كتبت ـ نور القاسمي:
بعد 35 عاماً من التخطيط والتدبير، أعقبت «نجاح» الثورة الإسلامية في إيران غبان العام 1979، استطاعت المرجعية الدينية التابعة لولاية الفقيه في البحرين، الاستحواذ على المآتم والحسينيات بربوع المملكة ودفعها للتطرف والإرهاب، تنفيذاً لأجندات خارجية يحاول عيسى قاسم تطبيقها.
واستولى أتباع منهج الولي الفقيه الذي يمثله عيسى قاسم، على المآتم والمساجد ومؤسسات المجتمع المدني، بينما أقصيت المراجع الشيعية العربية من الساحة، عن طريق إطلاق ما يسمى بـ«مشروع العمل الإسلامي» أو غيرها في عدد من القرى البحرينية، بتمويل ودعم كبيرين من إيران عبر ما يسمى بـ«المجلس العلمائي» المنحل وجمعية «الوفاق».
وجاء المشروع بقيادة عيسى قاسم ليتحكم بالحياة الاجتماعية داخل القرى والمناطق ذات الأغلبية الشيعية في المؤسسات المدنية، سواء الأندية الرياضية والاجتماعية أو الجمعيات الخيرية ذات الطابع الأهلي.
ويحاول تغيير المفاهيم البحرينية والوطنية داخل الطائفة الشيعية، من خلال فرض أن «الولي الفقيه» هو الحاكم الفعلي لحين قدوم الإمام المنتظر، وهي نظرية أسسها الخميني بعد الثورة الإسلامية مطلع ثمانينات القرن الماضي في إيران. وقال بعض أهالي القرى لـ»الوطن»، إن الأجندة الجديدة المفروضة تقوم على مبدأ «من ليس معنا فهو ضدنا»، ما يؤدي إلى تهديد وإقصاء وتهميش كل من يخالفهم الرأي. بدأ المشروع حسب أقوال بعض المواطنين في القرى، عند تشكيل أتباع «الولي الفقيه» لجان نسائية وشبابية ومراكز إعلامية للترويج للمشروع داخل القرية الواحدة تلو الأخرى، وليكون هو الأقوى إعلامياً من جميع النواحي، بتمويل ما يسمى «المجلس العلمائي» سابقاً وجمعية الوفاق، وخلال الأعوام الماضية تحكم ولي الفقيه في هيئة المواكب الحسينية في البحرين، فتدخلوا في خروج المواكب ومن يتزعمها، وأين تكون المناطق وحتى في أماكن الدخول والخروج. وبعد أحداث التسعينات، برز المشروع وبدأ بانطلاقة سريعة مدعوماً بأجهزة إعلامية قوية ازدادت وتيرتها بعد عام 2002 تحديداً، شكل فيها ولاية الفقيه قواعد سيطرت على الأصوات الشيعية.
وأقصى أصحاب أجندة ولاية الفقيه كل من يخالفهم الرأي عن القيام بشعائرهم الدينية، رابطين المشاركة في أعمال العنف والتخريب بالمشاركة في مواكب العزاء، حيث منعوا من لم يشارك في أعمال الشغب والتخريب من الشبان من المشاركة في «مواكب العزاء» أو حتى دخول المآتم، من خلال عدة مضايقات رواها «الشباب أنفسهم» لـ«الوطن».
وجرى استخدام المساجد والمآتم للترويج لسياسة جمعية الوفاق واستخدامها في المحاضرات السياسية، في محاولة منهم لفرض «الأمر الواقع» على الباقين، ما أثار حفيظة العديد من أبناء الطائفة.
وعلى الصعيد السياسي، برزت جمعية الوفاق كجمعية وحيدة واجب انتخابها، مستغلين فتاوى دينية صدرت عن عيسى قاسم ومقلديه، وتوزيعها في المآتم والمساجد للطائفة، والترويج للخارج أن عيسى قاسم هو المرجع الوحيد للشيعة في البحرين. وخصص الأتباع أياماً عديدة في المآتم لطرح سيرة مؤسسة منهج ولاية الفقيه الخميني، بدلاً من استرجاع سيرة الأئمة الأطهار أو الحوادث الإسلامية والتي عادة ما تروى في المناسبات الدينية.
ويحرص أتباع ولاية الفقيه على ضمان إعداد جيل مؤمن فيه، عن طريق تدريب الأطفال ممن لا تتجاوز أعمارهم 12 عاماً على الولاء للولي الفقيه، واستبدال عبارات «لبيك يا حسين» بـ«لبيك يا فقيه» داخل المآتم، ورفع صور عيسى قاسم ليبرز على أنه المرجع الوحيد لهم في المملكة بعدما تم إقصاء البقية. واستغل جنود ولاية الفقيه العديد من الصناديق الخيرية والمبالغ المخصصة للعوائل المحتاجة، وحرموا منها عوائل لا يشارك أبناؤها في أعمال التخريب، وهذه الصناديق أصبحت تروج لمحاضرات وندوات سياسية يقيمها أعضاء الوفاق أو بقية الجمعيات السياسية سواء المرخصة أو غير المرخصة، من خلال رسائل أحد الصناديق لمحاضرة سياسية لخليل المرزوق داخل إحدى القرى خلال الشهر الفضيل. وعلى مر السنين، استطاع أتباع ولاية الفقيه من تقليد المحرضين، أو أعلام أتباع الولاية في المملكة، مناصب ووظائف حساسة في مؤسسات المجتمع المدني، ومؤسسات الدولة الحكومية.
وخلال رصد لـ«الوطن» لعدد من خطب عيسى قاسم في الدراز، أظهرت أن جميع خطب الجمعة لديه تحدث فيها في موضوعات سياسية خلال الخطبة الثانية، وهي دائماً ما تتصدر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي وبعض الصحف. وارتفع سقف الخطاب لدى قاسم ليصل إلى التحريض على الدولة ورجال الأمن وباقي المواطنين، سواء بشكل مباشر أو من خلال كلمات مبطنة، كـ«لن يصرف الشعب عن مطلبه الأساس صارف، لا الألاعيب السياسية القذرة ولا الإعلام المضاد ولا المال ولا القوة ولا شيء آخر، مما يمتلكون بقادرٍ على أن ينسي الشعب أو يستغفله أو يثنيه عن الإصلاح الجدي الجذري الذي لا أمن للشعب ولا حياة كريمة ولا استقرار ولا حرية بدونه على الإطلاق»، أو «لا ينتظر أحد على الإطلاق من الشعب أن يعود إلى البيوت والمنازل من غير الإصلاح الذي نادى به ويرضاه».