قال الأكاديمي المتخصص في القانون الدستوري والعلوم السياسية المستشار محمد آل بن علي إن الرؤية الشرعية الإسلامية، ورؤية دول غربية عريقة في الديمقراطية تعاقبان على الامتناع عن المشاركة في الحياة السياسية باعتبار المشاركة السياسية حقاً وواجباً معاً، ومن يمتنع عن ممارسة الحق يتعرض للجزاء. وأضاف المستشار محمد آل بن علي «للأسف الشديد سكت المشرع الدستوري البحريني في المادة (1) فقرة (هـ) عن النص على أن حق المشاركة السياسية في الانتخابات (واجب وطني) كما فإن المشروع الدستوري المصري»، رغم أن الفقه والتشريعات المصرية مرجع أساسي للتشريعات عامة في أغلب الدول العربية والخليجية خاصة.. والمؤسف حقاً في هذا الجانب من قصور تشريعي لا يرد ولا يؤخذ على المشرع الدستوري البحريني بقدر ما يؤخذ على المشرع القانوني حينما صاغه وسن المرسوم بقانون (14) لسنة 2002 بشأن مباشرة الحقوق السياسية. وأشار إلى أن هذا المرسوم أكد اعتبار المشاركة في الحياة السياسية حقاً للمواطنين، فللمواطن أن يشارك أو يمتنع عن المشاركة في السياسية متى ما أراد دون أدنى مساءلة. ولكن يمكن أن نعتبر ذلك غفلة تشريعية أو أنه توجه إلى تكريس فكرة رأينا -تصحيح النظام القانوني في ممارسة الحقوق السياسية... وإن كان ذلك كذلك فإن الأمر يبتغي- أن يلزم كل مواطن يتمتع بهذا الحق في استخدامه وإلا كان عرضة للعقاب والجزاء.
المشاركة بالحياة السياسة فرض عين
وأوضح المستشار آل بن علي أن دستور البحرين يؤكد أن الشريعة الإسلامية مصدر رئيس للتشريع... والشريعة الإسلامية تعتبر المشاركة في الحياة السياسية فرض عين وليس فرض كفاية وهذا ما أجمع عليه فقهاء الشريعة الإسلامية، إذ أكد أن فهم الرؤية الإسلامية للمشاركة في الحياة السياسية بأنها فرض عين تستند على (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – والشورى في الإسلام – والبيعة) باعتبارهما يقطعان على أن المشاركة في الحياة السياسية فرض عين تحض على الإيجابية في المشاركة ويعاقب على الامتناع عن المشاركة ويدعمها قولهم هذا بما يقرره حديث الرسول صلى الله عليه وسلم «من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية»، مما يؤكد أن حق المشاركة وممارستها والتأكيد عليها قمة الوجوب، بمعنى القول «إن المشاركة في الحياة السياسية وفق الرؤية الإسلامية تتحول من فرض كفاية إلى فرض عين يوجب على المسلم العمل بها وإلا يؤثم على امتناعه».
وأضاف يمكن أن نقول على صحيح الرؤية الإسلامية لدى فقهاء الشريعة الإسلامية، فقال عليه الصلاة والسلام «من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم»، فالقضايا السياسية ومشاكلها ومتطلباتها وسيلتها والوحيدة هو الاهتمام بالمشاركة في الحياة السياسية، فمن يحرض على الامتناع ومن يمتنع عن المشاركة السياسية صدق عليه قول الرسول الكريم أنه ليس من المسلمين، فالتعاون مع الجماعة في المشاركة السياسية فرض من فروض الإسلام من مقتضيات الدين اللازمة.. ونظامنا القانوني لمباشرة الحقوق السياسية يبتعد عن المصدر الدستوري أن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريع.
وأوضح أن «لم يكن الأمر كما هي الرؤية الإسلامية للمشاركة في الحياة السياسية كفرض عين واجب على المسلم أن يؤديه وإلا أثم.. ألم يكن من المشرع البحريني قبل سن مباشرة الحقوق السياسية أن يتدارس الأفكار المتباينة الفلسفية للاتجاهات العامة التي قال بها الفقهاء في تكييف حق المشاركة في الحياة السياسية من أجل ترجيح الاتجاه الفلسفي الملائم لهذا الحق (المشاركة في الحياة السياسية) والوقوف على الأمرين. الأمر الأول معرفة الاتجاه الحديث المعمول به في الديمقراطيات العريقة الغربية... الأمر الثاني مدى ملاءمة الاتجاهات الحديثة مع الواقع السياسي في مملكة البحرين خاصة من حيث إيديولوجية المصالح للجمعيات السياسية ونقول هذا الأمر الأخير لأهميته في استقرار الوضع السياسي والدستوري».
