عواصم - (وكالات): سقطت محافظة نينوى الواقعة شمال العراق عند حدود إقليم كردستان والمحاذية لسوريا خلال ساعات بأيدي جماعة «الدولة الإسلامية في العراق والشام - داعش» في حدث استثنائي يهدد بكارثة أمنية كبرى وبفتح ممر جديد لتنظيمات متشددة تنشط عند الحدود العراقية السورية. وفي وقت لاحق، أعلن مصدر في الجيش ومسؤول محلي أن مقاتلين من «داعش» سيطروا على ناحيتين في محافظة صلاح الدين. وجاءت سيطرة المقاتلين الجهاديين على ناحيتي الصينية وسليمان بيك بعد وقت قصير من سيطرة عناصر التنظيم على قضاء الحويجة و5 نواح في محافظة كركوك القريبة، قبل أن تسقط محافظة نينوى بأكملها في أيدي مسلحي التنظيم المناهض للحكومة.
وأعلن رئيس البرلمان أسامة النجيفي في مؤتمر صحافي في بغداد أن «كل محافظة نينوى سقطت بأيدي المسلحين»، وذلك بعد ساعات قليلة من تأكيد مصادر أمنية خروج مدينة الموصل شمال بغداد، عاصمة نينوى وثاني أكبر مدن العراق، عن سلطة الدولة. وهذه المرة الأولى التي يعلن فيها مسؤول عراقي عن خروج محافظة بكاملها عن سيطرة الدولة العراقية. وفي ضوء هذا الحدث، دعت الحكومة العراقية البرلمان الذي سيعقد جلسة طارئة أمس إلى إعلان حالة الطوارئ في البلاد، وأعلنت عن وضع قواتها في حالة التأهب القصوى، كما تعهدت بتسليح كل مواطن يتطوع لقتال «الإرهاب»، مشيرة إلى قرار بإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية وخططها. وقد طالب رئيس الوزراء نوري المالكي بحشد «كل الطاقات الوطنية من أجل إنهاء تنظيم «داعش» في محافظة نينوى والمحافظات الأخرى».
ويمثل سقوط نينوى في أيدي المجموعات المسلحة المناهضة للحكومة حدثاً استثنائياً بالنسبة إلى الوضع الأمني في العراق بشكل عام لما تحظى به المحافظة من أهمية استراتيجية نظراً لمساحتها الجغرافية ولموقعها القريب من إقليم كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي.
كما إن مدينة الموصل عاصمة الشمال العراقي تقع على بعد كيلومترات فقط من الحدود مع سوريا حيث تفصل بينها وبين معبر اليعربية الفاصل بين العراق وسوريا منطقة تسكنها عائلات سنية لها امتدادات عشائرية وعائلية على الجانب الآخر من الحدود.
والموصل ثاني مدينة تفقد القوات العراقية السيطرة عليها منذ بداية 2014 بعد الفلوجة غرب بغداد الواقعة في محافظة الأنبار والتي تسكنها غالبية من السنة أيضاً.
في موازاة ذلك، أصدر رئيس وزراء إقليم كردستان العراق، نيجرفان بارزاني، بياناً عن الأحداث في الموصل، واتهم الحكومة العراقية بالفشل الأمني، محملاً الحكومة المركزية مسؤولية الانهيار الأمني. إلى ذلك، حمّل محافظ أربيل، نوزاد هادي، حكومة المالكي مسؤولية سقوط محافظة نينوى. وقال المحلل السياسي عزيز جبر إن «سقوط محافظة مثل نينوى يشكل تهديداً خطيراً جداً للأمن القومي العراقي والمسألة تنذر بكارثة وطنية كبرى، وإذا لم تعالج فستنسحب المسألة نحو محافظات أخرى».
وأضاف أن «الجماعات المسلحة تريد إقامة دولة إسلامية وهذه الدولة تريد أن تقتطع الموصل وصلاح الدين والأنبار وديالي في العراق وتضيفها إلى دير الزور والرقة في سوريا وهذه الأهمية الاستراتيجية لما حدث اليوم».
