الحقائق الديموغرافية في البحرين
وعلى عكس المغالطات التي تفترض أن الشيعة تمثل غالبية المجتمع البحريني، هناك أدلة واضحة على أن البحرينيين الشيعة يتمتعون ( نسبيا ) بالمساواة في توزيع المنافع الاقتصادية في العديد من القطاعات والصناعات الرئيسية في البلاد. لا يسعى هذا القسم من البحث لإثبات أن أياً من الشيعة أو السنة تشكل غالبية السكان؛ فمثل هذا التخمين يكاد يكون مستحيلاً بسبب عدم وجود إحصائيات رسمية للطوائف الموجودة بالبحرين. وبدلا من ذلك، يسعى هذا القسم لإثبات أن الشيعة والسنة لهما تمثيل متساوٍ في اقتصاد البحرين، باستثناء وحيد يتمثل في الشركات الكبرى التي تديرها الشيعة والتي يقع استبعاد السنة منها بصورة منهجية ويمثلون فقط 1.9? من كبرى الشركات التي يملكها الشيعة. وكما ذكرنا، هنالك طريقة واحدة لتحديد (مع هامش صغير فقط للخطأ ) إذا كان المواطن البحريني من المذهب السني أو الشيعي، ويتم من خلال عملية تفتيش في شهادات الزواج التي تصدرها السلطات الدينية لكل طائفة . لكن هنالك ثلاث مشاكل رئيسية لهذه الطريقة يتمثل أولها في أن العديد من الشيعة اختاروا أن يتزوجوا في المحاكم السنية بسبب قانون الأسرة الذي شرع حديثا، والذي رفضته الوفاق (من بين الأحزاب والشخصيات الدينية الشيعية الأخرى) لأنه قدم الكثير من المزايا للنساء التي يدعون أنها معادية للتعاليم الإسلامية. وعلى الرغم من أن البحرين بلد إسلامي، فهو متسامح جداً مع الأديان الأخرى والملحدين. ولهذا السبب، تتمثل المشكلة الثانية في أنه قد يكون هناك تحريف للأرقام لأن الزواج في محكمة السنية أو الشيعية والحصول على وثائق زواج سنية أو شيعية لا يبين مستوى الانتماء الديني للفرد وربما تكون رمزية أكثر منها عملية. وأخيراً، فإن إحصاءات من هذا النوع لا تشمل غير المتزوجين أو المتزوجين خارج البحرين. وبالتالي، على الرغم من أن فحص شهادات الزواج يوفر فرصاً أكبر لدراسة التركيبة السكانية للبحرين، إلا أنها تظل ناقصة. ولكن عند إجراء هذا البحث، تم القيام بسلسلة من الملاحظات المثيرة للاهتمام التي تدور حول الحجج الرئيسة التي تستخدمها الوفاق وغيرها لتبرير تصرفاتهم خاصة فيما يتعلق بالبطالة الإدعاءات المزعومة حول التوزيع غير العادل للثروة والموارد.
الوزارات والمؤسسات الحكومية الست الكبرى
من أجل القيام بهذا البحث بشكل جيد، ومن أجل فهم مسألة الانقسام الطائفي بين الشيعة والسنة البحرينيين بشكل أفضل تم اختيار ست وزارات حكومية وخمس منظمات. وقد تم هذا الاختيار على أساس ثلاثة معايير رئيسة هي: أولاً، تعتبر هذه المؤسسات مؤسسات رئيسية للإدارة والتنمية الوطنية. ثانياً و لكي يكون هذا البحث أكثر تعبيراً فإن هذه الوزارات توظف أكثر من 1000 شخص و توظف المنظمات أكثر من 300 شخص. ثالثا ، لأسباب عملية، كانت هناك تسهيلات أوسع للوصول إلى المعلومات في هذه الوزارات والمؤسسات.