وذكر أن ظاهرة الامتناع عن المشاركة في الحياة السياسية أول ما ظهرت كانت في اعتلاء القيادات السياسية على المنابر، ثم انتقلت كوسيلة ضغط تستخدمها الأحزاب السياسية في الدول الغربية لتحقيق مصالحها الإيديولوجية فمن هنا رأى فقهاء العلوم السياسية وعلم الاجتماع أن أسلوب الامتناع في المشاركة في الحياة السياسية والدعوى لها لا تمت بأي صلة لمبادئ النظم الديمقراطية ولا يمكن ترك هذه الظاهرة دون قيد أو شرط وأسس نظرية.
المشاركة بالحياة السياسية حق وواجب
وخلص المستشار محمد آل بن علي إلى أن المشاركة في الحياة السياسية حق وواجب معاً ومن يتخلف عن أداء واجبه يعاقب وعلى التجريم أن الامتناع عن المشاركة في السياسة فيه مساس بسيادة الأمة الوطنية.
وأشار إلى أنه بعد أن حاز هذا التوجه الفلسفي لدى الفقهاء الغربيين على ترجيح حججه وسمو مبادئه على أساس أن المصالح العامة تجب المصالح الخاصة أو الفئوية بدأت الدول الغربية تعتبر المشاركة في الحياة السياسية حقاً وواجباً وطنياً معاً ويعاقب كل من يحرض أو يدعو أو يمتنع عن المشاركة في الحياة السياسية ومن تلك الدول التي تأخذ بنظام التصويت الإجباري لتحقيق المشاركة الفعلية في الحياة السياسية للمواطنين بعيداً عن الأهواء والمصالح الفئوية وضبط المشاركة السياسية للأحزاب السياسية من ترجيح مصالحها الإيديولوجية على المصالح العليا للأمة «الدنمارك، أستراليا، إيطاليا، بلجيكا، الأرجنتين، لكسمبروج، التشيك، رومانيا، النمسا، اليونان، تركيا بعض الولايات السويسرية، تشيلي... وغيرها».
وقال إن هناك ضغوطاً تمارس في فرنسا للأخذ بالتصويت الإجباري في الانتخابات لتحقيق المصالح العليا للأمة ونجح الفقه الفرنسي في جعل انتخابات مجلس الشيوخ إجبارياً وهي خطوة لقراره في المجالس الفرنسية المنتخبة الأخرى... وحققت هذه الدول نجاحاً سياسياً وقانونياً في حماية سيادة الأمة الوطني ومصالحها العليا ونظامها الديمقراطي.. إذ أظهرت النتائج في هذه الدول انخفاضاً كبيراً في نسبة الامتناع عن المشاركة السياسية.
وأضاف المستشار آل بن علي أن عقوبة الممتنع عن المشاركة في السياسة في بعض الدول الغربية تصل إلى الحرمان من تولي الوظائف العامة والخدمات التي تقدمها الحكومة.
وأكد أن الحجج والتبريرات التي ساقها فقهاء الشريعة الإسلامية في تحويل المشاركة في الحياة السياسية من فرض كفاية إلى فرض عين واجب على المسلم العمل به تتشابه إلى حدٍ بعيد مع حجج الفقهاء الغربيين في إرساء نظر الإجبار على المشاركة في الحياة السياسية فالفقه الإسلامي والغربي يؤكدان أن الامتناع عن المشاركة فيه مساس بالسيادة الوطنية للأمة ويتفقان كذلك على أن إجبار المواطن على التصويت لا يتناقض مع الإسلام عند فقهاء الشريعة الإسلامية ولا يتناقض مع إيديولوجية الديمقراطية الغربية وحرية التعبير لدى الفقهاء الغربيين، وأن الإجبار على المشاركة في الحياة السياسية بات أمراً ضرورياً بالنسبة للسير الطبيعي للنظم الديمقراطية ذات المؤسسات الدستورية.. وتمنى على المشرع البحريني الأخذ بهذا التوجه.