قال علماء ودعاة إن «شهر رمضان المبارك أعظم مواسم التوبة والمغفرة وتكفير السيئات»، مشيرين إلى أن «العبد يجد فيه من العون ما لا يجده في غيره، ففرص الطاعة متوفرة، والقلوب على ربها مقبلة، وأبواب الجنة مفتحة، وأبواب النار مغلقة، ودواعي الشر مضيقة، والشياطين مصفدة، وكل ذلك مما يعين المرء على التوبة والرجوع إلى الله».واستشهد العلماء «بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي رواه الإمام مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر»»، موضحين أن «الله جعل صيام رمضان وقيامه وقيام ليلة القدر على وجه الخصوص إيماناً واحتساباً مكفراً لما تقدم من الذنوب».من جهته، قال الداعية الشيخ الحبيب علي الجفري إن «رمضان شهر المغفرة والرحمة، ومن لم تغفر ذنوبه في ذلك الشهر الكريم، فمتى تغفر له؟!»، لافتاً إلى أن «المحروم هو من يضيع هذه الفرصة، ويدرك هذا الشهر ولم يغفر له، فيستحق الذل والإبعاد بدعاء جبريل عليه السلام وتأمين النبي صلى الله عليه وسلم، حين قال جبريل: «يا محمد، من أدرك شهر رمضان فمات، ولم يغفر له، فأدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقال: آمين»، وقال صلى الله عليه وسلم: «رغم أنف رجل دخل عليه رمضان، ثم انسلخ قبل أن يغفر له»».وأضاف أنه «إذا كان الله عز وجل قد دعا عباده إلى التوبة الصادقة النصوح في كل زمان، فإن التوبة في رمضان أولى وآكد، لأنه شهر تسكب فيه العبرات، وتقال فيه العثرات، وتعتق فيه الرقاب من النار، ومن لم يتب في رمضان فمتى يتوب؟!». وذكر أنه «من أعظم نعم الله على عباده أن فتح لهم باب التوبة والإنابة، وجعل لهم فيه ملاذاً أميناً، وملجأً حصيناً، يلجه المذنب، معترفاً بذنبه، مؤملاً في ربه، نادماً على فعله، ليجد في قربه من ربه ما يزيل عنه وحشة الذنب، وينير له ظلام القلب، وتتحول حياته من شقاء المعصية وشؤمها، إلى نور الطاعة وبركتها، يقول الرسول الكريم «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه»، وفي حديث آخر، «يغفر الله لمن صام وقام رمضان إلا أربعة، مدمن الخمر، وعاق والديه، والمقاطع للرحم، والمشاحن الذي قلبه يحمل البغضاء».من جانبه، قال الداعية الدكتور أنس نصار إن «المسلم يطلب المغفرة من الله ويرجوها رجاء حثيثاً لذنوب ألمت به أو آثام تورط بها، وهذه المغفرة موجودة ومتاحة لأي أحد، إذا هو أتى بأسبابها وتحقق بشروطها، كما قال سبحانه وتعالى «وأني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى»، فقد دعا الله عباده إلى التوبة مهما عظمت ذنوبهم وجلت سيئاتهم، وأمرهم بها ورغبهم فيها، ووعدهم بقبول توبتهم، وتبديل سيئاتهم حسنات رحمة ولطفاً منه بالعباد».وأوضح أن «النبي صلى الله عليه وسلم بين لنا كيف نتحصل على المغفرة والتوبة في شهر رمضان الكريم، فهو أعظم مواسم التوبة والمغفرة، والمحروم هو من يحرم من التوبة والمغفرة في ذلك الشهر المبارك، ومنزلة التوبة هي أول المنازل وأوسطها وآخرها، لا يفارقها العبد ولا ينفك عنها حتى الممات، وإن ارتحل إلى منزل آخر ارتحل بها واستصحبها معه، فهي بداية العبد ونهايته، ولذا خاطب الله بها أهل الإيمان وخيار خلقه، وأمرهم أن يتوبوا إليه بعد إيمانهم وصبرهم وجهادهم، وعلق الفلاح بها، فقال سبحانه: «وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون»، وقسم العباد إلى تائب وظالم، قال سبحانه: «ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون»، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها»».وذكر أن «الرسول صلى الله عليه وسلم لخص أسباب التوبة والمغفرة في رمضان بأن يصوم ويقوم المؤمن شهر رمضان إيماناً واحتساباً، والإيمان هو أن تصوم رمضان وتقومه، تصديقاً بالثواب والأجر الذي أعده الله للصائم، وثواب الصائم هو مثلما قال الرسول في حديثه: «كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به»، مضيفاً أن «المقصود بالاحتساب هو ادخار الأجر والثواب عند المولى عز وجل وحده، فالصيام عبادة الإخلاص، لأنها بين العبد وربه ولا يعلمها إلا الله».وفي هذا الصدد، قال الأمام ابن القيم رحمه الله: «فإن كل عمل لابد له من مبدأ وغاية، فلا يكون العمل طاعةً وقربةً حتى يكون مصدره عن الإيمان، فيكون الباعث عليه هو الإيمان المحض، لا العادة والهوى ولا طلب المحمدة والجاه وغير ذلك، بل لابد أن يكون مبدؤه محض الإيمان، وغايته ثواب الله تعالى، وابتغاء مرضاته، وهو الاحتساب». ودعا د.نصار «المسلمين إلى التخفيف من الأوزار والإقلاع عن المعاصي والموبقات، والتوبة الصادقة، وأن يجعلوا من رمضان موسما لتقييم الأعمال وتصحيح المسيرات، ومحاسبة الأنفس، فإن وجدنا خيراً حمدنا الله وازددنا منه، وإن وجدنا غير ذلك تبنا إلى الله واستغفرنا منه، وأكثرنا من عمل الصالحات».من جهته، شدد الداعية الشيخ محمد حسان على أن «التوبة الصادقة تمحو الخطايا والسيئات مهما عظمت، حتى الكفر والشرك، فإن الله تبارك وتعالى لا يتعاظمه ذنب أن يغفره، قال سبحانه: «قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين»، وقال سبحانه أيضاً: «أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم»، وفي الحديث القدسي يقول الله عز وجل: «يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم»، وفي حديث آخر: «يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني، غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً، لأتيتك بقرابها مغفرة»».وذكر الشيخ حسان أن «الشرع حدد للتوبة 6 شروط، لابد من توفرها، لكي تكون صحيحة مقبولة، أولها، أن تكون خالصة لله تعالى، وأن تكون في زمن الإمكان، أي قبل أن تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت الشمس من مغربها لم تنفع معها التوبة، قال تعالى: «يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً»، وقبل أن تبلغ الروح الحلقوم، فإن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر، كما أخبر بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم»».وأضاف الشيخ حسان أن «ثالث تلك الشروط، الإقلاع عن الذنب، فلا يصح أن يدعي العبد التوبة، وهو مقيم على المعصية، أما رابعها، فهو الندم على ما كان منه، والندم ركن التوبة الأعظم، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الندم توبة»».وأوضح أن «العزم على عدم العودة إلى الذنب في المستقبل، هو خامس تلك الشروط»، مضيفاً أن «سادسها هو رد الحقوق إلى أصحابها والتحلل منهم، إن كان الذنب مما يتعلق بحقوق المخلوقين».
970x90
970x90