كتبت - إيمان الخاجة: تحتفل الجمعية العامة للأمم المتحدة ومنظمة الأمم المتحدة للنساء في 23 يونيو باليوم العالمي للأرامل، اعترافاً وتقديراً بهن وللفت الأنظار إلى واقع الأرامل وأطفالهن، وسعياً لتخفيف المعاناة التي تواجهها الأرملة فور وفاة زوجها، وحرصاً على تقديم المعونة للنساء ليواجهن الفقر ولكي يتمتعن بحقوقهن الاجتماعية الأساسية. ومن بين قرابة 245 مليون أرملة في العالم أولت المؤسسة الخيرية الملكية اهتماماً كبيراً لأرامل البحرين، انطلاقاً من توجيهات حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى الرئيس الفخري للمؤسسة الخيرية الملكية، وبقيادة رئيس مجلس أمناء المؤسسة الخيرية الملكية سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة، عبر تقديم مختلف أنواع الرعاية الشاملة لها ولأبنائها، لتكون سنداً يعينها على تربيتهم التربية الحسنة وتدفع بهم للنجاح والتفوق واعتلاء المناصب القيادية ليساهمن في خدمة وطنهم.ومازالت المؤسسة الخيرية الملكية تهتم بحولي 6 آلاف امرأة فقدت زوجها، لكن هؤلاء النسوة واجهن مختلف التحديات وتخطين وعورة الطرق وتشبثن ببصيص الأمل وشعاع النور ليتغلبن على كل الصعاب والمتاعب التي تواجههن، وليحققن إنجازات يفخرن بها هن وأبنائهن. من بين تلك القصص تبرز حكاية فوزية المقوية التي وجدت نفسها فجأة في طريق لا تعرف مسالكه، توفي زوجها دون سابق إنذار، فبقيت وحيدة تعيل أبناءها وتتخطى عقبات الحياة من بعده، امتهنت صناعة البهارات المنزلية لتكون مصدر الرزق الوحيد الذي تصرف من خلاله على أبنائها ووالدتها التي تسكن معها وأحفادها، فلم تجد إلا الصبر والتفاؤل تسير بهم في مشوارها وهي موقنة أنها ستتخطى الظلمات وستعيد النور إلى داخل منزلها من جديد.تقول فوزية: إن تاريخ 7 أبريل 2006 كان التاريخ الذي غيّر مجرى حياتي، في هذا اليوم توفي زوجي ليتركني وحيدة أواجه الحياة وصعوباتها، وأتحمل كل المسؤولية لأبنائي الذين كانوا في أعمار مختلفة ويحتاجون إلى وجود الأب، أكبر أبنائي علي وهو خريج المرحلة الثانوية وكان للتو يعمل، محمد وجاسم كانا في المرحلة الثانوية، عبدالله في المرحلة الإعدادية وإبراهيم في المرحلة الابتدائية، أما البنات فكانت أروى تبلغ من العمر 5 سنوات ونسيبة 3 سنوات.وتضيف: جلست حائرة أفكر في حالي وحال أبنائي، فزوجي رحمه الله كان يحمل كل الأعباء عني، يتحمل التوصيل إلى المدارس والمستشفيات والزيارات، يحمل عبء تصليحات المنزل وأمور الأسرة، يلبي طلباتنا ويوفر لنا ما نحتاجه، وأنا رغم حصولي على رخصة السياقة إلا أنني كنت ومازلت لا أسوق السيارة بسبب عدم امتلاكي لسيارة خاصة، وبين هذا الوضع الجديد وظروف الحياة وراتب زوجي التقاعدي البسيط أجبرت نفسي على النهوض لتبديد الحزن والأسى، وأرغمتها على الوقوف لمواجهة الحياة ومواصلة المشوار مع أبنائي رغم كل ما يحيط بنا، فقمت ببيع السيارة الوحيدة التي نملكها وهي سيارة زوجي القديمة بمبلغ 170 ديناراً، واشتركت في جمعية لأستفيد من المبلغ في النهاية لتصليح المنزل.