وفي التفاصيل الأمنية، قال مصدر مسؤول في وزارة الداخلية العراقية إن «مجموعات من المسلحين سيطرت أولاً على مبنى المحافظة في الموصل وعلى القنوات الفضائية وبثوا عبر مكبرات الصوت أنهم جاءوا لتحرير الموصل وأنهم سيقاتلون فقط من يقاتلهم».
وأضاف أن «أفراد الجيش والشرطة نزعوا ملابسهم العسكرية والأمنية وأصبحت مراكز الجيش والشرطة في المدينة فارغة، فيما قام المسلحون بإطلاق سراح سجناء» من السجون في المدينة. وتابع «مدينة الموصل خارج سيطرة الدولة وتحت رحمة المسلحين».
وفيما لم يحدد المصدر في وزارة الداخلية الجهة التي ينتمي إليها المسلحون، قال ضابط رفيع المستوى في الشرطة برتبة عميد إن هؤلاء المسلحين ينتمون إلى تنظيم «داعش». وقد أعلن التنظيم تبنيه لعمليات خاضها ضد قوات الأمن في محافظة نينوى على حسابه الخاص في موقع تويتر. وأوضح الضابط أن الهجوم «بدأ صباحاً»، وأن «جميع القطاعات العسكرية التابعة للفرقة الثانية خرجت إلى خارج المدينة» وكذلك القيادات العسكرية العليا، مؤكداً أن «الموصل بأكملها باتت تحت سيطرة داعش عبر انتشار مئات المسلحين».
وتابع أن «مقر قيادة عمليات نينوى ومبنى المحافظة ومكافحة الإرهاب وقناتي سما الموصل ونينوى الغد والدوائر والمؤسسات الحكومية والمصارف بيد داعش، وتم اقتحام سجون الدواسة والفيصلية وبادوش وهناك إطلاق سراح لمئات من المعتقلين». وفي وقت لاحق، قال النجيفي في مؤتمره الصحافي إن «كل محافظة نينوى سقطت في أيدي المسلحين»، مضيفاً أن «مسلحين يتوجهون إلى محافظة صلاح الدين لاحتلالها»، وهي محافظة تسكنها أيضاً غالبية من السنة وتقع إلى الجنوب من نينوى وإلى الشرق من الأنبار.
وتشهد نينوى حركة نزوح كثيفة باتجاه إقليم كردستان المجاور الذي يتمتع بحكم ذاتي.
وقد أعلن محافظ أربيل نوزاد هادي أن إقليم كردستان الشمالي بصدد فتح مخيم للاجئين الفارين من نينوى.
وتتشارك نينوى والأنبار مع سوريا بحدود بطول نحو 600 كلم، علماً بأن سقوط المحافظة الشمالية يأتي في وقت يشن فيه تنظيم «داعش» هجوماً على تنظيمات جهادية أخرى شرق سوريا قرب الحدود العراقية بهدف إنشاء «دولته». واعتبر المحلل المتخصص بالشأن العراقي في مجموعة «اي كي ايه» الاستشارية الأمنية البريطانية جون دريك أن «ما حدث له دلالة بالغة. خسارة نينوى ستخلق ممراً للمسلحين بين الأنبار والموصل والحدود السورية ما سيسهل عملية تهريب الأسلحة والأموال والمسلحين بين جبهات القتال المختلفة». وتلقي أحداث نينوى الضوء مجدداً على عجز القوات الأمنية والعسكرية التي يبلغ عديدها نحو مليون عنصر، عن وقف التدهور الأمني المتواصل منذ أكثر من عام، والذي يغذيه الاستياء السني من السلطات التي يسيطر عليها الشيعة، والنزاع في سوريا المجاورة.
وقتل في العراق منذ بداية يونيو الجاري أكثر من 550 شخصاً في أعمال العنف اليومية التي بلغت مؤخراً معدلات هي الأعلى منذ النزاع الطائفي المباشر بين عامي 2006 و2008. من جهته، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن «قلقه البالغ» إثر سيطرة الجهاديين على الموصل، داعياً المسؤولين العراقيين إلى التوحد.
واعتبرت الولايات المتحدة أن مقاتلي «داعش» يهددون كامل منطقة الشرق الأوسط.