قالت محكمة الاستئناف العليا المدنية إن اشتغال ما يسمى بـ«المجلس العلمائي» بالعمل السياسي يجعل وزير «العدل» صاحب صفة في طلب حله، مشيرة إلى أنه لا يجوز أن يكون عدم اتباع المؤسسين الإجراءات المقررة قانوناً لتأسيس الجمعية وسيلة للإفلات من تطبيق القانون على نشاطها.
وأوضحت المحكمة، في نص حكم الاستئناف بتأييد حل ما يسمى «المجلس العلمائي» وتصفية أمواله الذي نشرته وزارة العدل أمس، أن «اشتغال ما يسمى بـ«المجلس العلمائي» بالعمل السياسي تمثل في دعمه للجمعيات السياسية كجمعية الوفاق الوطني الإسلامية وجمعية العمل الإسلامي (أمل) المنحلة بموجب حكم قضائي، ودعوات بعض أعضائه إلى مقاطعة الانتخابات النيابية، وأن ذلك يدخل المجلس في مفهوم الجمعيات السياسية وفقاً للمعيار الموضوعي الذى اعتنقه المشرع في تعريف الجمعية السياسية»، مضيفة «وهو ما يغدو معه وزير العدل صاحب صفة في طلب حله وفقاً لحكم المادة (23) من القانون رقم (26) لسنة 2005».
وأشارت إلى أن «الجمعية السياسية وفقاً لهذا المعيارهي الجمعية التي تمارس النشاط السياسي ولو لم يتبع في تأسيسها الإجراءات المقررة قانوناً، فاتباع الإجراءات المقررة قانوناً لتأسيس الجمعية هي وسيلة الجمعية لاكتساب الشخصية المعنوية (الأهلية القانونية للشخص الاعتباري) وليست وسيلة لوجودها الفعلي».
وذكرت أن «جهاز قضايا الدولة هو الذي ينوب عن الدولة بكافة شخصياتها الاعتبارية العامة فيما يرفع منها أو عليها من قضايا لدى المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وأن عدم صدور مرسوم بتنظيم هذا الجهاز لا يحول دون تمثيله للدولة وأداء دوره المنوط به قانوناً، إذ إن جهاز قضايا الدولة أنشئ بموجب المرسوم بقانون رقم 34 لسنة 2010 المشار إليه، كما لا يلزم توقيع ممثل جهاز قضايا الدولة على لائحة الدعوى، لأن النيابة هنا قانونية مقررة بموجب نص قانوني، فضلاً عما هو مقرر من أنه ليس للخصوم التدخل في علاقة الوكيل بموكله إلا إذا نازع الأخير في وجود هذه الوكالة أو في حدودها».
وأوضحت المحكمة فيما يتعلق بمخالفة قانون الرسوم والخطأ في تطبيقه، أن المستأنفين لم يطلبوا تعديل قيمة الرسم ضمن طلباتهم وكان هذا الدفع منهم للنيل من سلامة الحكم المستأنف فإن الخطأ في تقدير قيمة الرسم لا يؤثر على صحة إجراءات الدعوى والحكم الصادر فيها.
وأكدت أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تحصيل واقع الدعوى وتقدير المستندات المقدمة لها والأخذ بما تطمئن إليه من الأدلة المقدمة لها وإطراح ماعداها دون أن تكون ملزمة بتتبع كل حجة يدلي بها الخصوم والرد عليها استقلالاً وحسبها في ذلك أن يكون استخلاصها سائغاً وتقديرها مقبولاً.
وقضت محكمة الاستئناف العليا المدنية في نهاية حيثيات القضية بحل وتصفية أموال ما يسمى بـ«المجلس العلمائي»، الأمر الذي يكون معه الحكم المستأنف قد أصاب محجة الصواب في قضائه لما قام عليه من أسباب تتفق مع ما سلف، وهو ما تقضي معه المحكمة بتأييده لأسبابه، وما تقدم من أسباب ويضحي الاستئناف الماثل غير قائم على سند من الواقع والقانون متعيناً القضاء برفضه وتأييد الحكم المستأنف ولا ينال من ذلك ما أثاره المستأنفون من أن المجلس العلمائي لا يعد جمعية سياسية ولم يتم تأسيسه وفقاً لأحكام القانون رقم 26 لسنة 2005.
وفيما يلي نص حكم محكمة الاستئناف:
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة والمداولة قانوناً.
حيث إن واقعات الدعوى المستأنفة ومستنداتها سبق وأحاط بها الحكم المستأنف فإليه تحيل المحكمة بيد أن نوجز ما حصل بما يكفي لحمل هذا الحكم في أن المستأنف ضده في كلا الاستئنافين أقام الدعوى رقم 11803/2013 بموجب لائحة قيدت بتاريخ 16/9/2013 طلب في ختامها الحكم بوقف كافة أنشطة ما يسمى بالمجلس الإسلامي العلمائي وتصفية أمواله وغلق مقره مع إلزام المستأنفين في كلا الاستئنافين بالرسوم والمصروفات.
