أكد العلماء والدعاة بمملكة البحرين أن القرار الصادر مؤخراً من وزارة الثقافة بمنع المخالفات الشرعية بفنادق الثلاث نجوم، قرارٌ في الاتجاه السليم نحو تحقيق الإصلاح الذي ينشده الشعب ويطالب به منذ زمن.
وأعرب العلماء والدعاة في بيان لهم أمس، تأييدهم التام للقرار، داعين ولاة أمر هذه البلاد إلى تعميم المنع لتلك المخالفات الشرعية وجعل ذلك قانوناً يشمل البلاد كافة.
وعبر العلماء والدعاة عن استنكارهم دعواتٍ خرجت من هنا وهناك مطالبةً بإلغاء القرار، مشيرين إلى أنها لا تصب أبداً في مصلحة هذه البلاد. ودعوا كل تاجرٍ وضع شيئاً من ماله في المتاجرة بمثل ذلك أن يتقي الله تعالى، ويتذكر وقوفه أمام الله جل وعلا وحده.
بيان العلماء والدعاة بمملكة البحرين، بشأن: قرار منع المخالفات الشرعية بفنادق ثلاث نجوم.
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد : فإن مما افترضه الله تبارك وتعالى على كل حاكمٍ يتولى أمر المسلمين تحكيم شرع الله جل وعلا ، قال الله تعالى : { وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرًا من الناس لفاسقون) 49 (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكمًا لقومٍ يوقنون ) 50 } [المائدة49-ومن جملة الحكم بما أنزل الله إباحة ما أحله سبحانه وتعالى، وتحريم ما حرمه جل وعلا ، فالحاكم مطالبٌ شرعاً بسياسة الأمة على مقتضى الشرع، وتصرفاته كلها منوطةٌ بما يحقق لهذه الأمة مصالحها ويدرأ عنها ما من شأنه أن يضر بها في أمر دينها ودنياها .
وإن مما جاءت الشريعة الإسلامية بتحريمه والزجر عنه شرب الخمر ، فقد قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون (90) إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون } [المائدة90-91] ، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لعنت الخمر على عشرة وجوهٍ: لعنت الخمر بعينها، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وآكل ثمنها ) [رواه أحمد في مسنده (4787) ، وابن ماجه في سننه (3380) ، وصححه الألباني] ، وقد اتفقت الأمة جمعاء على حرمة ذلك كله؛ لما في ذلك من مفاسد تتمثل بتعطيل عقل الإنسان وجعله يتصرف تصرفاتٍ غير مسؤولة في حال غياب عقله، الأمر الذي قد يؤدي به إلى إهلاك نفسه وإيذاء الآخرين، ناهيك عن المفاسد الأخرى المعلومة لدى الجميع .
كما إن الشريعة الإسلامية قد جاءت بالدعوة للحفاظ على كل ما من شأنه أن يصون الأعراض، وجعلت ذلك مقصداً من مقاصدها الكبرى، فحرمت من أجل ذلك الفواحش وكل ما كان سبيلاً للوصول إليها، قال الله تعالى : { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانًا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } [الأعراف:33] وقال سبحانه : { ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشةً وساء سبيلًا} [الإسراء:32].
وجميعنا يعلم بأن العديد من بلدان المسلمين قد ابتليت بسبب عهود الاحتلال التي مرت بها بتنحية الشريعة الإسلامية والحكم بالقوانين الوضعية التي ما أنزل الله بها من سلطان، فأحلت ما حرم الله تعالى، وحرمت ما أباحه الله جل وعلا ، ومازالت المطالبات من قبل الشعوب الإسلامية بتطبيق الشريعة الإسلامية قائمة ؛ وذلك لعلم هذه الشعوب أن صلاحها إنما يكمن بتطبيق شريعة الله تعالى القائمة على تحصيل المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها.
