بقلم - د. راشد عبدالرحمن العسيري:
رمضان شهر البر والإحسان، شهر الرحمة والغفران، شهر يستبشر بمقدمه الصالحون مواسم الطاعات، ويؤوب فيه المذنبون لرب الأرض والسماوات، أنواره لاحت في الأفق مؤذنة ببداية يوم جديد، فيومه ليس كبقية الأيام، الأجور فيه مضاعفة، والأعمال فيه مباركة، إنها أيام شهر رمضان.
شهرٌ رفع الله قدره، وأعلى شأنه، شهر فضله الله تعالى على سائر الشهور، واختصه بتنزل الهدى والنور، يقول عنه الحق سبحانه وتعالى: «شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدًى للناس وبينات من الهدى والفرقان».
أنواره عمت أرجاء الدنيا، وتزينت بمقدمه السماوات العلا، فمرحباً بنفحات الجنان، ورضا الرب الرحمن، فرحنا برؤية هلاله، فهلاله هلال رشد وخير، واستبشرنا بحلول أول أيامه، فأيامه زينة الدنيا وزاد الآخرة، ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا رأى الهلال قال: «اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، ربي وربك الله، هلال رشد وخير».
لقد كان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم شهر رمضان، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أتاكم رمضان شهرٌ مباركٌ، فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم».
وكذا كان الصالحون يستبشرون بمقدمه، وينقون سرائرهم قبل لقائه، سئل الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: «كيف كنتم تستقبلون شهر رمضان ؟ قال: ما كان أحدنا يجرؤ أن يستقبل الهلال وفي قلبه مثقال ذرة حقد على أخيه المسلم».
إنها أيام مشرقة بطاعة الله، وليالٍ معطرة بذكر الله، فهو شهر جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعاً وفضيلة، لو تكلمنا عن فضائله لما وسعنا الزمان في ذكر محاسنه، فيا سعادة من مد الله له في الأجل، ومتعه بنعيم الصحة، ليغنم بمغفرة الله ورضوانه، والعتق من نيرانه، وليستبشر بحديث نبينا صلى الله عليه وسلم القائل: «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه».
فحقيق بمن استقبل رمضان وهو في نعمة الله تعالى، أن يشكر هذه النعمة بأداء حقها، وأن يستغل هذه الأيام المباركة بما يرضى المولى عز وجل، عنه، فإن الله تعالى غني عن عبادة العباد، ولكنه سبحانه جعل فرصاً لعباده لكي يترقوا في سلم العبودية، ليأخذوا من هذه الدار زاد لهم لدار القرار.
فلنستغل فرصاً قد أتت، ولنتعرض لنفحات الله تعالى في هذا الشهر الكريم، ولنعقد العزم من أول يوم من أيامه، أن نكون إلى الله أقرب وعن النار أبعد، لكي لا نضيع فرصاً قد أتت، فلعلنا لا ندرك رمضان، ولعل رمضان يأتي ولا يلقانا، فكم من عزيز كان معنا في رمضان الماضي وهو الآن تحت الثرى.
وليكن همنا في هذا الشهر مرضاة رب العالمين، ولنضع لأنفسنا أهدافاً تسموا بأرواحنا، ولنغتنم هذا الشهر من أول أيامه، ولنستغل ساعاته ولحظاته، لننعم برضا خالقنا، ولنفوز بخيري الدنيا والآخرة .
فحمداً لك ربنا أن بلغتنا رمضان، ونسألك الإعانة على الصيام والقيام، وأن تمن علينا بتمامه بالقبول والرضوان.
هنيئاً لكم حلول شهر رمضان، «ومبارك عليكم الشهر».