وذلك على سند من القول إنه دون سند من الدستور أو القانون، وبالمخالفة لهما، تأسس ما يسمى «المجلس الإسلامي العلمائي»، وأنه بصرف النظر عما يسبغ عليه المؤسسون من أوصاف من أن نشاطه نشاط ديني، فإن هذا الوصف لا يتفق وحقيقة المقصود من وجوده وهو ممارسة النشاط السياسي بغطاء ديني طائفي في شكل مؤسسي (جمعية سياسية) بمسمى ديني «المجلس الإسلامي العلمائي»، حيث يباشر هذا المجلس بهذا الوصف نشاطه بالبحرين، الأمر الذى حدا به إلى إقامة دعواه بغية الحكم له بما سلف بيانه من طلبات.
وبجلسة 29/1/2014 قضت محكمة أول درجة بحل المجلس الإسلامي العلمائي وما يترتب على ذلك من آثار أخصها تصفية أمواله، وألزمت المدعى عليهم المصروفات.
وإذ لم يلقَ هذا القضاء قبولاً لدى المستأنفين في الاستئناف الأول فقد طعنوا عليه بالاستئناف المشار إليه برقم 1026 /2014 بموجب لائحة قيدت بتاريخ 12/3/2014 ابتغاء الحكم بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضي به من حل المجلس الإسلامي العلمائي والقضاء مجدداً بعدم قبول الدعوى لانعدام الصفة الموضوعية والإجرائية فيها وإلزام المستأنف ضده الرسوم والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن درجتي التقاضي.
وطعن المستأنف في الاستئناف الآخر (منير عبد الرسول رضي) على ذلك الحكم بالاستئناف رقم 1063 /2014 بموجب لائحة قيدت بتاريخ 13/3/2014 ابتغاء الحكم بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف والقضاء مجدداً برفض الدعوى وإلزام المستأنف ضده الرسوم والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن درجتي التقاضي.
وساق المستأنفون في الاستئناف الأول أسباباً لاستئنافهم حاصلها: أولاً: مخالفة الحكم المستأنف للقانون والخطأ في تطبيقه وذلك من عدة وجوه -1 إن الحكم المستأنف خالف القانون – في مجال الرد على دفع المستأنفين بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة بالنسبة لوزير العدل تأسيساً على أن المجلس الإسلامي العلمائي ليس جمعية سياسية، وأن اختصاص وزير العدل يقتصر على ما يتعلق بشؤون الجمعيات السياسية – وذلك باعتباره المجلس المذكور جمعية سياسية رغم انتفاء أهم عنصر يميز الجمعيات السياسية في ذلك المجلس وهو ممارسة السياسة بغرض الوصول للسلطة وفقاً لحكم المادة الثانية من القانون رقم 26 لسنة 2005 بشأن الجمعيات السياسية.
-2 إن الحكم المستأنف رفض الدفع بعدم قبول الدعوى لانعدام صفة المدعى عليهم رغم أن الدعوى تتعلق برابطة قانونية موضوعية واحدة متعددة الأطراف تتمثل في المجلس الإسلامي العلمائي بما يعني أن التعدد في الدعوى بالنسبة للمدعى عليهم هو تعدد إجباري فلا تتوافر الصفة بالنسبة لهم إلا باختصامهم جميعاً أي اختصام جميع المنتسبين للمجلس الإسلامي العلمائي.
-3 إن الحكم المستأنف رفض الدفع بانعدام الصفة الإجرائية لممثل جهاز قضايا الدولة في تمثيل وزير العدل وذلك رغم أن جهاز قضايا الدولة ليس له شخصية معنوية ولم يصدر مرسوم بإنشائه، كما أن التوقيع المذيل على صحيفة الدعوى لا يستدل منه على أن صاحبه يمثل جهاز قضايا الدولة .
ثانياً: الفساد في الاستدلال: حيث إن الحكم المستأنف تساند إلى مستندات لم تتضمن ما يفيد أن من أهداف المجلس الإسلامي العلمائي الوصول إلى السلطة وممارستها وهوما ينفي عنه وصف الجمعية السياسية، كما أن الحكم المستأنف استند إلى تصريحات منسوبة للمستأنف الثالث لإثبات صفة الجمعية السياسية للمجلس المذكور رغم أن هذه التصريحات مجتزأة وأن سياق الحديث كاملاً لا يفيد اشتغال المجلس بالسياسة بالمعنى القانوني، فضلاً عن أن الحكم المستأنف استند إلى القرص المدمج المقدم من المستأنف ضده رغم أنهم لم يتسلموا نسخة من ذلك القرص.
ثالثاً: مخالفة قانون الرسوم والخطأ في تطبيقه وذلك تأسيساً على أن الطلبات في الدعوى المستأنفة اقتصرت على طلب وقف كافة أنشطة المجلس العلمائي وتصفية أمواله وغلق مقره وهو طلب غير محدد القيمة يستحق عنه رسم ثابت قدره -/32 ديناراً ورغم ذلك فإن محكمة أول درجة قدرت الرسوم بمبلغ 302 بالمخالفة للقانون.
وساق المستأنف في الاستئناف الآخر أسباباً لاستئنافه حاصلها مخالفة الحكم المستأنف لنصوص قانون الجمعيات الذي جعل ممارسة المحكمة الكبرى المدنية للسلطة المخولة لها في حل الجمعيات السياسية يتطلب وجود هذه الجمعية بمفهومها المحدد بنص المادة الثانية من قانون الجمعيات السياسية المشار إليه وهو ما لا ينطبق على المجلس العلمائي الذي لا يعد جمعية سياسية ولم يتم تأسيسه وفقاً لأحكام القانون رقم 26 لسنة 2005 ، فضلاً عن أن المستأنف ضده لم يقدم من المستندات ما يفيد ممارسة المجلس المذكور للعمل السياسي.