ومن هنا فإن كل خطوةٍ يكون فيها تحصيل المصالح لهذه الأمة وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها فهي خطوةٌ مباركةٌ وطيبةٌ علينا جميعاً أن نؤيدها ونشد على أيدي القائمين عليها ، ومن ذلك القرار الصادر مؤخراً من وزارة الثقافة بمنع المخالفات الشرعية بفنادق الثلاث نجوم ، فهو قرارٌ في الاتجاه السليم نحو تحقيق الإصلاح الذي ينشده الشعب ويطالب به منذ زمن .
ويجب أن يعلم هنا أنه مع تأييدنا التام لهذا القرار فإننا ندعو ولاة أمر هذه البلاد إلى تعميم المنع لتلك المخالفات الشرعية وجعل ذلك قانوناً يشمل البلاد كافة، فينعم أهل هذه البلاد بالأمن والاستقرار ، وتتنزل عليهم الرحمات والبركات من رب الأرض والسماوات، ويسعد الصغير قبل الكبير برؤية بلادهم خاليةً تماماً من تلك المخالفات الشرعية التي جعلت من الخمر عنواناً لها، ومن الفساد الأخلاقي القائم على جعل المرأة سلعةً أساسية يتاجر بها .
إن أبناء هذه البلاد لا يرضون أبداً أن تكون مملكة البحرين بلاداً تتداول بها الخمور وتستباح بها الأعراض بحجة أن ذلك يقوي اقتصاد البلد، ويستقطب السياح من هنا وهناك، فالاقتصاد القائم على ما يغضب الله جل وعلا لا يمكن أن يكون اقتصاداً مباركاً ، والخير كل الخير إنما يكون في الاقتصاد القائم على ما أباحه الله عز وجل، قال سبحانه : { ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركاتٍ من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون} [الأعراف:96] ، وها هي الدول التي أقامت اقتصادها على ما أحله الله أمامنا نرى نموها وتقدمها وتطورها رغم أنها لم تتاجر بما حرم الله تبارك وتعالى، أضف إلى ذلك كله كيف لعاقلٍ أن يقدم المصلحة المادية على مصالح المجتمع بأسره بحفظ أبنائه من الوقوع فيما من شأنه أن يضيع صحتهم ويشتت أسرهم ؟!
وعليه فإننا ندعو كل تاجرٍ وضع شيئاً من ماله في المتاجرة بمثل ذلك أن يتقي الله تعالى، ويتذكر وقوفه أمام الله جل وعلا وحده، وأن يعلم بأن ما يجنيه من مال عن طريق المحرمات مالٌ غير مبارك، لا يحل له الأكل منه، وأن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبةً نصوحًا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيءٍ قديرٌ } [التحريم:8] .
ومن هنا فإننا نستنكر ما رأيناه من دعواتٍ خرجت من هنا وهناك مطالبةً بإلغاء القرار ، حيث إنها لا تصب أبداً في مصلحة هذه البلاد، ولا تقيم اعتباراً للقيم والمبادئ والأخلاق الإسلامية التي قامت عليها بلادنا، وصدق الله القائل : { والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلًا عظيمًا } [النساء:27] .
يجب أن نكون اليوم جميعاً يداً واحدة في سبيل منع كل ما حرم الله تعالى في هذه البلاد، ودرء كل ما من شأنه أن يسهم في إفساد مجتمعنا، بكل وسيلةٍ مشروعة، كلٌ حسب قدرته واستطاعته، فالخطباء والدعاة لهم دور كبير في محاربة الفساد وتنبيه المجتمع، والإعلام سواء كان مقروءاً أو مسموعاً أو مرئياً عليه مسؤولية عظيمة في تشكيل الرأي العام في مثل هذه القضايا الكبرى بالبلد، كما إن كل فردٍ من أفراد هذا المجتمع عليه أن يقوم بواجبه في الدعوة إلى الإصلاح، وإنكار المنكرات، والإصرار على ذلك، واتخاذ كل وسيلة مشروعة في سبيل تحقيق تلك المطالب، قال الله تعالى : { كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله .. } [آل عمران:110] الآية .
وفق الله قادة هذه البلاد لما يحب سبحانه ويرضى، وجعل أعمالهم الصالحة في رضاه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
صدر : يوم الخميس – 19 رمضان 1435 هـ - 17 / 7 / 2014 .