شمل مجال البحث ست وزارات وهي: وزارة التربية والتعليم ،وزارة الصحة، وزارة شئون البلديات والتخطيط العمراني ، وزارة العدل والشؤون الإسلامية، وزارة الأشغال و وزارة المالية. وباستثناء وزارة المالية، فإن أغلبية البحرينيين العاملين في الوزارات الأخرى متزوجون في محاكم شيعية ولهم انتماء شيعي. وأن الأرقام معبّرة حقاً. فعلي سبيل المثال ففي وزارة التربية والتعليم ومن مجموع 14536 موظفاً شملهم البحث فإن 9427 منهم شيعة و 5109 سنّة مما أدى إلى اختلال في التوازن لصالح الموظفين الشيعة المسجلين بحساب35.1 بالمائة من السنّة مقابل 64.9 بالمائة من الشيعة. ويعتبر الوضع الديمغرافي في وزارة الصحة أكثر تعبيراً إذ تستحوذ الطائفة الشيعية على 83.4 بالمائة من جملة 7407 وظيفة. وفي وزارة شؤون البلديات والتخطيط العمراني فإن الشيعة يمثلون 75 بالمائة بينما هم يمثلون في وزارة الأشغال 72.1 بالمائة وفي وزارة العدل والشؤون الإسلامية يمثل الشيعة 51.7 بالمائة. ولأسباب مجهولة فإن عدم التوازن لصالح الموظفين السنة نلحظه فقط في وزارة المالية بنسبة 79.1 بالمائة من مجموع الموظفين. وفي المجموع، وفي الست وزارات التي تمّ البحث فيها فإن الشيعة يمثلون 68.7 بالمائة في حين أن السنة يمثلون 31.3 بالمائة من المناصب المتوفرة.
نشيرأنه هناك عدم توازن طفيف في العموم بين المنظمات الحكومة الخمس تحت المجهر. لكنّ التباين يصبح أكثر حدة بين عدد قليل منها. وإن كان من الصعب تفسير سبب هذا التباين، فمن المؤكد أن الطائفتين ممثلتين في الحكومة. فعلى سبيل المثال، فإن التمثيل الأعلى للشيعة لوحظ في أعلى في هيئة الكهرباء والماء بنسبة 80 بالمائة من المناصب المتوفرة وتشهد أدنى نسبة مئوية في هيئة شؤون الإعلام بنسبة 22.8 بالمائة. وفي ذات الوقت فإن جامعة البحرين التي توظف حوالي 1400 شخص فإن هناك في العموم توازناً. بين السنّة بنسبة 53.3 بالمائة و الشيعة بنسبة 46.7 بالمائة من الموظفين. ومع ذلك وفي المجموع ، فعلى الرغم من نقص التمثيلية في بعض المنظمات، فإن الشيعة محتفظون بتواجد أكبر من السنيين في هذه المنظمات 57.4 بالمائة مقابل 42.6 بالمائة من المناصب المتوفرة. ونظراً للمعلومات المذكورة أعلاه – وإذ عممنا هذه الحالات علي الوزارات الأخرى، فإن هذا التحليل يخلص إلى أنه لا يوجد أي تمييز منهجي ضدّ الشيعة من حيث فرص العمل باعتبارهم موظفي الخدمة المدنية.
التخصصات عالية الدخل
بالإضافة إلى البحث الذي شمل الوزارات الحكومية والمنظمات، فإن الاهتمام انكبّ أيضاً على بعض التخصصات الأكثر أهمية وذات الأجور العالية والتي قيل إنها موصدة في وجوه الشيعة. وفي هذا الصدد وقع الاختيار على 17 صناعة لتحديد مدى صحة الادعاء ومدى صحة التمييز الطائفي. . وقد تفرعت هذه الصناعات إلى: إدارية، موارد البشرية، تربوية، مالية ومحاسبة، هندسة، تكنولوجيا المعلومات، معلومات وسياحة، تفتيش ومراقبة الجودة، السكرتارية، العلوم اللينة، علم النفس (وعلم الاجتماع)، التمريض، الأطباء، والصحة العامة، والمستحضرات الصيدلانية، والعلاج الطبيعي والتغذية وفنيي المختبرات و فنيي الاختصاصات الطبية. تشمل كذلك مناصب الإشراف و التنفيذ. مناصب غير مرتبطة بوزارة التربية والتعليم وجامعة البحرين. علماء الفيزياء و الكيمياء و الإحصاء. بينما يشير الرسم البياني أعلاه إلى التوزيع الطائفي في العموم بين هذه التخصصات ذات المرتبات العالية الدخل، فإنه من المهم ملاحظة تواجد أعلى تمثيلية للموظفين الشيعة وهو حتماً في «قطاع الرعاية الصحية». وفي الواقع، يتواجد الموظفون الشيعة بوضوح في مجال التمريض بنسبة 84.8 بالمائة والصحة العامة بنسبة 85.3 بالمائة و وفنيي المختبرات والعلوم الطبية بنسبة 85.3 بالمائة.وحسب العيّنة التي تمّ تدارسها وهي 23252 مواطنا نرى ان تمثيلية الشيعة تساوي 62.6 بالمائة وتمثيلية السنّة تساوي 37.4 بالمائة فإنه أصبح من تحصيل الحاصل أن الشيعة لا يعانون من التمييز فيما يخص المناصب ذات المرتبات العالية.