وحيث إن المحكمة نظرت الاستئنافين – بعد ضمهما- على النحو المبين بمحاضر جلساتها، حيث حضر المستأنفون في كلا الاستئنافين كل بوكيله وصمموا على طلباتهم، كما حضر ممثل المستأنف ضده وقدم مذكرة دفاع طلب في ختامها الحكم برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف، وبجلسة14/4/2014 قررت المحكمة حجز الاستئناف للحكم بجلسة اليوم وصرحت بتقديم مذكرات في ثلاثين يوماً والمدة مناصفة تبدأ بالمستأنفين، وفي الأجل المحدد أودع المستأنفون مذكرة دفاع صمموا فيها على الطلبات الواردة بلائحة الاستئناف.
ومن حيث إنه عن شكل الاستئنافين وإذ استوفيا سائر أوضاعهما الشكلية فإنهما يكونان مقبولين شكلاً.
وحيث إنه عن الموضوع فإن دستور مملكة البحرين ينص فى المادة (27) منه على أن «حرية تكوين الجمعيات والنقابات، على أسس وطنية ولأهداف مشروعة وبوسائل سلمية، مكفولة وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، بشرط عدم المساس بأسس الدين والنظام العام ...................
وحيث إن القانون رقم 26 لسنة 2005 في الجمعيات السياسية ينص في مادته الأولى على أنه «للمواطنين - رجالاً ونساءً - حق تكوين الجمعيات السياسية، ولكل منهم الحق في الانضمام لأي منها، وذلك طبقاً لأحكام هذا القانون».
وينص في المادة الثانية منه على أنه «يُقصد بالجمعية السياسية كل جماعة منظمة، تؤسس طبقاً لأحكام هذا القانون، وتقوم على مبادئ وأهداف مشتركة، وتعمل بصورة علنية بوسائل سياسية ديمقراطية مشروعة، بقصد المشاركة في الحياة السياسية، لتحقيق برامج محددة تتعلق بالشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية لمملكة البحرين.
ولا تعتبر جمعية سياسية كل جمعية أو جماعة تقوم على محض أغراض دينية أو علمية أو اجتماعية أو ثقافية أو رياضية أو مهنية».
وينص في المادة الرابعة منه على أنه « يشترط لتأسيس أية جمعية سياسية أو استمرارها ما يلي:
-1 أن يكون للجمعية نظام أساسي مكتوب موقع عليه من المؤسسين.
-2 ألا يقل عدد المؤسسين لأية جمعية عن خمسين عضواً.
-3 ألا تتعارض مبادئ الجمعية وأهدافها وبرامجها وسياساتها وأساليبها مع:
‌أ- مبادئ الشريعة الإسلامية باعتبارها مصدراً رئيسياً للتشريع.
‌ب- الثوابت الوطنية التي يقوم عليها نظام الحكم في مملكة البحرين.
-4 ألا تقوم الجمعية على أساس طبقي أو طائفي أو فئوي أو جغرافي أو مهني، أو على أساس التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أوالدين أوالعقيدة.
-5 ألا تهدف الجمعية إلى إقامة أية تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية أو تأخذ طابع التدريبات العنيفة التي تهدف إلى الإعداد القتالي، أوالتحريض على عداوة عرقية أو قومية أو دينية.
-6 ألا تكون الجمعية فرعاً لجمعية سياسية أو حزب سياسي أو أي تنظيم سياسي آخر في الخارج.
-7 ألا ترتبط الجمعية أو تتعاون مع أية أحزاب أو تنظيمات أو جماعات أو أفراد أو قوى سياسية تقوم على معاداة أومناهضة المبادئ أوالقواعـد أوالأحكام المنصوص عليها في الدستور أو المنصوص عليها في البند (3) من هذه المادة.
-8 أن يكون مقر الجمعية وفروعها داخل مملكة البحرين، وأن تمارس نشاطها في أراضي المملكة.
-9 أن تعلن الجمعية مبادئها وأهدافها وبرامجها ووسائلها وهياكلها التنظيمية ومصادر تمويلها».
وينص في المادة السادسة منه على أنه «يجب أن يشتمل النظام الأساسي للجمعية على القواعد التي تنظم كافة شؤونها السياسية والتنظيمية والمالية والإدارية بما يتفق وأحكام هذا القانون.
ويجب أن يتضمن هذا النظام بصفة خاصة ما يلي:
-1 اسم الجمعية وشعارها ، ....
-2 عنوان المقر الرئيسي للجمعية وعناوين مقارها الفرعية إن وجدت على أن تكون هذه المقار جميعها داخل المملكة ومعلنة ، ....
-3 المبادئ التي تقوم عليها الجمعية وبرامجها والأهداف التي تسعى إليها.
-4 النص على التقيد بالمبادئ والقواعد التالية في ممارسة نشاط الجمعية:
‌أ- أحكام ميثاق العمل الوطني ودستور مملكة البحرين واحترام سيادة القانون.
‌ب- مبدأ التعددية السياسية في الفكر والرأي والتنظيم.
‌ج- المحافظة على استقلال وأمن المملكة، وصون الوحدة الوطنية، ونبذ العنف بجميع أشكاله....
