبناني، ولهذا فإننا نعتقد أن مختلف الأطراف متيقنة بأن اتجاه لبنان نحو الحرب الأهلية يعني أن المركب سيغرق بمن فيه، وأن الشرر والنيران ستطال الجميع دون استثناء، وهناك تفاؤل بعون الله من إمكانية عدم حدوث ذلك، لكنه تفاؤل حذر ومحدود جداً!
ما نظرتكم إلى سلاح «حزب الله» ودوره في الدفاع عن لبنان؟ وهل تتوقعون استمرار الفراغ الرئاسي في لبنان لفترة طويلة؟
- نحن نؤمن بحقيقة واحدة وهي أن مسألة الدفاع عن لبنان من المسائل السيادية التي يجب أن ترتبط بالدولة اللبنانية ومؤسساتها المعنية بالأمر، ولسنا مقتنعين بغير ذلك بالمرة. وبالنسبة للفراغ الرئاسي فإنه باعتقادنا سيطول بعض الشيء، ولكن ليس كثيراً.
الأوساط السياسية في لبنان اعتبرت أن معارضتكم لـ»حزب الله» ومناهضتكم للسياسات الإيرانية في المنطقة، هي التي دفعت لتلفيق الاتهامات ضدكم.. إلى أي مدى تتفقون مع هذا الطرح؟
- نحن حملنا على أكتافنا أعباء رسالة خاصة تخدم أمتنا العربية أولاً وثانياً وثالثاً، وحرصنا على توعية الشيعة العرب من الخطر المحدق بهم، وإننا ماضون على السبيل والطريق الذي حددناه لأنفسنا بعون الله وبركته ورحمته، ومن يتوكل على الله فهو حسبه.
مراجع شيعية لبنانية قالت إنها تريد قانوناً انتخابياً يحمل الطابع الوطني العام فيتجاوز القيد الطائفي والمناطقي انتخاباً وترشيحاً مع المحافظة على المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، هل من تفسير لذلك؟
- الديمقراطية الحقيقية تعني أن تكون هناك العديد من الطروحات والأفكار والرؤى المختلفة، ونحن لا نجد غضاضة في هذا الرأي.
مجازر الأنبار والفلوجة
كيف تقيمون الأوضاع في العراق؟ وما تعليقكم على فوز نوري المالكي بانتخابات الرئاسة؟ وما رأيكم في تهميش المالكي لأهل السنة في العراق؟
- الأوضاع في العراق لها أكثر من علاقة بأوضاع نظام ولاية الفقيه نفسه، فهو كما قلت مراراً يقوم بتوظيف الأوضاع في المناطق التي يمكنه التغلغل بها لصالح مشروعه الخاص. وإننا نشكك في فوز نوري المالكي لأنه كان يواجه رفضاً شعبياً عارماً، ولا يمكن أن يحصل فجأة على هكذا أرقام من دون أمور جانبية، قد جرت على الضد من إرادة العراقيين. والحقيقة أن المالكي اقترف أخطاء سياسية كبيرة تأتي مسألة تهميشه للإخوة السنة في العراق في مقدمتها، وأن إصراره على الاستمرار في هذا الخطأ سوف تكون له تداعيات ونتائج ستجعله يدفع الثمن غاليا، لأن هكذا أمور هي أكبر وأعقد من تصرفات وخطى سياسية مشبوهة ترتبط بأجندة خارجية.
بعض المحللين يرجعون ضعف صوت رجال الدين الشيعة المعتدلين إلى هيمنة السلطة الإيرانية، بدليل صمت المرجعية الشيعية في العراق إزاء سفك الدماء في الأنبار والفلوجة، إلى أي مدى تتفقون مع هذا الطرح؟
- تدخل نظام ولاية الفقيه في العراق قطع أشواطاً بعيدة وتجاوز كل الحدود والاعتبارات، وهو بصراحة يقوم الآن بتجاوز المرجعيات الشيعية في العراق خصوصاً تلك التي ترفض التجديد لولاية ثالثة للمالكي، وأن صمت المرجعيات الشيعية عن المجازر التي تجري في الأنبار والفلوجة يمكن تفسيره بتدخل هذا النظام على خط المرجعية عبر أكثر من طريق، وفي كل الأحوال فإن نظام ولاية الفقيه يرتكب خطأ كبيراً آخر في العراق وسوف ينكشف ويتوضح مستقبلاً.
كيف تقيمون دعم إيران للحوثيين والحراك الانفصالي في اليمن؟
- لنظام طهران مصالح وأجندة خاصة، وهو يريد توظيف واستغلال كل شأن داخلي عربي في المنطقة لصالحه، ومن هنا فإننا نريد أن نقوم بدورنا المطلوب والمناسب لتوعية الشيعة العرب، وتنبيههم من هذا الخطر الكبير المحدق بهم، لكن للأسف البالغ فإن إمكانياتنا كمجلس إسلامي عربي محدودة جداً، ولذلك فإن تحركاتنا لا تكون بمستوى الأوضاع وبمستوى المرحلة، وللأسف فإن أحداً لا يلتفت لنداءاتنا بهذا الخصوص.
