كتب - عبدالرحمن محمد أمين:
عندما أطل في يوم أشرقت فيه البسمة والسرور والغبطة على وجه الوالد والوالدة والأهل بعد إنجاب ولد وثلاث بنات، كانت الفرحة اكتملت بولادة طفل أسمر البشرة.
عند ولادته أطلقت عليه إحدى أخواته اسم «الصابونيط»، كان ذلك يوم 11 مايو 1958، ولد الطفل وأطلق عليه اسم عبدالرحمن.
في المستشفى الأمريكي
في مستشفى الإرسالية الأمريكية، وكان حينها من أرقى المستشفيات وأكبرها في البحرين تمت الولادة، وفي أحضان والديه تربى الطفل عبدالرحمن في منزل كبير محاذ لساحل البحر يضم العائلة الكبيرة كحال الأسر والعوائل إبان تلك الفترة فهو بمثابة «البيت العود» الذي يضم بين جدرانه الأهل المتصافين المتحابين المؤمنين أن صلة القربى والرحم هي من تعاليم الدين الحنيف، لذا تراهم متماسكين متآلفين متوادين، في هذا الوسط عاش الطفل يغمره عطف الأهل وحنان الإخوة.
في ذلك المنزل الذي يؤمه العديد من الأصدقاء والجيران والأقارب كانت العلاقات الاجتماعية في ذلك الوقت يضرب بها المثل، فالتزاور بين الأهل والجيران والأصدقاء سمة من سمات الفترة.. واللقمة تطهى في البيت ويخرج منها ما تيسر إلى بيوت الجيران والأصدقاء وكذلك الحال بالنسبة إليهم.
نشأ عبدالرحمن المضحكي في تلك البيئة الطيبة والقرية الهادئة الجميلة «البسيتين»، بسواحلها النظيفة ورمالها الناعمة ومياه بحرها الهادئة الصافية وأهلها الطيبين بنواياهم ترعرع هذا الطفل، وعندما وصل سناً يؤهله للتعليم والدراسة أخذته والدته إلى بداية طريق العلم، حيث إن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة، بدأت هذه الخطوة منتصف ستينيات القرن الماضي في مدرسة البسيتين الابتدائية للبنين، وكانت بيتاً لمالكه بوزبون أجرته وزارة التربية حيث انتقل من محيط الأسرة إلى محيط أكبر هو المدرسة، وفيها قضى 6 سنوات.
أصدقاء الطفولة
يتذكر عبدالرحمن أصدقاء الطفولة والأقارب منهم «عبدالعزيز غانم المضحكي ومحمد غانم المضحكي وراشد سعد بوخموس وعبدالعزيز عيسى إبراهيم وسيف عيسى أحمد وسامي عبدالله الهاجري والراحل إبراهيم جاسم ويوسف جاسم ويونس عبدالله الشبعان ومحمد علي حمد وإبراهيم حسين إبراهيم».
أما أصدقاء المدرسة «عبدالرحمن محمد الجسمي، علي سلطان مبارك، عادل بوجيري، سير بوراشد، راشد الخليفة، عبدالرحمن الخليفة، وصالح يوسف الدوسري».
تعرف عبدالرحمن في المدرسة على أصدقاء جدد وتلقى تعليمه الابتدائي على أيدي مدرسين أكفاء من منطقة البسيتين والمحرق «أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر محمد أحمد شرف، والراحل ناصر بخيت، وعبدالله حيدر، والأستاذ الراحل عبدالرحمن، وعلي بودهيش، والراحل سويد سعد العميري، والراحل عبدالله هاشم، وعبدالإله العامر، والراحل يوسف سالم الكندي، وكان المدير الراحل محمد مطر، حيث كان بمثابة الوالد للجميع وكان مربياً فاضلاً ولكنه شديد عند ارتكاب الطلبة للأخطاء، وإذا عمل الطالب خطأ ما يضربه بعصى يحتفظ بها على مكتبه دوماً».
ويقول عبدالرحمن «شهدنا ضرب بعض من يرتكبون الأخطاء الكبيرة على طريق (الحيشة) وهي الضرب بالعصا (ويرتدي الطالب في هذه الأثناء الخيش) وذلك تأديباً له لعدم تكرار الخطأ الكبير».
ويتذكر طابور الصباح «فيه تجري عملية التفتيش على الأظافر والشعر.. وكذلك تمارين الجسم وحركة الرجل عندما يكون الشتاء قارساً، حيث يشعر الطلبة بالدفء من خلال حركة الجسم.. كذلك أذكر طابور المقصف وكان بإشراف الأستاذ علي بودهيش.. وأذكر الفراش الذي كان يعمل بكل جهد وإخلاص ويدعى جابر، وكانت حصة الرياضة ممتعة لدى الطلبة حيث نخرج إلى الأرض المقابلة للمدرسة لنلعب كرة القدم والتي تعد اللعبة المفضلة لكثير من الطلبة والمدرسين.. وكانت المواد التي تدرس في تلك الحقبة الرياضيات والعلوم والاجتماعيات والنشيد والرياضة والإنجليزي منذ الصف الرابع».