وينص فى المادة السابعة منه على أنه
«يجب تقديم طلب كتابي لتأسيس الجمعية السياسية إلى وزير العدل موقعاً من المؤسسين ومصدقاً على توقيعاتهم، ومرفقاً به جميع البيانات والوثائق المتعلقة بالجمعية، وبصفة خاصة ما يلي:
-1 ثلاث نسخ من النظام الأساسي للجمعية موقعة من جميع المؤسسين.
-2 قائمة بأسماء المؤسسين مع نسخة من بطاقاتهم السكانية.
-3 بيان أموال الجمعية ومصادرها والمصرف المودعة فيه إن وجدت.
-4 اسم من ينوب عن الجمعية في إجراءات تأسيسها. ......».
وينص فى المادة (11) منه على أن « تتمتع الجمعية السياسية بالشخصية الاعتبارية وتمارس نشاطها السياسي اعتباراً من اليوم التالي لنشر إعلان وزير العدل بالموافقة على تأسيسها أو في اليوم العاشر من تاريخ هذا الإعلان إذا لم يتم النشر ....... ولا يجوز للجمعية الإعلان عن نفسها، كما لا يجوز لمؤسسي الجمعية ممارسة أي نشاط سياسي أو إجراء أي تصرف باسم الجمعية إلا في الحدود اللازمة لتأسيسها، وذلك قبل التاريخ المحدد لتمتعها بالشخصية الاعتبارية طبقاً لأحكام الفقرة السابقة.
وينص في المادة (23) منه على أنه «يجوز لوزير العدل أن يطلب من المحكمة الكبرى المدنية الحكم بحل الجمعية وتصفية أموالها وتحديد الجهة التي تؤول إليها هذه الأموال، وذلك إذا ارتكبت مخالفة جسيمة لأحكام دستور المملكة أو هذا القانون أو أي قانون آخر من قوانينها ..................».
وحيث إن مفاد ما تقدم أن الدستورالبحرينى عنى بحق المواطنين فى تكوين الجمعيات - ومنها الجمعيات السياسية - على أسس وطنية ولأهداف مشروعة وبوسائل سلمية، وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون بشرط عدم المساس بأسس الدين والنظام العام، وذلك إيماناً بدور هذه الجمعيات في الحياة السياسية باعتبارها واسطة العقد بين الفرد والدولة، إذ هي الكفيلة بالارتقاء بشخصية الفرد بحسبانه القاعدة الأساسية في بناء المجتمع، عن طريق بث الوعي ونشر المعرفة والثقافة العامة، ومن ثم تربية المواطنين على ثقافة الديمقراطية والتوافق في إطار من حوار حر بناء، وتعبئة الجهود الفردية والجماعية لإحداث مزيد من التنمية الاجتماعية والاقتصادية معاً، والعمل بالوسائل المشروعة على ضمان الشفافية، والتأثير في السياسات العامة، وتعميق مفهوم التضامن الاجتماعي، ومساعدة الحكومة عن طريق الخبرات المبذولة، والمشروعات الطوعية على أداء أفضل الخدمات العامة، وإبراز دور القدوة، وبكل أولئك، تذيع المصداقية، وتتناغم قوى المجتمع الفاعلة، فتتلاحم على رفعة شأنه والنهوض به إلى آفاق التقدم، وانطلاقاً من هذا المفهوم ناط الدستور بالمشرع تنظيم هذا الحق بما يضمن عدم الانحراف في ممارسة النشاط السياسي عن الأهداف المرجوة من تكوين تلك الجمعيات، إذ من غير المقبول عقلاً ولا الجائز دستورياً أن تكون ممارسة هذا الحق طليقة من كل قيد، متحررة من كل ضابط، بل هي تفرض حتماً وتتطلب دوماً حدوداً تمنع الشطط في ممارسة العمل السياسي، أساس ذلك أنه لا يتقرر حق إلا بمقتضى قاعدة قانونية، تكفل تنظيمه وحمايته بما يضمن عدم المساس بأصل هذا الحق تقييداً أوانتقاصًا، ومن أخص الضوابط والإجراءات التي رسمها المشرع لتكوين الجمعيات السياسية، أن يُقدم طلب كتابي لتأسيس الجمعية السياسية إلى وزير العدل- باعتباره القوَام على تطبيق أحكام قانون الجمعيات السياسية ورقابة أداء تلك الجمعيات وتقويم اعوجاجها كلما نكلت عن طبيعة واجباتها إهمالًا أو انحرافًا - على أن يكون ذلك الطلب موقعاً من المؤسسين ومصدقاً على توقيعاتهم ومرفقاً به جميع البيانات والوثائق المتعلقة بالجمعية، والتي من أهمها أن يكون لها نظام مكتوب ومعلن وموقع عليه من المؤسسين، وأن يشتمل على القواعد التي تنظم كافة شؤونها السياسية والتنظيمية والمالية والإدارية بما يتفق وأحكام القانون، على أن يتضمن هذا النظام بصفة خاصة طريقة وإجراءات تكوين أجهزة الجمعية واختيار قياداتها ومباشرتها لنشاطها، وتنظيم علاقاتها بأعضائها، وتحديد الاختصاصات السياسية والمالية والإدارية لأي من الأجهزة والقيادات. وفي جميع الأحوال يجب ألا تتعارض مبادئ الجمعية وأهدافها وبرامجها وسياساتها وأساليبها مع مبادئ الشريعة الإسلامية والثوابت الوطنية التي يقوم عليها نظام الحكم في مملكة البحرين،هذا وقد ناط المشرع بالسلطة المختصة - ممثلة في وزير العدل - أن يطلب من المحكمة الكبرى المدنية إصدار حكم بحل الجمعية السياسية في حالة ارتكاب الأخيرة مخالفة جسيمة لأحكام دستور مملكة البحرين أوقانون الجمعيات السياسية أوأي قانون آخر من قوانين المملكة، وما يتصل بذلك بحكم اللزوم من ذود عن الحقوق والحريات المقررة، وكل ذلك من صميم ما يتطلبه استقرار المجتمع وما يلزم لتحقيق أمنه وأمان أفراده ، ونظراً لكون هذا الجزاء - حل الجمعية السياسية - يعد من أقسى الجزاءات وأشدها أثراً لذا يجب أن تقدر بقدرها، فإن كان أحد الأسباب التي تجيز حل الجمعية السياسية هي المخالفة الجسيمة للدستور أوالقانون، إلا أنه يتعين على القضاء أن يمحص المخالفة المنسوبة إلى الجمعية السياسية قبل إصدار الحكم بحلها حتى يتيقن من مناسبة هذا الجزاء مع ما هو ثابت في حقها من مخالفات.
