لاشك أن البحرين والدول الخليجية بحاجة لتنويع اقتصاداتها وتم إطلاق سياسات لهذا الغرض على رأسها مشروع «رؤية 2030».
ويعتمد نجاح أي مشروع طويل المدى على طرح معايير موضوعية وشفافة لقياس الإنجازات في فترة التطبيق. ولذا وحسب توجيهات تقليدية لمؤسسات محترمة كصندوق النقد الدولي نرى أن الاقتصاديين يتابعون تجارب التنويع الخليجية بالأساس عبر مقارنة حجم القطاع النفطي بالقطاع غير النفطي من ناحية الناتج المحلي الإجمالي وعدد الوظائف.
وبناء على هذا المنطلق المنطقي تظهر البحرين بصورة إيجابية نسبياً مقارنة بدول خليجية أخرى: يمثل القطاع النفطي تقريباً 25% من اقتصاد المملكة مقارنة بما يزيد عن 40% في كل من السعودية والكويت والإمارات وقطر.
وفي مؤتمر عقده صندوق النقد الدولي في الكويت في فترة 30 أبريل إلى 1 مايو وتناول موضوع التنويع الاقتصادي وشارك فيه كبار وزراء الدول الخليجية ومن أكثر الاقتصاديين الدوليين خبرة، طرحت صعوبات جذرية في استخدام المعايير المذكورة أعلاه.وأُشير إلى مقاييس أفضل لتحديد مدى نجاح مشاريع التنويع.
ووردت هذه الرؤية الحديثة في ورقة جديدة كتبها الاقتصاديان د.رضا شريف ود.فؤاد حسنوف المنتسبان لصندوق النقد الدولي. وأبرز نقاطها:
أولاً: ما هي المشكلة في الاعتماد على حجم القطاع النفطي مقارنة بالقطاع غير النفطي لقياس مدى التنويع الاقتصادي؟ هذه نظرة مبسطة تطرح القطاعين ككيانين منفصلين، فالمفترَض أن تؤدي إزالة القطاع النفطي البحريني إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 25% فقط.
ولكن إذا كانت نسبة الـ75% المتبقية مرتبطة ومعتمدة على النفط بطريقة غير مباشرة فلن تتحمل إزالة القطاع النفطي، ومن ثم فستنكمش بشكل ملحوظ.
وعلى سبيل المثال حينما تستخدم الحكومة إيرادات النفط لدفع رواتب موظفي القطاع العام، سينفق أولئك رواتبهم على مطاعم ودور سينما وسيارات وإلخ مما يدعم تلك القطاعات. وتسجل الإنفاقات في القطاع غير النفطي في الحسابات القومية، على أن الفصل السطحي الظاهر بين القطاعات في الحسابات القومية وهم ولا يعكس التشابك العميق بينها.
إذا كيف يمكننا قياس اعتماد الاقتصاد البحريني على النفط بطريقة تعبر واقعياً عن ماذا سيجري في حالة تراجع إيرادات النفط سواء بسبب انخفاض الأسعار أو استنفاد الموارد؟..يشير الاقتصاديون الآن إلى أهمية تنوّع الصادرات؛ وليس الاقتصاد كلياً كما أشير إليه في الماضي. والسبب الأساس هو أن الصادرات تتعرض إلى التنافس الدولي باستمرار والتنافس هو محرك الابتكار والتطور وبالتالي التنمية الاقتصادية. أما الأنشطة المحلية التي لا ينافسها الأجانب فتتحجر على المدى الطويل ولا تفك اعتمادها عن النفط.
وعلى سبيل المثال يتوزع الناتج المحلي الإجمالي في البحرين على القطاعات المختلفة بطريقة تشبه التوزيع في الاقتصاد السنغافوري.
وبما أن الاقتصاد السنغافوري يعتبر من الأكثر تنوعاً دولياً فهذا يعطي انطباعاً أولياً بأن الاقتصاد البحرين لا يعاني من اعتماد شديد على النفط.
ولكن تتغير الصورة كثيراً إن تم التركيز على الصادرات: في 2008، شكلت الموارد الطبيعية والمواد الخام 95% من الصادرات البحرينية مقارنة بـ25% من الصادرات السنغافورية، التي تقوم بالأساس على المنتجات المصنعة. وما يؤكد أهمية تنمية وتنويع الصادرات هو طبيعة المستوردات، إذ تعتمد البحرين بشكل كبير على استيراد البضائع والخدمات الأساس كالمواد الغذائية والبضائع الاستهلاكية ومعدات الصناعة وإلخ. ولا يعكس هذا الاعتماد تخصص الاقتصاد في قطاعات أخرى على حساب المواد المستوردة بل إنه يعكس غياب القدرة على إنتاجها إطلاقاً والتركيز على النفط بسبب غياب بديل.
وعلى سبيل المثال الاقتصاد البريطاني يمتلك المعرفة والمواد المطلوبة لإنتاج سيارات لكنه يتخصص في الخدمات المالية لأنه يمثل ترتيباً أكثر فاعلية للموارد المتوفرة. ولكن البحرين لم تتنازل عن تصنيع السيارات لغرض تصدير النفط بل إنها غير قادرة على تصنيع السيارات مهما كان إنتاجها النفطي. وحينما تستنفذ البحرين صادرات النفط، كيف ستتمكن من شراء بضائع وخدمات تستوردها حالياً؟ فليس بمقدورها أن تصنعها داخلياً!
وأصبح أهم مثلين للتنويع الناجح وخفض الاعتماد على الموارد النفطية الدولتين الإسلاميتين إندونيسيا وماليزيا. وينعكس تنوّع اقتصاديهما في الصادرات وليس في الناتج المحلي الإجمالي فقط. وبالتالي يتعرض المنتجون الإندونيسيون والماليزيون باستمرار لتنافس مع منتجين دوليين عن طريق الأسواق العالمية مما يضمن مرونة اقتصاديهما.
إذاً وعلى ضوء هذه النظرية الجديدة وخبرة الدول التي نجحت في تنويع اقتصاداتها، ما هي التوصيات التي تناسب الاقتصاد البحريني؟ باختصار شديد: ينبغي بناء قطاع قادر على التنافس في الأسواق الدولية قائم على المعرفة ويبتعد عن النفط. وطبعاً سيعتمد هذا القطاع على استثمارات ملحوظة في القطاع التعليمي فضلاً عن أهم عنصر للنجاح: الصبر! فقد مرّت شركات كـ«تويوتا» و«نوكيا» بعقود «ليس مجرد سنوات» من الخسائر قبل التحوّل إلى العمالقة التي تحرك اقتصادات وتوظف مئات الألوف اليوم.
د. عمر العبيدلي
مدير برنامج الدراسات الدولية والجيو-سياسية.. مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة «دراسات»