واشنطن - (رويترز): يرى خبراء أن جيش رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الذي تداعى أمام هجوم مقاتلين من فصائل عراقية مناهضة له، قوة جوفاء، يعصف بها الفساد وضعف القيادة والانقسامات الطائفية، وشتان بينه وبين الجيش الذي كانت واشنطن ترجو أن تترك له مهمة حماية البلاد. وقامت الولايات المتحدة بتسريح جيش صدام حسين بعد أن غزت قواتها العراق عام 2003 وأنفقت 20 مليار دولار لبناء قوة جديدة قوامها 800 ألف جندي وعولت على قدرتها على الحفاظ على السلم عند انسحاب القوات الأمريكية عام 2011.
وأدى قرار تسريح الجيش العراقي عام 2003 إلى حرب أهلية لكن كان الرأي أن القوات الحكومية تتمتع بالكفاءة بصفة عامة بحلول عام 2011، وكانت حدة القتال الطائفي قد خفت ما منح الرئيس الأمريكي باراك أوباما الثقة باتخاذ قرار سحب القوات الأمريكية كلها. غير أن ضابطاً في الجيش العراقي في محافظة الأنبار السنية التي ظلت أجزاء منها خارج السيطرة الحكومية منذ أكثر من 6 أشهر قال إن الفساد استنزف الأموال المخصصة لجرايات الجنود ولصيانة العربات وللوقود.
وأضاف أن المناصب العسكرية العليا كثيراً ما تعرض للبيع وأن الجنود يلجئون للأسواق المحلية لشراء قطع الغيار لأن المخازن الحكومية خاوية. وقال اللفتنانت جنرال المتقاعد جيم دوبيك الذي قاد مساعي الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي لتدريب القوات العراقية عامي2007 و2008 إن جيش المالكي اصطبغ بدرجة كبيرة بصبغة سياسية في ظل رئيس وزراء شيعي.
وأضاف دوبيك الذي يعمل الآن باحثاً بمعهد دراسة الحرب في واشنطن «تآكلت القيادة، إذا كنت مقاتلاً وكنت تعتقد أن فريقك سيخسر فأنت لا تحارب حتى آخر رجل، بل تنقذ نفسك».
وقال مسؤول أمريكي سابق في العراق إن سوء معاملة الجنود من جانب رؤسائهم كان له دور في هروب جماعي من الخدمة. وتابع «ضعفت الروح المعنوية لدى هؤلاء الأفراد وهذه الوحدات، فهم يتقاضون أجوراً زهيدة ويستنزفهم ضباطهم الذين يسرقون مخصصاتهم ويستغلون مناصبهم القيادية كوسيلة لتكوين ثروة شخصية».
وقال المسؤول السابق إنه باستثناء عدد قليل من الوحدات مثل القوات الخاصة التي تحملت العبء الأكبر في القتال فإن «الجيش أجوف».
وكان أداء القوات الحكومية أبعد ما يكون عن الأداء المثالي حتى قبل انسحاب القوات الأمريكية.
ولم يستطع الجيش الأمريكي حل مشاكل متجذرة مثل الاحتيال في التعاقدات العسكرية والابتزاز في نقاط التفتيش والسيطرة وملء قوائم الأجور بجنود لا وجود لهم بل كان يتجاهلها في بعض الأحيان.
وبدأ الانهيار الأسبوع الماضي من القمة عندما هجرت القيادات العليا مواقعها في الساعات الأولى من صباح الثلاثاء الماضي مع هجمات كاسحة لمقاتلين من فصائل عراقية مختلفة مناهضة لحكومة المالكي بينها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش»، حيث تمكنت تلك القوات من السيطرة على مدينة الموصل ثاني أكبر مدن العراق، خلال ساعات، وهرب قائد قوات المالكي في محافظة نينوى اللواء مهدي الغراوي. وقال مسؤول عراقي وخبير أمني غربي إن كلاً من قائد القوات البرية علي غيدان ونائب رئيس الأركان عبود قنبر ترك موقعه. وانهارت البنية العسكرية الكاملة التي استخدمتها الحكومة الشيعية في بغداد لحماية شمال البلاد وغربها أمام المقاتلين الذين يتقدمون منذ أسابيع على امتداد أراضي غرب العراق.
وقال الكولونيل ستيف وارن المتحدث باسم وزارة الدفاع في واشنطن»ما من شك أن هناك انهياراً بنيوياً في الموصل». وطوى تقدم المقاتلين مدناً مدينة تلو الأخرى ما سمح لهم بالاستيلاء على أسلحة ومعدات أخرى جانب كبير منها من الولايات المتحدة. وبعد يومين من سقوط الموصل نظم المقاتلون استعراضاً لعربات الهمفي الأمريكية.
وقال شهود عيان إنهم شاهدوا طائرتي هليكوبتر استولى عليهما المقاتلون تحلقان فوق المدينة. وأبدى الرئيس أوباما شعوره بالإحباط. ومن الممكن تتبع خيوط الانهيار العسكري إلى إخفاق المالكي في وقت سابق في صد المقاتلين في محافظة الأنبار الغربية التي أصبحت معقلاً للمتشددين ومسلحي العشائر مع احتدام القتال في سوريا. وتقول مصادر طبية عراقية إنه بعد استيلاء المقاتلين على الفلوجة ومناطق أخرى في الأنبار لقي نحو 6 آلاف جندي حتفهم هناك. ويقول دبلوماسيون أجانب يعملون في العراق إن 12 ألف جندي هربوا من الخدمة. ولم تتمكن القوات العراقية من استعادة الفلوجة أو استعادة السيطرة على مدينة الرمادي عاصمة المحافظة بالكامل.