إن الله I لما خلق الخلق و قسم الأرزاق بينهم و الآجال: قد قسم الأخلاق كذلك والطباع؛ فتجد الناس مختلفين في ذلك أشد الاختلاف، تجد الغضوب الحازم، وتجد الرفيق الحالم، تجد الصعب الحزن، وتجد الهين اللين، تجد الجواد الكريم، وتجد الشحيح البخيل.. والمشاهدات في تغير أحوال الناس أشهر من أن تسبر في هذا المقام..
الشاهد.. لما جاء وفد إلى النبي يسألونه عن العرب فقال: «تجدون الناس معادن كمعادن الفضة والذهب، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا»، قال شراح الحديث معلقين على هذا التشبيه البليغ من النبي: تجد الناس أصولاً مختلفة ما بين نفيس وخسيس كما المعدن؛ فاختلاف الناس في الغرائز والطبائع كاختلاف المعادن في الجواهر و أن رسوخ الاختلاف في النفوس كرسوخ عروق المعادن فيها. فكما أنك تجد من الناس الأصيل الذي لا تغيره نعمة أو نقمة كالذهب لا يتغير بعوامل التغيير، تجد أيضاً من الناس من يتغير لأدنى الأسباب كالحديد يصدأ متى عرض على المغيرات..
ومع هذا كله لا يعني أن الإنسان يميل إلى خلقه حيث مال، ويركن إلى طبعه فيغلبه إن كان قبيحاً، وإنما يجاهد نفسه في صقلها على أشرف الأخلاق وأجل الطباع، ولذلك قال أبو الدرداء: «إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، ومن يتحرَ الخير يعطه، ومن يتق الشر يوقه».. وليستعن بالله في تغيير طباع السوء.. فقد كان من جملة دعاء النبي: «اللهم اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت». وإن كان تغيير الطباع أصعب من تغيير الجبال كما قيل؛ لكن عاقبتها أحلى من العسل، فإن للأخلاق أثرًا على صاحبها في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا تجده محبباً وقوراً حيث جلس، وفي الآخرة يرفع الله درجته كما أخبر الصادق المصدوق، ولذلك جاء في الأثر : «لقد ذهب حسن الخلق بخيري الدنيا والآخرة».
وكن متمثلاً قول ابن الرجاء: أحبّ مكارم الأخلاق جهدي... وأكره أن أعيب وأن أعابا
وأصفح عن سباب الناس حلماً... وشرّ الناس من يهوى السبابا
رزقنا الله وإياكم الأخلاق الحميدة، والصفات الرشيدة.