إن من رحمة الله بهذه الأمة أن أمدها بفرص ومناسبات يستدرك العبد فيها تقصيره؛ ويزيد فيها إيمانه وأعماله، ويتلافى ما وقع فيه من خلل أو زلل، ويتقرب إلى ربه بصالح العمل، من هذه المناسبات شهر رمضان، ذلكم الشهر الذي تعظم فيه الأجور وتزداد، وتفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب النيران وتصفد الشياطين، وتعتق الرقاب من النار، فها هو قد أقبل بنوره وعطره، وجاء بخيره وطهره، جاء ليربي في الناس قوة الإرادة، ورباطة الجأش، ويزيد فيهم ملكةَ الصبر، ويعوِّدهم على احتمال الشدائد، والجلد أمام العقبات ومصاعب الحياة.
فهو بحق مدرسة تربوية يتدرب فيها المؤمن على تقوية الإرادة في الوقوف عند حدود ربه في كل شيء، والتسليم لحكمه في كل شيء، وتنفيذ أوامره وشريعته في كل شيء، وترك ما يضره في دينه أو دنياه أو بدنه؛ ليضبط جوارحه وأحاسيسه جميعاً عن كل ما لا ينبغي، ويحصل على تقوى الله في كل وقت وحين، وأي حال ومكان.
فأجواء رمضان أجواء رائعة، وهي فرصة يسوقها الله إلينا كل عام؛ لنعيد برمجة أنفسنا إيجابياً، وسط هذه الأجواء الإيمانية المفعمة بالنقاء والصفاء الروحي، فمن كان مفرطاً في صلاة الجماعة لا يصليها أو يؤخرها، عليه أن يراجع نفسه فيحافظ عليها، ومن كان مفرطاً في قراءة القرآن، ومن كان قاطعاً لأرحامه، عليه أن يراجع نفسه وليتأمل أوضاعه قبل فوات الأوان، فما هو فيه اليوم من صحة وعافية، وفتوَّة وقوة؛ لابد أن يعقبها النقصان، فإن الصحة يعقبها السقم، والشباب بعده الهرم، والقوة آيلة إلى الضعف، ولكن أكثر الناس لا يعقلون.
عبداللطيف بن نجيب بن أحمد
متطوع بدار يوكو لرعاية الوالدين