عواصم - (وكالات): تلقى خادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود اتصالاً هاتفياً من الرئيس الأمريكي باراك أوباما استعرضا خلاله تطورات الأوضاع السياسية في العراق، والخطر الذي تشكله الأزمة على أمن واستقرار العراق والمنطقة بشكل عام. كما ناقش العاهل السعودي مع الرئيس الأمريكي ضرورة تشكيل حكومة عراقية جديدة تشمل كل العراقيين وكافة الأطياف العراقية. إلى ذلك قدم الرئيس الأمريكي الشكر للسعودية لتقديم مبلغ 500 مليون دولار كمساعدات إنسانية للمتضررين من الصراع الدائر في العراق.
في غضون ذلك، قالت قناة «العربية» إن السعودية نشرت 30 ألف جندي على حدودها مع العراق بعد انسحاب الجنود العراقيين من المنطقة غير أن بغداد نفت الخبر وأكدت أن الحدود لاتزال تحت سيطرتها الكاملة. من ناحية أخرى، حصلت صحيفة «الحياة» اللندنية على محضر اللقاء الذي جمع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بوزير الخارجية الأمريكي جون كيري خلال زيارة الأخير للعراق. ويبدو أن كيري أكد للمالكي، استناداً إلى معلومات موثوقة، أن المسلحين المناوئين للمالكي ليسوا كلهم من «داعش» ولا تكفيريين محذراً من أن تدخل إيران سيدفع واشنطن إلى خيارات أخرى. في موازاة ذلك، وضع رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني الأكراد على طريق الانفصال بعدما طلب الاستعداد لتنظيم استفتاء على حق تقرير المصير، في تحد إضافي لوحدة البلد الذي ينازع في مواجهة هجوم كاسح لمسلحين يسيطرون على أجزاء واسعة من البلاد، وينتمون لفصائل عراقية مختلفة مناهضة لحكم المالكي بينهم مقاتلون من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» . وفيما كانت واشنطن تدعو العراقيين إلى الوحدة مجدداً، استكمل المالكي خطوته التصالحية مع العشائر الذين حملوا السلاح ولم يتورطوا بأعمال قتل، بإعلانه في بيان أمس أن العفو الذي أصدره عن هؤلاء يشمل أيضاً ضباط الجيش السابق.
وقال بارزاني في خطاب في البرلمان المحلي للإقليم الكردي «اقترح عليكم الاستعجال في المصادقة على قانون تشكيل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات لكردستان لأن هذه هي الخطوة الأولى وثانياً إجراء الاستعدادات للبدء بتنظيم استفتاء حول حق تقرير المصير». وأضاف بارزاني أن هذا الأمر «سيقوي موقفنا وسيكون بيدنا سلاحاً قوياً ويجب عليكم دراسة المسألة وكيفية إجراء هذا الاستفتاء»، الأمر الذي رفضته واشنطن في وقت لاحق.
وسيطر الأكراد منذ بداية الهجوم الكاسح، الذي يشنه مسلحو الفصائل منذ أكثر من 3 أسابيع في أنحاء متفرقة من العراق، على مناطق متنازع عليها مع بغداد بعد انسحاب القوات العراقية منها، وعلى رأسها مدينة كركوك الغنية بالنفط شمال بغداد.
ورغم رفض المالكي انفصال الأكراد وبقاء هذه المناطق تحت سيطرتهم، قال بارزاني في خطابه «الذين يقولون إنهم سيعودون إلى هذه المناطق أنا أقول لهم بأنهم على خطأ لأن البشمركة لن تنسحب منها بأي حال من الأحوال». في هذا الوقت، قال المالكي في بيان نشر على موقع رئاسة الوزراء رداً على سؤال حول ما إذا كان العفو الذي أعلن عنه يشمل ضباط الجيش العراقي السابق الذين ربما انخرطوا في أعمال مخالفة «نعم».
وأضاف «نعلن الآن العفو عن الضباط الذين ينبغي أن يكونوا حريصين على تحقيق وحدة بلدهم ومنع محاولات تقسيمه وتجزئته على خلفيات طائفية أو عنصرية أو أن يقع تحت هيمنة الإرهابيين من حملة السلاح سواء كانوا أجانب مرتزقة أو عراقيين». وتابع «أدعو جميع الضباط وكل من يريد الرجوع للصف الوطني للعودة إلى حضن العراق الواحد، نحن نعمل بجد لجمع كلمة كل العراقيين الذين يؤمنون بالعراق ووحدته وسيادته وقوته من عشائر وجماهير ومثقفين وسياسيين». ويرى مراقبون أن خطوة المالكي محاولة للتقرب من السنة الذين يتهمونه بالعمل على تهميشهم، وأيضا لعزل المتشددين وخصوصاً عناصر تنظيم «الدولة الإسلامية» أقوى المجموعات الجهادية في العراق وسوريا الذي أعلن «قيام الخلافة الإسلامية» في المناطق التي يسيطر عليها في هذين البلدين المجاورين.