وينجح هذا الطفل عاماً بعد عام وينتقل من المرحلة الابتدائية إلى الإعدادية، حيث تطول المسافة ويبعد الطريق وتتبدل المدرسة من مدرسة البسيتين إلى عمر بن الخطاب الابتدائية الإعدادية للبنين بمنطقة المحرق بفريج بن هندي.
ويكبر هذا المحيط التعليمي فيزداد عدد الطلبة وتتغير وجوه المدرسين وتصعب المواد «من المدرسين أذكر في المرحلة الإعدادية جاسم البدن، أحمد بودلامة، الراحل هشام علي نجم المناعي، راشد زويد، عبدالرضا حيدر، عبدالرحمن القنة، محمد الملا، سامي العمران، أحمد الجودر، وكان المدير آنذاك عبدالرحيم بوعلاي».
ذكريات لا تنسى
كانت المدرسة تضم عدداً من الطلبة من فرجان متفرقة ومناطق مختلفة من مدينة المحرق، وكان بعضهم يشكل جماعات لاستعراض العضلات بعد الخروج من المدرسة في فترة الظهيرة «تجد أبناء الفريج الفلاني ضد أبناء الفريج الآخر، ويبدأ الصراع بين المجموعتين.. مررت بهذه التجربة عندما تعرضنا أحد هذه المجموعات من طلبة البسيتين، ودخلنا في معركة من الكلمات والتشابك بالأيدي، ولكن تجدنا في اليوم الآخر كأن شيئاً لم يحصل بالأمس، ويا لها من شقاوة تلك التي يمارسها الطلبة».
ويتذكر عبدالرحمن بعض الأيام تمر على الطالب ويجد نفسه فيها متأخراً عن الطابور الصباحي «هذه تعتبر مخالفة للوائح وأنظمة المدرسة حيث يجب على الطلبة الحضور قبل أن يقرع جرس الطابور، والطلبة الذين يصلون متأخرين بسبب بعد المسافة يستقبلهم سكرتير المدرسة بالصراخ وضرب العصي في بعض الأحيان».
وكانت المرحلة الإعدادية في تلك الفترة سنتين أول إعدادي وثاني إعدادي «اجتزت الصف الثاني إعدادي بنجاح لأجد نفسي أنتقل إلى المرحلة الثانوية الأخيرة وهي التوجيهي».
ويعدد عبدالرحمن أصدقاءه في المرحلة الثانوية «جاسم محمد الجودر، وليد يوسف الساعي، خالد السندي، حمود سلطان مذكور، محمد الماجد، وخالد الرويعي».
البحث عن عمل
في مرحلة ما بعد الثانوية العامة بدأ عبدالرحمن تقديم طلبات التوظيف إلى العديد من الوزارات للحصول على عمل «ما كان ذاك طموحي، ولكن لظروف حكمت علي بهذا الوضع وبعدم مواصلة الدراسة على نفقة الأهل في تلك الأيام، إلى أن شاء الله عز وجل أن أحصل على وظيفة في إدارة الموانئ، فعندما تقدمت بطلبي كان هناك من ترك وظيفته في نفس اليوم، وبسؤال رئيس شؤون الموظفين عن الحصول على وظيفة فأجاب هناك شاغر في المستودعات الرئيسة بالميناء فخذ هذه الأوراق وانه إجراءات العقد».
كانت تلك بداية دخوله معترك العمل في إحدى أكبر الدوائر الحكومية بوزارة المالية وهي ميناء سلمان «كان العمل فيه يعتبر بمثابة المحل الذي اكتسب فيه الخبرة العملية، عملت في المستودعات كموظف سجل ثم انتقلت إلى قسم الحاويات حيث كان هناك نظام النوبات وأول راتب استلمته 150 ديناراً».
انتقل بعدها للعمل في قسم الحاويات كضابط حركة بنظام النوبات «كنا نعمل بنظام الساعات الإضافية (أوفر تايم)، إلى أن طلبت من مدير المحطة محمد سعد الانتقال إلى إدارة الجمارك فنصحني بمقابلة مدير الجمارك وتقديم رسالة بذلك، فتمت الموافقة وانتقلت للعمل بإدارة الجمارك وكانت البداية في نقطة الجمارك بمنطقة الحوض الجاف، ونشرف فيه على السفن ومخازنها، ثم خطر على بالي العمل في مطار البحرين الدولي قسم الجمارك، فكان لي ما طلبت وانتقلت إلى العمل كضابط جمارك، وكان العمل أيضاً بنظام نوبات والأيام تمضي بين شرفات المطار إلى أن عزمت على ترك مهنة الجمارك والانتقال إلى قوة دفاع البحرين حصن البلد».
