عواصم - (وكالات): تعهد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في بغداد بأن تقدم بلاده دعماً «مكثفاً ومستمراً» للعراق في مواجهة «التهديد الوجودي» الذي يمثله هجوم فصائل عراقية مسلحة مناهضة لحكم رئيس الوزراء نوري المالكي، داعياً قادة البلاد إلى الوحدة حتى يصبح هذا الدعم «فعالاً». في غضون ذلك، واصل مسلحو الفصائل العراقية الذين ينتمون لتنظيمات سنية مختلفة بينها مسلحون من العشائر وعناصر من تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام - داعش»، إضافة إلى أعضاء في حزب البعث الحاكم في عهد صدام حسين، تقدمهم غرب العراق وسط تراجع القوات الحكومية حيث سيطروا على مناطق جديدة ليحافظوا بذلك على زخم هجومهم الكاسح المتواصل منذ أسبوعين. وأعلن مسؤولون أمنيون سيطرة الفصائل المسلحة على قضاء تلعفر الاستراتيجي شمال بغداد، فيما أظهر فيديو على موقع «يوتيوب» يقول صاحبه إنه لقوات المالكي، وهي تهرب من مواقعها عند السعدية في ديالى شمال البلاد، بمئات السيارات والآليات، بعد سماعهم بتقدم الثوار إليها، وفقاً لقناة «العربية».
وقال كيري في مؤتمر صحافي في بغداد عقب لقائه عدداً من المسؤولين العراقيين بينهم رئيس الوزراء نوري المالكي «الدعم سيكون مكثفاً ومستمراً، وإذا ما اتخذ القادة العراقيون الخطوات الضرورية لتوحيد البلاد، فإن هذا الدعم سيكون فعالاً». وأضاف كيري في العاصمة العراقية المحطة الثالثة من جولته في الشرق الأوسط بعد القاهرة وعمان والتي تهدف إلى بحث الأزمة العراقية «هذه لحظة القرار بالنسبة لقادة العراق، العراق يواجه تهديداً وجودياً، وعلى قادة العراق أن يواجهوا هذا التهديد».
ويشن مسلحو الفصائل هجوماً منذ نحو أسبوعين سيطروا خلاله على مناطق واسعة في شمال العراق ووسطه وغربه بينها مدن رئيسية مثل الموصل وتكريت شمال بغداد.
وأعلن تنظيم «داعش» أقوى التنظيمات المتشددة التي تقاتل في العراق وسوريا، عن نيته الزحف نحو بغداد ومحافظتي كربلاء والنجف اللتين تضمان مراقد شيعية.
وسبق وأن أعلنت الولايات المتحدة التي سحبت قواتها من هذا البلد نهاية عام 2011 بعد 8 سنوات من اجتياحه، استعدادها لإرسال 300 عسكري بصفة مستشارين، والقيام بعمل عسكري محدود ومحدد الهدف، علماً بأن طائراتها تقوم بطلعات جوية في أجواء العراق.
وخلال لقائهما أمس، قال المالكي لكيري بحسب ما نقل عنه بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء أن «ما يتعرض له العراق حالياً يشكل خطراً ليس على العراق فحسب بل على السلم الإقليمي والعالمي»، داعياً «دول العالم سيما دول المنطقة إلى أخذ ذلك على محمل الجد».
وأضاف المالكي الذي يتعرض لانتقادات من قبل مسؤولين أمريكيين ويواجه اتهامات باعتماد سياسة تهميش بحق السنة أن مسألة «تكليف مرشح الكتلة الأكبر لتشكيل الحكومة الجديدة ينبغي الالتزام بها».
والمالكي المدعوم من طهران والذي يحكم البلاد منذ عام 2006 ويسعى لولاية ثالثة هو مرشح كتلة «دولة القانون» التي يتزعمها شخصياً والتي فازت بأكبر عدد من مقاعد البرلمان «92 مقعداً» في الانتخابات الأخيرة نهاية أبريل الماضي.
ويواجه المالكي معارضة من قبل خصومه السياسيين وخصوصاً السنة منهم حيث يطالب هؤلاء «التحالف الوطني» الذي يضم أبرز الأحزاب الشيعية بأن يرشح بديلاً عنه لتولي رئاسة الحكومة الجديدة.
ميدانياً، حقق المسلحون مكاسب جديدة على الأرض غرب العراق حيث سيطروا على مدينة الرطبة غرب بغداد التي تبعد نحو 150 كلم عن معبر الوليد الرسمي مع سوريا إثر انسحاب القوات الحكومية منها، وفقاً لمسؤول محلي في المدينة.