وجاءت مبادرة المالكي بعدما فشل البرلمان العراقي في انتخاب رئيس له في جلسته الأولى الثلاثاء الماضي بحسب ما ينص الدستور، مستنسخاً الانقسام الذي ظلل عمل البرلمان السابق لأربع سنوات.
وتطغى مسألة ترشح المالكي الذي يحكم البلاد منذ عام 2006 لتولي رئاسة الحكومة لولاية ثالثة على العملية السياسية في العراق. وفي هذا السياق، دعت الولايات المتحدة زعماء الأكراد والسنة العراقيين إلى تحمل مسؤولياتهم والمساهمة في تشكيل حكومة وحدة وطنية «سريعاً» في بغداد للتصدي للهجوم الجهادي.
وشدد نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس البرلمان العراقي السابق أسامة النجيفي خلال محادثات بينهما على أهمية «تشكيل حكومة جديدة سريعاً تكون قادرة على توحيد البلاد». من جهته استقبل وزير الخارجية جون كيري وفداً كردياً وأجرى محادثات هاتفية مع رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني شدد خلالها على الدور الرئيس الذي يلعبه الأكراد في تشكيل الحكومة، علماً بأنه من المتوقع أن يعلن الزعيم الكردي عن استفتاء حول ضم المناطق المتنازع عليها إلى إقليم كردستان.
واتصل الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالعاهل السعودي وطلب منه استخدام نفوذه بعد وقت قصير من إعلان السعودية منح مساعدة إنسانية بقيمة نصف مليار دولار «368 مليون يورو» إلى «الشعب العراقي».
وفي واشنطن، أعلن قائد الجيوش الأمريكية الجنرال مارتن دمبسي أن القوات العراقية عززت دفاعاتها في محيط بغداد لكنها ستكون بحاجة على الأرجح لمساعدة خارجية من أجل استعادة الأراضي التي سيطر عليها المسلحين.
من جهته، حذر ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق نيكولاي ملادينوف من أن العراق قد يشهد فوضى مماثلة للفوضى التي تشهدها سوريا في حال لم يتبع سريعاً «المسار الدستوري»، أي انتخاب رؤساء السلطات الثلاث.
وتأتي حركة الاتصالات الأمريكية في وقت تنازع القوات العراقية لاستعادة مناطق من أيدي المسلحين الذي يسيطرون عليها، وخصوصاً مدينة تكريت شمال بغداد رغم مرور نحو أسبوع على إطلاق عملية واسعة في محيطها. في الوقت ذاته، ذكرت تقارير أن جيش المالكي قصف بطائرات سوخوي محطات توليد كهرباء في الموصل شمال بغداد. من ناحية أخرى، ذكرت قناة «العربية» على موقعها الإلكتروني أن الجنود السعوديين انتشروا في المنطقة الحدودية بعد أن هجرت القوات العراقية مواقعها هناك تاركة المنطقة الحدودية مع السعودية وسوريا بدون حراسة.
وقالت «العربية» إنها حصلت على شريط فيديو يظهر نحو 2500 جندي عراقي في منطقة صحراوية إلى الشرق من مدينة كربلاء العراقية بعدما انسحبوا من مواقعهم على الحدود. ويظهر في شريط الفيديو الذي بثته «العربية» ضابط يقول إن الجنود العراقيين تلقوا أوامر بترك مواقعهم دون إعطائهم تبريراً لهذه الخطوة. لكن المتحدث باسم الجيش العراقي اللواء قاسم عطا نفى هذه الأنباء. وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية السعودية اللواء منصور التركي إن السعودية لم تشهد أي تهديد قرب حدودها وأن الحدود السعودية مؤمنة ومحمية قبل أحداث العراق بفترة طويلة.
وتقاتل قوات المالكي لاستعادة مناطق من أيدي المسلحين بمساندة آلاف المتطوعين وجماعات مسلحة سبق وأن خاضت مواجهات مع هذه القوات التي تواجه صعوبات مع وقف زحف المسلحين. ورغم أن الجماعات المسلحة التي تقاتل إلى جانب القوات الحكومية قد تنجح في وقف زحف المقاتلين، إلا أن منح هذه الجماعات دوراً عسكرياً في الوقت الحالي قد يظهر في المستقبل أن الحكومة استبدلت خطراً أمنياً بخطر أمني آخر، وفقاً لمحللين.