وحيث إنه من المقرر قضاء أنه من المبادئ الأساسية التي تمثل النظام العام للأشخاص المعنوية العامة الوطنية، أن هذه الأشخاص تنشأ وفقاً لما يحدده الدستور والقانون وبإرادة من الذين يؤسسونها بعد موافقة السلطة المختصة في الدولة لتحقيق أغراض محددة، فتكوين الجمعيات السياسية يتم وفقاً لأحكام القانون رقم 26 لسنة 2005 ، وتكوين الجمعيات الاجتماعية والثقافية يكون طبقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم 44 لسنة 2002، وإنشاء النقابات العمالية يتم وفقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم 33 لسنة 2002، وبناء على ذلك فإنه يتعين لمشروعية قيام أي من الأشخاص المعنوية المختلفة داخل الدولة في إطار سيادة الدستور والقانون أن ينشأ وفقاً لأحكامهما وفي حدود الغرض من إنشائه، فلا يجوز وفقاً للدستور والقانون إنشاء جمعية سياسية بحسب أهدافها وطبيعتها وغاياتها في صورة مجلس أوجمعية دينية أواجتماعية ولا نقابة في شكل جمعية .... ، بل يتعين أن ينشأ الشخص المعنوي بحسب طبيعته وأهدافه طبقاً لأحكام الدستور والنظام القانوني الخاص به، وتأسيساً على ذلك فإن الجمعية إذا ما استهدفت تحقيق أغراض خلاف ما تقدم، كان للجهة الإدارية حق رفض شهرها أوحلها حسب الأحوال.[ في هذا المعنى حكم المحكمة الإدارية العليا المصرية في الطعن رقم 1332 لسنة 34 ق ع جلسة 22/11/1992 ]
ومن حيث إن مبنى الاستئناف الماثل ما ينعاه المستأنفون على الحكم المستأنف من مخالفته للقانون والخطأ في تطبيقه وذلك من عدة وجوه أولها: أنه ـ في مجال الرد على دفع المستأنفين بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة بالنسبة لوزير العدل تأسيساً على أن المجلس الإسلامي العلمائي ليس جمعية سياسية ولم يتم تأسيسه وفقاً لأحكام قانون الجمعيات السياسية، وأن اختصاص وزير العدل يقتصر على ما يتعلق بشؤون الجمعيات السياسية – اعتبر الحكم المستأنف المجلس العلمائي جمعية سياسية رغم انتفاء أهم عنصر يميز الجمعيات السياسية في ذلك المجلس وهو ممارسة السياسة بغرض الوصول للسلطة وفقاً لحكم المادة الثانية من القانون رقم (26) لسنة 2005 بشأن الجمعيات السياسية، فذلك مردود بأن المشرع عرف الجمعية السياسية بموجب نص المادة الثانية من القانون رقم 26 لسنة 2005 بأنها كل جماعة منظمة، تؤسس طبقاً لأحكام هذا القانون، وتقوم على مبادئ وأهداف مشتركة، وتعمل بصورة علنية بوسائل سياسية ديمقراطية مشروعة، بقصد المشاركة في الحياة السياسية، لتحقيق برامج محددة تتعلق بالشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية لمملكة البحرين، وهو بذلك اعتنق معياراً موضوعياً في تعريف الجمعية السياسية يستند إلى المبادئ والأهداف التي ترمي الجمعية إلى تحقيقها والنشاط الذى تمارسه تلك الجمعية ، فالجمعية السياسية وفقاً لهذا المعيار هي الجمعية التي تمارس النشاط السياسي ولو لم يتبع فب تأسيسها الإجراءات المقررة قانوناً، فاتباع الإجراءات المقررة قانوناً لتأسيس الجمعية هي وسيلة الجمعية لاكتساب الشخصية المعنوية (الأهلية القانونية للشخص الأعتبارى) وليست وسيلة لوجودها الفعلي، بدليل أن الفقرة الثانية من تلك المادة نفت عن الجمعيات التي ليس لها أغراض سياسية من عداد هذه الجمعيات، متى كان ما تقدم وكان البين من الأوراق اشتغال المجلس الإسلامي العلمائي بالعمل السياسي متمثلاً في دعمه للجمعيات السياسية كجمعية الوفاق الوطني الإسلامية وجمعية العمل الإسلامي (أمل) المنحلة بموجب حكم قضائي، ودعوات بعض أعضائه إلى مقاطعة الانتخابات النيابية، الأمر الذي يدخل معه هذا المجلس في مفهوم الجمعيات السياسية وفقاً للمعيار الموضوعي الذي اعتنقه المشرع في تعريف الجمعية السياسية، وهو ما يغدو معه وزير العدل صاحب صفة في طلب حله وفقاً لحكم المادة (23) من القانون رقم 26 لسنة 2005 سالف الذكر.
