بقلم - د. راشد عبدالرحمن العسيري:
رمضان شهر الخير والغفران، ينشر المودة والرحمة والإحسان، ويعطر بمقدمه أرجاء الزمان والمكان، فكم كنا بشوق لرؤية هلاله، لنعايش أيامه، وننهل من بركاته، ونتفيأ من خيراته، فما لبث أن مضى منه شطره، واكتمل بدره، ولاح في الأفق قمره، مؤذناً بالرحيل، أيام تناقصت، وهي أشرف أيام العام، وليال تصرمت، وهي أبهى ليالي الزمان، كما قال عنها المولى عز وجل: «أياماً معدودات». أيام فاضلة وليال مباركة مضت بين أيدينا، ونحن بين محسن ومفرط ومسيء. فإذا تصور أحدنا أن يومه هذا هو آخر أيام رمضان، فما عسى أن يدور في مخيلته، من خير لم يعمله، أو خير لم يكمله، أو خير عمله، وتمنى أنه استكثر منه، وقد مضى شريف الوقت والزمن.
أعمال وددنا أن نعملها، أو أن نستكملها، أو أن نستكثر منها، وقد مضى وقتها، لتسويف وتضييع وتقصير من أنفسنا، فالحكيم من يحاسب نفسه ويراجعها، لكي لا نضيع فرصاً قد أتت.
فلنعتبر بهلال رمضان الذي اكتمل بدره، ولنسابق شريف الأيام بجليل الأعمال، ولنعمرها في ما بقي من شطره بالصالحات من الأقوال والأفعال، ما دام في العمر متسع وبقية، لكي لا نندم في وقت لا ينفع الندم.
وإن من بين أفضل الأعمال التي يجب على المسلم الاستزادة منها:
- تحقيق التقوى: وهي الهدف الذي شرع من أجله الصيام، فليس الهدف من الصيام مجرد الامتناع عن الطعام والشراب وسائر المفطرات الحسية فقط، بل وجب حفظ الصوم وصونه من كل ما يدنسه أو ينقص أجره، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «رب صائمٍ حظه من صيامه الجوع والعطش، ورب قائمٍ حظه من قيامه السهر».
- تلاوة كتاب الله تعالى: فإن الحرص على تلاوة كتاب المنان، آناء الليل وأطراف النهار، من أجل الأعمال التي يجب الاستزادة منها خلال هذا الشهر، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : «اقرؤوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه».
- البذل والإحسان: فإن الإحساس بمعاناة ذوي الحاجات في هذا الشهر الكريم ومساعدتهم، والنظر في أحوالهم وخاصة الفقراء والمساكين، واليتامى والأرامل والمعوزين من أعظم ما يتقرب به إلى رب العالمين. كذا النظر في أحوال إخواننا المسلمين من العمالة الوافدة في بلادنا، فإنهم باب عظيم من أبواب الخير، فالحرص على تفقدهم وإطعامهم، وحسن معاملتهم ورعايتهم من أوجب حقوقهم علينا، وخاصة في هذا الشهر.
- حسن الخلق: إن حسن الخلق سبيل لتقديم أروع الأمثلة في ترسيخ صورة المسلم الملتزم بأوامر ربه المجتنب لنواهيه، كما إن حسن الخلق سبيل في هداية غير المسلمين، ممن يرون حسن المعاملة والأخلاق الرفيعة التي تحببهم في هذا الدين، وتدفعهم إلى اعتناقه، إلى غير ذلك من أبواب الخير المتعددة من الصدقة والبر وصلة الأرحام وزيارة المرضى. فإن أبواب الخير كثيرة ومتنوعة، فعلى المسلم أن يبادر في استغلال أيام الشهر ولياليه الباقيات، بالبعد عن مواطن الغفلات، والتقليل من الفتور والتكاسل في هذه الليالي المباركات، ولنري الله منا خيراً، فإنما الشهر أيام معدودات، ولنبادر باغتنام الفرص، ولا نضيع فرصاً قد أتت، فإن الحكيم من يستغل الفرص، فإنها قد لا تعود، أو تعود ونحن عن ابتهالها عاجزون. وفقنا الله لاغتنام بما بقي من رمضان، وجعلنا من عتقائه من النيران، وختم لنا بالغفران، ودخول أعالي الجنان.

alaseeri_bh
al.aseeri_hotmail.com