الباحث الشرعي محمد يوسف
من يقلب كتب السير، وينطر في أخبار من مضى وغبر.. يجد عجائب في أخبارهم ما يؤنس وحشة المؤمن في هذه الدنيا، ومن جملة تلك الأخبار والغرائب ما نقله الخطيب البغدادي في تاريخه عن خبر الأديب الحسن بن هانئ- رحمه الله – المشهور بأبي نواس الشاعر، وكان معروفاً بدخوله على الأمراء فافتتن بشيء من الدنيا فعاقر بعض المعاصي.. فلما مات رآه صاحبه محمد بن نافع في المنام فقال له: يا أبا نواس ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي بأبيات قلتها هي تحت ثني الوسادة؟؟
فذهب إلى منزله حيث مات فقال لأهله: هل قال أخي شعراً قبل موته؟ قالوا: لا نعلم إلا أنه دعا بدواة وقرطاس فكتب شيئاً لا ندري ما هو، فقلت: أتأذنوا لي أدخل.
فدخل إلى مرقده فإذا ثيابه لم تحرك بعد، فرفع الوسادة فإذا برقعة مكتوب فيها:
يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة.. فلقد علمت بأن عفوك أعظم
إن كان لا يرجوك إلا محسن.. فمن الذي يدعو ويرجو المجرم؟
أدعوك ربي كما أمرت تضرعاً.. فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم؟
مالي إليك وسيلة إلا الرجا.. وجميل عفوك ثم إني مسلم
الشاهد من إيراد هذا الخبر: إن الإنسان لا يغتر بصالح عمله، وظاهر استقامته، ويحتقر أهل الفسق والمعاصي؛ فرب متلبس بطاعة يدخله من العجب ما لا تقبل معها طاعته، ورب مقارف لمعصية قد يقع في قبله من الانكسار والخضوع والألم عند موقعتها، لكن غلب عليه سلطان الهوى فسقط في الإثم.
نسأل الله المغفرة والرحمة