القطاع الخاص
ويعاد ذكر نفس المعطيات تقريباً حين تتمّ دراسة حالات 12404 مواطنين يعملون في العشر شركات البحرينية الأول حيث يحتلّ الشيعة 60.3 بالمائة والسنة في 39.7 بالمائة من المناصب المتوفرة. وقد تمّ اختيارالشركات في هذا البحث بالاستناد إلى وجود أكبر عدد من الموظفين وأضخم كمية من الإيرادات. فيما يلي عدد الموظفين حسب الشركات: ألمنيوم البحرين، وشركة نفط البحرين وخدمات مطار البحرين، طيران الخليج ، شركة البحرين للاتصالات 'بتلكو'، و الشركة العربية لبناء وإصلاح السفن'أسري'، شركة الخليج لدرفلة الألمنيوم.
شركة الخليج للصناعات البتروكيميائية، وشركة غاز البحرين الوطنية 'بناغاز'، وشركة مطار البحرين. وعند التمحيص في الشركات المشار إليها أعلاه، فمن المهم أن نلاحظ أن الطائفة الشيعية ممثلة بوضوح كبير في أربع شركات رئيسية: ألومنيوم البحرين (73.8)، وشركة نفط البحرين (71.5) و الشركة العربية لبناء وإصلاح السفن'أسري' (81.1) شركة الخليج لدرفلة الألمنيوم (73.8). وفي حين تواصل الشركتين المتصلتين بالألمنيوم في الازدهار، فان شركة نفط البحرين و الشركة العربية لبناء وإصلاح السفن'أسري' قد شهدتا بناء السفن العربية إعادة هيكلة كبيرة على مدى العقد الماضي. ورغم أن التكهن غير محبذ، فإن ما قد اصطلح عنه كقضية طائفية، ليس في الواقع إلا غليان سياسي أكثر ومردّه انعدام الإحساس بالأمان عند الموظفين الشيعة - وأطفالهم- في بعض الشركات الرئيسة. اذا أخذنا في الاعتبار المحور الرئيس لهذا الجزء من البحث فإن الإحصائيات مرة أخرى تغني عن أي كلام ويصبح من الواضح أن «الشيعة البحرينيين» لهم تمثيل كافٍ في الشركات المرموقة في المملكة.
القطاع المصرفي
حين بدا الهيدروكربونات بالانخفاض في البحرين ، اتخذت الحكومة تدابير لتحرير القطاع المصرفي في البلاد وشجعت تطوير الاستقطاب المالي في المملكة. وسيتطرق هذا البحث للخمسة مصارف الأكثر أهمية في البحرين من حيث إيراداتها وحجم الموظفين العاملين بها (المشار إليه بين قوسين بجوار أسماء البنوك أدناه). وكما هو الحال في القطاعات الأخرى من الاقتصاد في البحرين، فان للشيعة تمثيلاً كافياً ، على الرغم من أن الأرقام أكثر توازناً بين الشيعة والسنة في هذه الحالة. وفيما يلي البنوك المختارة: بنك البحرين والكويت، بنك البحرين الوطني والبنك الأهلي المتحد، وبنك البحرين الإسلامي وبنك ستاندرد تشارترد البحرين Standard Chartered Bank)
عند التمحيص اتضح أن الجماعات الشيعية والسنية متوازنة تقريباً من حيث العمالة في قطاع المصارف بنسبة 53.4 بالمائة للشيعة و 46.6 بالمائة للسنة من المناصب المتوفرة. هذا التوزيع يشير إلى انعدام التمييز على أساس الطائفة في قطاع المالية والقطاع المصرفي في البحرين.