قدم عبدالرحمن استقالته الإرادية في ديسمبر 1983 وكانت بداية الالتحاق بصفوف قوة دفاع البحرين يوم 25 يناير 1984 «بدأت في هذا الصرح العسكري الشامخ والذي نقلني من الحياة المدنية إلى العسكرية. وكنت لازلت في مستوى تعليم الثانوية العامة فأخذت أفكر في تطوير مستواي العلمي وشجعتني على ذلك أختي الإعلامية المميزة شيخة المضحكي، حيث كانت منتسبة إلى جامعة بيروت العربية وكانت تقدم امتحاناتها في الأردن فراودتني الفكرة، وعقدت العزم على دراسة البكالوريوس وسجلت في جامعة بيروت عام 1988 وتخرجت سنة 1991 وحصلت على ليسانس اللغة العربية وآدابها».
واصل في مجال العمل العسكري نفسه وأصبح حاصلاً على البكالوريوس «استمرت الأيام وأنا أفكر في مواصلة الدراسات العليا في نفس التخصص».
الدراسة في مصر
ابتسم الحظ لعبدالرحمن المضحكي وفتحت له السعادة أبوابها عندما تسنت له فرصة متابعة دراساته العليا في مصر «هي لحظات يتمناها الإنسان دوماً، وتكون هاجساً بالنسبة إليه.. وما أحلى تلك اللحظات التي رسمت خطوط الآمال العريضة في مسيرة كانت مليئة بالتفاؤل ومتوجة بالظفر والنجاح، في عام 1996 كانت بداية هذه المسيرة التي استطاعت أن تحقق جزءاً من الآمال التي ظلت كأحلام تراودني منذ تخرجي من الثانوية العامة سنة 1977 من أعرق المدارس في الخيلج العربي وهي مدرسة الهداية الخليفية الثانوية تلك المدرسة التي خرجت أجيالاً من الأجداد والآباء، ولي الشرف أن أكون أحد خريجيها، وشاء الله سبحانه وتعالى أن ابتعث لمواصلة الدراسات العليا في بلد الثقافة والعلم بلد الرقي والحضارة مصر الكنانة».
كانت الانطلاقة من جامعة القاهرة بعالمها المليء بمزيج من الثقافات والعلوم والآداب والمعارف بأساتذتها الجهابذة وطلابها الأذكياء.. وبمبناها العريق والذي يعتبر أحد رموز التراث الثقافي في مصر العروبة «كانت الثمرة حصولي على ماجستير في الآداب سنة 2001».
ومن قصيدة عبدالرحمن المضحكي المعنونة «حمد هو صاحب الرأي الحكيم» نقتطف:
«للمجد أبحر مركبه والموج شاهق كالجبال
وأرسى بدار المرجلة مجد بآفاقه عظيم
يا دار بالفخر أحكمك أغلى الرجل
حمد ذرانا عزنا هو صاحب الرأي الحكيم
ساس الندى سقم العدى بدر سطع وقت الليال
سدرة وفا في ظلها يستعلي الشعب العظيم
أصبى عين هولنا نشوف به حتى المحال
حبك سكن بقلوبنا رجال وأطفال وحريم
قلوبنا يا سيدي تهتف بلا شك وجدال
تصرخ نحبك يا حمد وبقلوبنا عشق قديم
لأجدادكم وآبائكم اللي غدت ديرة أوال
في عهودهم حصن وذرى وشعبها ما شاف ضيم
ولائنا لك يا حمد كما المال الزلال
أرواحنا وأولادنا فدوى لعينك يالكريم
جنود حنا بالأمر وقت الملاقا والنزال
نحمي الحمى بأرواحنا وبالدم نروي ذا الأديم
دار ربينا وسطها ثم احتضنتنا بالوصال
وأرض أرضعتنا درها تستاهل الود الحميم
تستاهله دار الوفا تستاهله دار الدلال
تستاهله بحريننا أرض المكارم والنعيم
من ضدها فله الردى وقروم لي دار القتال
تطحن جنوده كالرحى وعظامهم تغدى رميم
محفوظة من رب السما المعتلي رب الجلال
أرض الخلود الشامخة شعلة تنور في الظليم
رملك كحل لعيوننا يا موطن فاق الخيال
أجسادنا لجلك جسور وأنسامنا لجلك نسيم
نبض العروبة دارنا تمطر وفا تسقى وصال
شامخ علمها في العلا ثابت على النهج القويم
من ودها هي تحضنه وتصير له في وظلال
ومن ضدها ماله سوى نيران تصلى كالجحيم
دام الخليفي قادها وحقق لها كل المنال
تبقى بظله شامخة وتختال بالبدر النظيم
مهرة عسفها قايد حباه ربي بالكمال
حمد ومن غيره لها القايد الفذ الحليم
عشر سنوات كلها جود ومكارم مع فعال
عشر سنوات كلها الخير صار بها لزيم
عشر سنوات حكمكم عدل ومساواة وخصال
حميدة ما شابها عج ولا غبار وغيم
نجدد البيعة لكم ونقول يا وافي الخصال
أشر وتلقانا سوى حولك أسود يالحشيم
رمز العروبة يا حمد يا رمز يسمو للمعال
نظرات فكرك ثاقبة ومجدك على العليا مقيم
على المجرة قد سما مجدك وآمالك طوال
هامات عزك ما وطت إلا لخلاق عليم
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}