في ظل التسارع الشديد الذي تشهده وسائل الاتصالات والإعلام، في امتداد لسياسة العولمة المشهودة حتى بات العالم كقرية بل كالحي الصغير، ومن جملة ما خرجوا به من الاختراعات والابتكارات: «مواقع التواصل الاجتماعي»، حتى صار الخبر من الأخبار عظيماً كان أو حقيراً يسمع في أقاصي المعمورة بسرعة متناهية فور حدوثه.. وصار الناس سباقين في نشر أخبار العامة والخاصة؛ ليحوزوا قصب السبق في أعداد المشتركين في قنواتهم الإعلامية، فائقين بذلك (رويترز) والـ(سي إن إن) سرعة وانتشاراً..
ومما يميز شبكات التواصل الاجتماعية أن الرجل يكون متخفياً -إذا أراد- خلف جهازه الذكي يسرح و يمرح متنقلاً بين الأخبار فاعلاً أو متفاعلاً معها دون رقيبٍ قانونيٍ عليه في الجملة، فتجد منه من الجرأة والجسارة في مثل هذه العوالم الافتراضية ما لا تجدها منه لو فتشت في عالمه الحقيقي..
لكن انعدام الرقيب البشري لا يعني انعدام الرقيب الإلهي، فالإنسان في هذه الدنيا محاسب ومؤاخذ بكل ما يصدر منه، كما ذكر في القرآن الكريم، وهذا عام في جميع أحوال الإنسان، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم عن خطورة ذلك في وصيته المشهورة لسيدنا معاذ بن جبل رضي الله عنه حينما أخبره بملاك الخير كله: فأخذ بلسانه صلى الله عليه وسلم وقال: «كف عليك هذا»، فقلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: «ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم».
الشاهد: أن الإنسان قد يحمله التحمس لنشر خبر أو قضية دون النظر فيها أو التثبت، فضلاً عن النظر في عواقب بثها كل ذلك مع خفة الرقابة القانونية عليه، وهو في هذا مسؤول عنه ومحاسب.. بل عد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك من الكذب فقال: «كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع»، وهذا شأن كل حاطب ليل جماعٍ للأخبار متحدثٍ في كل مجلس بما تلاقطته أذناه من الإعلام، أو تناولته الألسنة من القضايا.. وأحرى من يدخل بجملة ذلك في زماننا مروجي الأخبار في الشبكات المعلوماتية فغالب ما يدار فيها عار عن الصحة فضلاً عن المنطق والعقل!! فينبغي على من تصدر أو كان له قدم في هذه الوسائل المتطورة في النقل والنشر أن يشخل ما ترد عليه من أخبار ولا يتسرع في إعادة التصدير والتوجيه لما يرد عليه، ولا يحمله حب البروز والظهور، وتتبع الغرائب والعجائب، أن يرد مورداً صعباً قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم في خبر الرؤيا التي رآها «رجلاً مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر -أي يقطع- شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه.. فإنه الرجل يغدو من بيته، فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق»..
أعاذنا الله وإياكم من ذلك كله