الشركات التي هي ملك الشيعة
وعلى عكس المعطيات أعلاه، وقع البحث أيضاً في العشر أوائل مشاريع تجارية (من حيث الإيرادات والقوى العاملة) والتي يملكها ويشغلها رجال أعمال من الطائفة الشيعية في البحرين. وقد اتضح في هذا البحث أن الانحياز الممنهج جلي، وهو موجّه ضد الطائفة السنية في البلاد. ففي العشر شركات لم يتجاوز عدد العاملين من السنّة 3.0 بالمائة من القوى العاملة. وفي الواقع، ففي نصف الشركات فقط مثل المواطنون السنيون بين 2 بالمائة و 2.9 بالمائة من القوى العاملة: شركة أحمد منصور العالي الشركة (2.9 بالمائة) و شركة حسن وحبيب ابناء محمود ( 2.6 بالمائة)، و سوبر ماركت الجزيرة (2.1 بالمائة) وجريدة الوسط (بالمائة 2.4). ومن بين الموظفين 2648 لعاملين في هذه الشركات التي يملكها شيعة ، يبلغ متوسط القوي العاملة من الشيعة هناك نسبة98.1 بالمائة من جملة المناصب المتوفرة.
إن ّالبحث في شركات الشيعة يبين أن هناك، في الواقع، تحيزممنهج في التوظيف ، على الرغم من أنه موجه ضدّ أهل السنة في البحرين بدلاً من أهل الشيعة. ولذلك، فإن الحجة المعتمدة في الأصل والقائلة بأن الشيعة مستضعفون اقتصادياً فكرة مغلوطة.، على الرغم من أنه يمكن القول بأنه، وفي بعض القطاعات، وقع استضعاف الطائفة السنية في البحرين، ويمكن الجزم بذلك بعد إجراء مزيد من البحوث.
خاتمة: الديموغرافيا كحلّ
بالتأكيد سوف يشير ناقدو هذا البحث بادئ ذي بدئ كحجة أولي إلى أن توزيع العمالة يجب أن يأخذ بعين الاعتبار أن الشيعة يشكلون أغلبية السكان وهذا صحيح. ومع ذلك، فإن مجرّد الذكر بأن القطاعات الرئيسة للاقتصاد تشغّل أغلبية شيعة لا ينمّ عن تأمل عميق في التفكير في مصلحة المجتمع ككلّ. بدلاً من ذلك، تسعى هذه الإحصائيات فقط (على النحو الوارد أعلاه) إظهار نظرية اليأس الاقتصادي وعدم التمكين مظهر النّظرية الخاطئة. إضافة إلى ذلك، إذا كانت الديموغرافيا تستخدم كأداة لدحض مشروعية هياكل الحكم في البحرين، يصبح من المفيد قلب النقاش رأساً علي عقب واعتبار الديموغرافيا كحل لمكافحة الهجمات ذات الدوافع السياسية والموجّهة ضد المجتمع المدني في البحرين لا سيما أن حزمة مختلفة من الحجج يقع استخدامها لتسييس مسألة الديموغرافيا؛ وهي حجج توحي بأن الحكومة البحرينية تحاول تغيير التوازن الديموغرافي وذلك بدعوة العرب السنة، والهنود والباكستانيين وغيرهم للإقامة في البلاد، وتمكينهم من وثائق التجنيس. هذه الحجج نسمع صداها عند الثوريين في الغرب وعند بعض الجيران الخطرين مثل إيران التي تحاول التشكيك في نوايا الحكومة البحرينية. ومثل هذا المنطق يرجع السبب الوحيد للهجرة إلى البحرين تغيير الوضع الديمغرافي في الجزيرة وهي ذريعة كاذبة لسلوك مناهض للدولة لا يسعي للتأسيس مطلقاً. وبعبارة أخرى، فأولئك الذين ينتقدون سياسة الهجرة في البحرين يقومون بذلك نظراً لأنهم لا يعترفون بسلطة المؤسّسة التّنفيذيّة ولا بشرعية ويستخدمون الحجج المرتبطة بالمسألة الديمغرافية لمزيد تفعيل مشروعهم الطائفي. جدول الأعمال الطائفية.