وتتابع فوزية: بعد كل الحيرة والألم الذي سكن قلبي جلست أبحث عن طريقة للصرف على أبنائي، إذ لم يكن لدينا ما نصرف منه، كان الراتب التقاعدي لزوجي ضعيفاً ولا يكاد يلبي حتى مستلزمات المدرسة، فكرت وفكرت وفكرت، ودارت في أعماق عقلي فكرة البحث عن عمل أو القيام بمهنة أسترزق من خلالها وأرعى أسرتي وألبي لهم طلباتهم ومستلزماتهم، فلم أجد غير حرفة صنع البهارات التي أجيدها وأعرف طريقتها، وبدأت بتطوير مهارتي فيها وإضافة بعض الأصناف لبيعها، والحمدلله أقوم حالياً بعمل كل أنواع البهارات في المنزل بعد غسلها وتنظيفها ووضعها في علب، ومن البهارات التي أصنعها البزار البحريني الطبيعي الأصيل، إلى جانب البهارات الثانوية من الدقوس والكركم والسنوت والجلجلان والفلفل الأسود والزنجبيل، بعدها ابتكرت خلطات جديدة مثل كاري ماسلا، خلطة الكباب، خلطة البروستد، بهارات خاصة للدجاج والشاورما وأخرى للتندوريوالجاينيز، وفي كل مرة أقوم فيها بخلطة جديدة لابد أن أقوم بتجربتها في المنزل وتذوقها لاختبار لذتها قبل عرضها ضمن المنتجات، والحمد لله أقوم الآن بعمل خلطات مختلفة والإبداع فيها وإدخالها ضمن منتجاتي، وقطعت مشواراً طويلاً في هذه المهنة، ولي زبائني حتى من خارج البحرين، ورغم هذا النجاح الذي حققته إلا أن هناك مشكلة تعيق عملي هذا وهي ارتفاع الأسعار وزيادة كلفة مستلزمات البهارات والخلطات والعلب وحاجتها إلى ميزانية خاصة، مما يؤثر على ربحي ومصدر رزقي، إذا لا يمكنني بيع البهارات بسعر غال. وتضيف: مضت بنا الأيام بحلوها ومرها، وسابقت مع أبنائي الزمن، انقضت الليالي وتبدل الليل إلى نهار، كبر الصغار وتزوج كل من علي ومحمد، علي لديه الآن 3 أولاد ومحمد لديه ولد وبنت، جاسم وعبدالله تخرجوا وهم الآن دون عمل، أما إبراهيم فمازال يدرس، وابنتي أروى في الصف الثاني إعدادي، ونسيبة في السادس، جميعنا نسكن في منزل واحد، معنا والدتي الكبيرة في السن والتي تحتاج إلى رعاية واهتمام ولا تملك ما تصرف به على نفسها، فأصبحنا 17 شخصاً نسكن في منزلنا المتواضع ونعيش جميعاً على راتب واحد، ولا يهمني ذلك، إذ يكفيني أن الجميع بصحة وخير، وكل ما أطمح له هو مستقبل أبنائي وحصولهم على حياة كريمة، أهتم بدراستهم وخصوصاً ابنتي نسيبة وأروى اللواتي مازالتا في سن المدرسة، وفرت لهن سيارة لتقلهن إلى المدرسة، وألحقت أروى في إحدى معاهد التقوية ثم قمت بإخراجها منها لعدم حصولها على الاستفادة الكبيرة، و ما نصرفه على المعهد سنحتاجه له في أمر أهم، أما نسيبة فأخذتها إلى معلمة خاصة تشرح لها الدروس وتوضح لها الكثير من الأمور وهي على تواصل دائم معي حول مستواها الدراسي، كل ما أريده هو أن تتأسس أروى ونسيبة في دراستهما بشكل صحيح حتى يتمكنا من الاعتماد على أنفسهما لاحقاً، وألا تخسرا دراستهما مهما كانت الظروف. وتعود فوزية لتقول: حالياً أدرس تجويد القرآن الكريم، وكرّست نفسي للعمل الخيري التطوعي، لأن الله سبحانه وتعالى بارك لنا في أنفسنا وعلينا أن نعمل الخير قدر المستطاع، وعلى الإنسان ألا يستسلم وهذه هي الحياة بها حياة وبها ممات ولا اعتراض على حكمته، وما مررنا به ونمر به قضاء وقدر فله الحمد والشكر على نعمته.