أما ما ينعاه المستأنفون على الحكم المستأنف من مخالفة القانون لرفضه الدفع بعدم قبول الدعوى لانعدام صفة المدعى عليهم رغم أن الدعوى تتعلق برابطة قانونية موضوعية واحدة متعددة الأطراف تتمثل في المجلس الإسلامي العلمائي بما يعنى أن التعدد في الدعوى بالنسبة للمدعى عليهم هو تعدد إجبارى فلا تتوافر الصفة بالنسبة لهم إلا باختصامهم جميعاً أي اختصام جميع المنتسبين للمجلس الإسلامي العلمائي فذلك مردود بأن التعدد لا يكون إجبارياً بالنسبة للروابط القانونية الموضوعية متعددة الأطراف إلا في حالتين أولهما: حالة نص القانون على وجوب اختصام جميع أطراف الرابطة الموضوعية في الخصومة كالشأن في دعوى قسمة المال الشائع حيث يوجب القانون رفعها على جميع الشركاء. وثانيهما: الدعوى التقريرية والدعوى المنشئة دون دعوى الالزام، إذ لا يتصور تقرير رابطة قانونية موضوعية بموجب الدعوى التقريرية أو تغيير هذه الرابطة بموجب الدعوى المنشئة إلا في مواجهة جميع أطراف هذه الرابطة [محمد كمال عبد العزيز – تقنين المرافعات في ضوء القضاء والفقه ص 94] متى كان ما تقدم وكانت الدعوى قد أقيمت أمام محكمة أول درجة بطلب وقف أنشطة المجلس الإسلامي العلمائي وتصفية أمواله وغلق مقره باعتباره كياناً له وجود فعلي على أرض الواقع وإن لم يتمتع بالشخصية الاعتبارية فإن هذا الطلب ينصرف إلى هذا الكيان دون حاجة إلى اختصام جميع المنتسبين إليه إذ يكفى اختصام الرئيس الظاهر للمجلس المذكور فضلاً عن اختصام أعضاء الهيئة المركزية للمجلس الواردة أسماؤهم في اجتماع الجمعية العمومية السنوية المنعقدة في 19/1/2013.
أما ما ينعاه المستأنفون على الحكم المستأنف من مخالفة القانون لرفضه الدفع بانعدام الصفة الإجرائية لممثل جهاز قضايا الدولة في تمثيل وزير العدل وذلك رغم أن جهاز قضايا الدولة ليس له شخصية معنوية ولم يصدر مرسوم بإنشائه، كما أن التوقيع المذيل على صحيفة الدعوى لا يستدل منه على أن صاحبه يمثل جهاز قضايا الدولة فذلك مردود بأن المرسوم بقانون رقم 34 لسنة 2010 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 60 لسنة 2006 بشأن إعادة تنظيم دائرة الشؤون القانونية ينص في المادة الثالثة منه على أن «ينشأ بوزارة العدل جهاز يسمى «جهاز قضايا الدولة» يتبع وزير العدل، ويصدر بتنظيمه مرسوم، يتولى تمثيل الدولة بمختلف وزاراتها ومؤسساتها وهيئاتها العامة وإداراتها فيما يرفع منها أو عليها من قضايا لدى المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها ولدى هيئات ومراكز التحكيم والجهات الأخرى التي يخولها القانون اختصاصاً قضائياً...». مؤدى ذلك أن جهاز قضايا الدولة هو الذى ينوب عن الدولة بكافة شخصياتها الاعتبارية العامة فيما يرفع منها أو عليها من قضايا لدى المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وأن عدم صدور مرسوم بتنظيم هذا الجهاز لا يحول دون تمثيله للدولة وأداء دوره المنوط به قانونًا، إذ إن جهاز قضايا الدولة أنشئ بموجب المرسوم بقانون رقم 34 لسنة 2010 المشار إليه، كما لا يلزم توقيع ممثل جهاز قضايا الدولة على لائحة الدعوى، لأن النيابة هنا قانونية مقررة بموجب نص قانونى، فضلاً عما هو مقرر من أنه ليس للخصوم التدخل فى علاقة الوكيل بموكله إلا إذا نازع الأخير في وجود هذه الوكالة أو في حدودها.