لكن في خضمّ هذا لهجوم الطائفي ضد سياسة الهجرة في البحرين، فإن عدداً قليلاً من الناس سعوا حقاً لمعرفة المزيد حول هؤلاء الناس الذين يجري تسييسهم لا لشيء وإنما من أجل الحصول على الجنسية البحرينية من خلال العديد من القنوات المتاحة للمهاجرين علي غرار طالبي اللجوء السياسي، والمهاجرون لأسباب اقتصادية، والمهاجرون العاديون، إلخ. وعلى الرغم من اقتراب دحض الفكرة التي تصوّرالمهاجرين على أنهم من المرتزقة التي تعمل على قمع 'الغالبية الشيعة'، فإن معظم المهاجرين إلى البحرين على مدى القرن الماضي لا يمكن اعتبارهم بصفة جلية من السنّة المتعصبين الذين يسعون للقضاء على الشيعة في البلاد. فهم في الحقيقة إما من المهزومين سياسياً أو المضطهدين اقتصادياً يأتون من جميع أنحاء العالم كالفلبين وكردستان وإريتريا والسودان وتركيا وأوروبا الغربية والولايات المتحدة، وخلال القرن الماضي، لقد جاءوا بصفة مطردة من الهند وبنغلاديش وباكستان وسيريلانكا وبلوشستان ومن جميع أنحاء الشرق الأوسط. إن الهجرة من الشرق الأوسط تدعونا إلى لحظة تأمّل نحن في أمسّ الحاجة لها باعتبار أن المهاجرين الفلسطينيين والسوريين إلي البحرين تبين بوضوح أن سياسة الهجرة في البحرين لا يقصد بها تغيير الوضع السكاني على أرض الواقع. وقد اعترفت الحكومة البحرينية (والمشار إليه أعلاه) أن البحرينيين من الشيعة والسنة هم الأقلية في البلاد ولكن صممت بطريقة لتوفير اللامان السياسية والفرص الاقتصادية للذين هم في أمسّ الحاجة إليها. لنتأمّل ملياّ تجنيس البحرين لعدد كبير من الفلسطينيين في أعقاب الصراع العربي الإسرائيلي عام 1967، ومرة أخرى خلال الانتفاضة الأولى في عام 1987 وسنلاحظ أن البحرين لم تحاول إحداث خلل ديمغرافي وهمي حيث لم يذكر قيام البحرين بذلك في أية وثيقة سياسية وكذلك يستحيل القول بأن قادة البحرين قد فكروا في هذا الاحتمال على الإطلاق. وعلى العكس من ذلك تماماً تفاعلت البحرين مع الأزمة الإنسانية التي واجهها الفلسطينيون وأولت القضية الفلسطينية اهتماماً بالغاً في المحافل الدولية وفي المجتمع الدولي. بينما ترى جمعية الوفاق الوطني الإسلامية والكتل السياسية الشيعية الأخرى أن حكومة البحرين تتعمّد استقطاب المهاجرين من «المسلمين السنة» في البحرين لتشكيل أغلبية في الهرم الديمغرافي دون ذكر الفلسطينيين بالاسم صراحة بل الحديث عن أنّ اغلب المهاجرين من»المسلمين السنة». وإنه سيكون من غير المعقول تماماً لجمعية الوفاق الوطني الإسلامية أن تطلب علانية بإرسال الفلسطينيين إلى فلسطين، ومن المفترض، أن العديد من أتباع الوفاق سيخالفونها الرأي في هذه النقطة. لذلك وبدلاً من الترحيب باستقبال البحرين للفلسطينيين وعملت لفائدتهم بمنحهم الجنسية البحرينية، فإن جمعية الوفاق الوطني الإسلامية تحطّ من حجم القضية الفلسطينية في نطاق هجومها الشامل على القيادة في البحرين.