وبات المسلحون يسيطرون على عدة مدن في محافظة الأنبار وسط تراجع القوات الحكومية نحو بغداد، وهي القائم، وعنه وراوة القريبتين، وكذلك الفلوجة الخاضعة لسيطرتهم منذ بداية العام والتي لا تبعد سوى 60 كلم عن غرب بغداد. وأعلنت مصادر أمنية أن المسلحين سيطروا كذلك على معبر الوليد، غير أن السلطات في بغداد عادت وأعلنت استعادة السيطرة عليه، في مقابل تأكيد موظفين في المعبر استمرار سيطرة المسلحين.
وقال ضابط برتبة عقيد في حرس الحدود العراقي وآخر برتبة نقيب إن القوات العراقية التي كانت منتشرة عند المعبر توجهت نحو معبر طربيل مع الأردن الذي يقع في منطقة قريبة. وأكد من جهته مصدر أمني أردني أن المملكة عززت قواتها على الحدود مع العراق «بإرسال آليات عسكرية وأرتال من الدبابات وناقلات جنود وراجمات صواريخ»، علماً بأن معبر طربيل يقع أيضاً بالقرب من حدود العراق مع السعودية.
ويسيطر المسلحون على معبر القائم غرب بغداد الواقع أيضاً في محافظة الأنبار التي تتقاسم مع سوريا حدوداً مشتركة بطول نحو 300 كلم، بينما تسيطر قوات البشمركة الكردية على ثالث المعابر الرسمية مع سوريا في محافظة نينوى شمال غرب العراق.
وتحدثت تقارير عن أن المسلحين أحكموا سيطرتهم على معابر العراق مع سوريا، ومنها انطلقوا شرقاً صوب العاصمة بغداد، فقد تمكّن المسلحون من السيطرة على قضاء تلعفر في الموصل بعد فرار ضابط برتبة لواء كلفه المالكي بتحرير المحافظة.
وأظهر فيديو على موقع «يوتيوب» يقول صاحبه إنه لقوات المالكي، وهي تهرب من مواقعها عند السعدية في ديالى بمئات السيارات والآليات، مع غروب الشمس بعد سماعهم بتقدم الثوار إليها، وفقاً لقناة «العربية».
وشمال البلاد، أعلن مسؤول عراقي في قضاء تلعفر وشهود عيان أن المسلحين سيطروا على القضاء الاستراتيجي القريب من الحدود مع تركيا وسوريا، فيما أكدت السلطات الأمنية أن القوات العراقية صامدة و«تقاتل بشجاعة».
وقال المسؤول إن «تلعفر شمال بغداد أصبح تحت سيطرة المسلحين»، مضيفاً أن غالبية السكان وعددهم نحو 400 ألف شخص غادروا القضاء نحو مناطق مجاورة.
غير أن المتحدث باسم مكتب القائد العام للقوات المسلحة الفريق قاسم عطا قال في مؤتمر صحافي في بغداد إن القوات الحكومية التي تحاول منذ نحو 10 أيام منع المسلحين من السيطرة على القضاء «صامدة وتقاتل بشجاعة».
إلا أنه أكد رغم ذلك أن «الخيارات مفتوحة أمام قيادات العمليات بأن تتخذ ما تراه مناسباً لتحشيد أو سحب القطعات» العسكرية، مضيفاً «حتى لو انسحبنا من تلعفر أو أي منطقة أخرى هذا لا يعني أنها هزيمة أو ترك هذه المنطقة بصورة نهائية».
في موازاة ذلك، أعلن عطا أن تنظيم «داعش» قام بذبح وشنق «مئات الجنود» العراقيين خلال الهجوم الذي يشنه في مناطق مختلفة في العراق منذ أسبوعين.
من جهة أخرى، قتل 69 سجيناً عندما تعرض موكب للشرطة العراقية كان ينقلهم لهجوم من قبل مسلحين في محافظة بابل جنوب بغداد، بحسب ما أفادت مصادر أمنية وطبية.
من ناحية أخرى، يعتبر محللون أن الأزمة العراقية لم تؤثر حتى الآن على أسعار النفط أكثر من أحداث أخرى جيوسياسية في الماضي، لكن سعر البرميل قد يرتفع بسرعة ليتجاوز 120 دولاراً في حال تفاقم الوضع.