أما ما ينعاه المستأنفون على الحكم المستأنف من الفساد في الاستدلال بمقولة إن الحكم المستأنف تساند إلى مستندات لم تتضمن ما يفيد أن من أهداف المجلس الإسلامي العلمائى لوصول إلى السلطة وممارستها وهو ما ينفي عنه وصف الجمعية السياسية، وأن الحكم المستأنف استند إلى تصريحات منسوبة للمستأنف الثالث لإثبات صفة الجمعية السياسية للمجلس المذكور رغم أن هذه التصريحات مجتزأه وأن سياق الحديث كاملاً لا يفيد اشتغال المجلس بالسياسة بالمعنى القانوني، فضلاً عن أن الحكم المستأنف استند إلى القرص المدمج المقدم من المستأنف ضده رغم أنهم لم يتسلموا نسخة من ذلك القرص، فذلك مردود بأنه من المقرر أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تحصيل واقع الدعوى وتقدير المستندات المقدمة لها والأخذ بما تطمئن إليه من الأدلة المقدمة لها وإطراح ماعداها دون أن تكون ملزمة بتتبع كل حجة يدلي بها الخصوم والرد عليها استقلالاً وحسبها في ذلك أن يكون استخلاصها سائغاً وتقديرها مقبولاً.
ذلك أن المبدأ الذى يحكم الإثبات فى المنازعات الإدارية هو حرية القاضى الإدارى فى تكوين اقتناعه بأدلة الإثبات المطروحة فب الدعوى، واختيار ما يُكَوِن قناعته للفصل فيها [حكم محكمة التمييز في الطعن رقم 278 لسنة 2007 جلسة 10/3/2008] ، متى كان ما تقدم وكان الثابت من التصريحات الصادرة بتاريخ 1/3/2009 في لقاء تحاوري مع أحد أعضاء المجلس العلمائي (المستأنف الثالث)، صرح بأن فكرة المؤسسة العلمائية بعد أن كانت مجرد تصور، إذا بها «مؤسسة موجودة على أرض الواقع»، وأن لها الحق في أن تمارس دورها في ترتيب شأنها الداخلي دون حاجة إلى قرار رسمي ولا يصح أن نفسر القانون بعيداً عن هذا الواقع المعترف به، وأن النظام الأساسي للمجلس موجود ومعلن عبر موقعه الإلكترونى، كما صرح بأنه حينما تفرض الوظيفة الشرعية على المجلس بأن يكون له موقف سياسى معين، فلن يتأخر في إبراز موقفه السياسي.
كما أعلن دعم المجلس العلمائي لجمعية الوفاق الوطني الإسلامية - وهي جمعية سياسية - معللًا ذلك بحاجة المجلس في الساحة إلى وجود سياسي ينطلق بالعمل السياسي إلى أبعاد متقدمة بعد أن صار له وجود سياسي مؤسسي يتحرك على أرض الواقع، مؤكدًا أن هذا الدعم من أجل تكامل العمل المؤسسي السياسي والارتقاء به، مصرحاً بأن بعض أعضاء الهيئة المركزية للمجلس أعضاء في جمعية الوفاق، كما عبر عن استيائه من وجود أشخاص مظلومين في السجون في ظل إجراءات ظالمة وأن المجلس لا يمكنه أن يقبل ذلك، وهو ما لم ينفه المستأنف الثالث مكتفياً في رده عليه بأن هذه التصريحات مجتزأة وأن سياق الحديث كاملاً لا يفيد اشتغال المجلس بالسياسة، في حين أن هذه التصريحات في حد ذاتها تعبر عن اشتغال أعضاء هذا المجلس بالعمل السياسي وأن بعضهم أعضاء في جمعية الوفاق السياسية، ويعضد هذا النظر ما جاء بتصريحات أحد أعضاء المجلس بتاريخ 17/12/2011 إلى موقع العهد الإخباري من ضرورة مقاطعة الانتخابات النيابية لما يرى فيها - على حد زعمه - تكريساً للواقع الفاسد وتعقيداً للأزمة السياسية، وأضاف أنه عبر المسيرات والاعتصامات الجماهيرية يعبر الشعب عن اعتراضه على الأوضاع الفاسدة ويطالب بإصلاحها، أما ما أثاره المستأنفون من عدم استلامهم القرص المدمج المقدم من المستأنف ضده فإن الثابت من محاضر جلسات محكمة أول درجة أن المستأنفين استلموا نسخاً من ذلك القرص وذلك بجلسة 1/10/2013 ، ولم يطعنوا على محتواه بأي مطعن. أما ما ينعاه المستأنفون على الحكم المستأنف من مخالفة قانون الرسوم والخطأ في تطبيقه وذلك تأسيساً على أن الطلبات في الدعوى المستأنفة اقتصرت على طلب وقف أنشطة المجلس العلمائي وتصفية أمواله وغلق مقره وهو طلب غير محدد القيمة يستحق عنه رسم ثابت قدره -/32 ديناراً ورغم ذلك فإن محكمة أول درجة قدرت الرسوم بمبلغ 302 بالمخالفة للقانون فذلك مردود بأنه وإن كانت المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 3 لسنة 1972 بشأن الرسوم القضائية قد نصت على عدم جواز مباشرة أي إجراء قضائي أمام المحاكم إلا بعد تحصيل الرسم المستحق عليه مقدماً.