ونفس الشيء يمكن أن يقال عن السوريين الذين قد يتدفقون إلى المملكة منذ عام 1981 في أعقاب تدمير حافظ الأسد لمدينة حماة في سعى لوضع حد لأشهر عديدة من هجوم «جماعة الإخوان المسلمين» العنيف ضد الدولة. وقد كان معظم، أن لم يكن كل، اللاجئين السوريين الذين تمتعوا أولاً بحق اللجوء في البحرين ثمّ بحقّ التجنيس، الجنسية السورية اللاجئين التي منحت حق اللجوء في البحرين من المدنيين المحاصرين في حرب وحشية. فلم يدعموا لا من قريب ولا من بعيد كانوا نوعاً من الطائفية في المطلق. ولم يكن السوريون قد قدموا إلى البحرين بناء على طلب الحكومة. بدلاً من ذلك كانوا لاجئين يبحثون عن الراحة والآفاق الاقتصادية. وما فتئ نمط مماثل ينكشف منذ منتصف آذار/مارس 2011 عندما تتحول مظاهرات الإصلاح السياسي في سوريا إلى حرب أهلية. وقد ساعدت البحرين عدة مئات من الناس للاستقرار في المملكة بقطع النظر عن كونهم من «المسلمين السنة» أو لا.
وسواء نوقشت قضية الفلسطينيين أو السوريين أو غيرهم فانّ جمعية الوفاق الوطني الإسلامية ومن لفّ لفّها لا تري سوي الوجه القاتم للطائفية ويصبح كل ّ قرار بالنّسبة إلي أعضائها - مهما كان حجمه- موجّه ضدهم. إن هذا السّلوك أقوى بقليل من حالة المرض الاجتماعي sociopathology، إنه مرض صعب العلاج. ويحتاج مرض العصاب الجماعي هذا إلى أن يكشف أمام الملأ لتوضيح الرّؤية لمن استعصي عليه الفهم حيث إن ليس من الحكمة أن يقع ببساطة ترويج أخبار زائفة حول المسألة الديمغرافية دون ردع، بل وجب أن يتم طعن في هذه الحجج علناً ليس من قبل البحرين كدولة، وإنّما من قبل النّاس الذين يعيشون داخلها و الذين وجدوا المأوى والسلامة والأمن داخلها، الذين اعتبروا المملكة أرضهم بينما نعتتهم جمعية الوفاق الوطني الإسلامية بالغرباء والمرتزقة. والقصد من هذا التحليل الكشف عن تسييس مسألة التركيبة السكانية في البحرين من قبل جمعية الوفاق الوطني الإسلامية ولتوضيح مسألة التنوع في البحرين. إن البحرين ليست ببساطة مسرحاً لمنافسة يقصد منها هيمنة السنة أوالشيعة على الأجهزة السياسية والاقتصادية للدولة ولكن البحرين كذلك بلد لهويات أخرى لا يقلّون وطنيّة وحقوقاً وواجبات عن البحرينيين السنّة والشيعة. وعلى الرغم من التلاعب بالتركيبة السكانية لمحاولة تأكيد عدم شرعيّة سياسة الهجرة في البحرين، ومن ورائها عدم شرعيّة الحكومة ، تبقي البحرين مجتمعاً نابضاً بالحياة حيث يستمتع أغلبية المواطنين والمقيمين من جميع الأعراق والديانات واللغات ، والجماعات الاجتماعية والسياسية بحرية التعبير و التّجمّع ، والعبادة، وتنظيم الرابطات.
وأخيراً، فمن المهم أن نلاحظ أن معدل الهجرة إلى خارج البحرين منخفض جداً. فًالبحرينيون لا يميلون إلى مغادرة بلدهم. وخلافاً للفلسطينيين أو السوريين، فالبحرين ليس بلداً يهجره مواطنوه – شيعة كانوا أم سنة – نتيجة شعورهم باليأس ومحاولتهم تغيير الأجواء وبدء حياة جديدة في بلد آخر. وبدلاً من ذلك، ولا أعلم إن كان للأفضل أو للأسوأ، فإن البحرينيين يفضلون البقاء في البحرين.