هل تعتقدون أن بإمكان إيران استغلال الأوضاع في مصر من أجل التدخل وتأجيج التوتر؟
- بإمكان هذا النظام استغلال أية أوضاع فيما لو كانت الظروف مناسبة وممهدة لذلك، وهو بطبيعة الحال لا يمكن أن يغادر الساحة المصرية المهمة جداً عربياً وإسلامياً بهذه السهولة.
إعدامات إيران
ما تعليقكم على تصاعد عمليات الإعدامات في ايران؟
- نظام ولاية الفقيه مهووس بالقتل والابادة ودون ممارساتها يعتقد أنه سيتعرض للسقوط، وهو نظام محترف وبارع في إستخدام كل أساليب ووسائل القمع والابادة وإقصاء الآخرين أو قتلهم بطرق مختلفة، ويحاول جاهداً إستخدام التبريرات والمسوغات اللازمة من أجل إضفاء الشرعية على ما يقوم به من إعدام وقمع وتعذيب ومصادرة للحريات، وكأنه يريد أن يفهم العالم الإسلامي عموماً، والشعب الإيراني خصوصاً أن الدين هو العقوبة والقصاص والقتل والشنق، ويتناسى ويتجاهل أن الاسلام يهتم بهداية الإنسان وتنويره عقلانياً ومنطقياً بالإسلام كمنهج وكفكر وكرسالة للوجود.
إن تصاعد الاعدامات في إيران خاصة منذ تولي الرئيس الجديد حسن روحاني السلطة في اغسطس الماضي، تضع أولاً أكثر من علامة استفهام على مزاعم الاصلاح والاعتدال المزعومة، ولا يبدو أن نظام ولاية الفقيه يريد أن يقلل من حملات الإعدامات وإنما هي في تصاعد مستمر، مما يثبت حقيقتين بالغتي الأهمية أولهما، رفض الشعب الايراني لنظام ولاية الفقيه ومقاومته، وثانيهما، أن النظام يبقى مصراً على أن خيار إستخدام القوة هو الخيار الاهم والابقى لديه في مواجهة الأوضاع.
ما رأيكم في الدعوة إلى نشر التشيع؟
- كمجلس إسلامي عربي، وكمرجعية اسلامية عربية، لدينا قناعات خاصة بضرورة إيلاء احترام خاص للتوازن الاجتماعي القائم في وطننا العربي، بمختلف أطيافه وأديانه وطوائفه وأعراقه، وضرورة عدم المساس بذلك، لأنه وببساطة يشكل خطراً ماحقاً على النسيج الاجتماعي، أي يشكل خطراً على الأمن الاجتماعي، مما يقود إلى فتح أبواب وليس باباً واحداً فقط لمشاكل وأزمات نحن في غنى عنها تماماً، رغم أننا نود أن نشير الى أن فكرة نشر التشيع هي فكرة طارئة وإحدى بدع وألاعيب نظام ولاية الفقيه دون غيره.
كيف تقيمون الموقف العربي من القضية الفلسطينية؟
- بالنسبة للموقف العربي من القضية الفلسطينية وعلى الرغم من بعض تحفظاتنا وملاحظاتنا، لكننا مع ذلك نؤمن بأن العرب أحرص من غيرهم على قضية مصيرية تخصهم وتتعلق بهم دون غيرهم.
كيف تقيمون الأوضاع في دول الربيع العربي، ونحن ندخل عامها الرابع؟
- الربيع العربي لو لم ترافقه تدخلات خارجية، وعبث العابثين وتربص المتربصين، فإنه كان بالإمكان أن يكون إنعطافة في الوعي السياسي والفكري والاجتماعي العربي، لكان بإمكانه أن يكون حدثاً بمستوى الثورة الفرنسية أو البلشفية في روسيا، لكن كيد الحاقدين والأعداء للأسف ألحق أكبر الأضرار به، غير أننا مع ذلك نتأمل فيها الخير ونتفاءل بها طبقاً لما قاله رسولنا الأكرم «ص» «تفاءلوا بالخير تجدوه».
حوار المذاهب
كيف تقيمون دعوة خادم الحرمين الشريفين لإنشاء حوار بين المذاهب الإسلامية، وما المطلوب من العلماء لإنجاح هذه الدعوة؟
- دعوة خادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود لإنشاء حوار بين المذاهب الاسلامية، هي دعوة تنم عن أعلى درجات الحرص والشعور بالمسؤولية أمام شعوب وبلدان المنطقة، وتنبع من حرص جلالته على ترجمة أفكاره وطموحاته على أرض الواقع، وإننا نعتقد بأن المطلوب من العلماء لإنجاح هذه الدعوة هو الإسراع بتلبيتها وإيجاد القواسم المشتركة والخطوط الجامعة بين المذاهب من أجل قطع الطريق على المتربصين شراً وعلى المتصيدين في المياه العكرة.