وكانت المادة (27) من قانون المرافعات قد أوجبت على المحكمة أن تتأكد قبل نظر الدعوى الابتدائية من قيمة الرسوم المستحقة عليها فإن المشرع لم يرتب ثمة بطلان على عدم مراعاة ذلك فلا تأثير لهذه المخالفة المالية على صحة إجراءات الدعوى والحكم الصادر فيها [حكم محكمة التمييز في الطعنين رقمي 316 لسنة 2004 ، 303 لسنة 2005 جلسة 13/2/2006] متى كان ما تقدم وكان المستأنفون لم يطلبوا تعديل قيمة الرسم ضمن طلباتهم وكان هذا الدفع منهم للنيل من سلامة الحكم المستأنف فإن الخطأ في تقدير قيمة الرسم لا يؤثر على صحة إجراءات الدعوى والحكم الصادر فيها على نحو ما تقدم.
وإذ انتهى الحكم المستأنف إلى قضائه المتقدم استناداً إلى أن المجلس الإسلامي العلمائي - والمشكل من المستأنفين - له كيان واقعي يمارس من خلاله نشاطًا سياسيًا فى إطار مؤسسى دون أن يكون من الجمعيات المرخص لها بذلك طبقاً لأحكام القانون رقم 26 لسنة 2005 في شأن الجمعيات السياسية ، بل إنه انحرف في ممارسة هذا النشاط إلى حد التحريض على العنف وتشجيع المسيرات والاعتصامات الجماهيرية بما قد يؤدي إلى إحداث فتنة طائفية في البلاد، فضلاً عن دعمه لبعض الجمعيات السياسية كجمعية الوفاق وجمعية العمل الإسلامي (أمل) - وهي جمعية سياسية منحلة بموجب حكم قضائي – ودعوته إلى مقاطعة الانتخابات النيابية لما يرى فيها - على حد زعم أحد أعضائه - تكريساً للواقع الفاسد وتعقيداً للأزمة السياسية، لما كان ذلك وكان الاشتغال بالسياسة قد يتخذ صوراً عديدة، لذا حرص المشرع على ضبط ممارسة العمل السياسى من خلال تشريعات وقوانين وآليات تكفل ممارسة هذا العمل وفقاً لضوابط ومعايير لا مجال للخطأ في فهم معناها ولا محل للاختلاف في تفسيرها، بما يضمن عدم الانحراف به عن الغاية التي توخاها المشرع، ودرءاً للفتن التي قد تحدث في المجتمع من جراء الممارسات السياسية غير المنضبطة، مقتضى ذلك ولازمه، أن ممارسة أي عمل سياسي خارج الإطار التشريعي المُنَظِم، يكفي بذاته لاستنهاض السلطة المختصة ممثلة في المستأنف ضده - بصفته - للتصدي لتلك المخالفة من خلال الآليات المقررة قانونًا، ذلك أنه يتعين دائما ًوأبداً أن تنشأ الجمعيات السياسية وتمارس نشاطها في إطار المشروعية وسيادة القانون لتحقيق الأغراض التي قصد إليها المشرع، فإن انفصم اتصالها بها، وقعت باطلة بسبب الانحراف بها عن الغايات المقررة دستورياً وقانونياً، وحق عليها بالتالي الجزاء المقرر قانوناً، وإذ خلت الأوراق من وجود ثمة طلب كتابي مُقدم إلى وزير العدل – المستأنف ضده - في شأن تأسيس المجلس الاسلامي العلمائي موقعاً من المؤسسين ومصدقاً على توقيعاتهم ومرفقاً به جميع البيانات والوثائق المتعلقة بهذا المجلس خاصة نظامه الأساسي وأسماء مؤسسيه وإلى غير ذلك من الإجراءات التي تطلبها القانون، وإذ أخل المجلس المذكور بكل ما تقدم من إجراءات ومارس نشاطاً سياسياً بمنأى عن أحكام الدستور والقانون، فإنه يتعين القضاء بحله وتصفية أمواله عملاً بحكم المادة (23) من القانون رقم 26 لسنة 2005 سالف الذكر، الأمر الذي يكون معه الحكم المستأنف قد أصاب محجة الصواب في قضائه لما قام عليه من أسباب تتفق مع ما سلف، وهو ما تقضي معه المحكمة بتأييده لأسبابه، وما تقدم من أسباب ويضحي الاستئناف الماثل غير قائم على سند من الواقع والقانون متعيناً القضاء برفضه وتأييد الحكم المستأنف ولا ينال من ذلك ما أثاره المستأنفون من أن المجلس العلمائي لا يعد جمعية سياسية ولم يتم تأسيسه وفقاً لأحكام القانون رقم 26 لسنة 2005، إذ إن اتباع الإجراءات المقررة قانوناً لتأسيس الجمعية هي وسيلة الجمعية لاكتساب الشخصية المعنوية (الأهلية القانونية للشخص الاعتباري) وليست وسيلة لوجودها الفعلي، ولا يجوز أن يكون عدم اتباع المؤسسين الإجراءات المقررة قانوناً لتأسيس الجمعية وسيلة للإفلات من تطبيق القانون على نشاطها وإلا كانت الكيانات غير المؤسسة طبقاً للقانون في وضع أفضل من الجمعيات المؤسسة وفقاً للقانون عند مخالفة نشاطها لأحكامه .
وحيث إنه عن المصاريف فالمحكمة تلزم بها المستأنفين عملاً بالمادة 192/1 مرافعات.
فلهذه الأسباب حكمت المحكمة: بقبول الاستئنافين شكلاً، وفي الموضوع برفضهما وتأييد الحكم المستأنف وألزمت المستأنفين كلًّا بمصاريف استئنافه.
رسوم الاستئناف مدفوعة.