كتبت ـ شيخة العسم:
كأي شاب يحلم حسين جمال بالزواج، وكأقرانه أيضاً يضع شروطاً لشريكة حياته، هو لا يراها تعجيزية بل ضرورية لاستمرار الحياة الزوجية وديمومتها.
لا يطلب حسين المستحيل، شابة متعلمة جامعية مثله، خلوقة عفيفة طاهرة ابنة عالم وناس حسنة المظهر وتقدر الحياة الزوجية، شروط يمكن أن تتوفر لدى فتيات كثر كما يقول ولابد منها أيضاً!
وضع حسين مقاييس فتاة الأحلام وأبى التنازل عنها قيد أنملة، ولكنه نسي بالمقابل شيئاً مهماً، فالفتاة وذووها أيضاً لهم شروطهم، وهذه الشروط قد لا تكون لها علاقة بالمظهر الخارجي للشاب ومستوى تعليمه وحسبه ونسبه، بل تتعلق بالملاءة المالية والقدرة على تلبية طلبات العروس وتكاليف الزواج.
هذه لم تدر في خلد حسين قبلاً، هو شاب أكمل تواً ربيعه الخامس والعشرين، متخرج من الجامعة وأمامه مستقبل عريض، صحيح أن راتبه 400 دينار فقط، ولكن هذه البداية فقط، وما من شاب إلا ويبدأ من الصفر إلا قلة من الميسورين.
بدأ الشاب المتفائل رحلة البحث عن عروس، سأل و»تطقس» عن فتاة بمواصفات محددة، بعث بوالدته تدق أبواب الجيران باباً باباً، سأل المعارف والأصدقاء والمقربين، وجاءه هؤلاء بما عندهم، كانت القائمة طويلة، وكلهن يحملن المواصفات المطلوبة وأحياناً زيادة، وقال حسين لنفسه كله خير.. «ها المسألة بسيطة التعقيد ليش»!
ترك حسين لنفسه مهلة للتفكير، طابور الفتيات ينتظرنه، وكل واحدة تتمنى أن تكون المرغوبة، أخيراً حسم قراره بعد تمحيص وتقدم لإحداهن، ذهب مستبشراً فرحاً لا يكدر صفوه مكدر، والجيب لا ينقصه مال، 6 آلاف دينار كاملة تستقر فيه، جمعها حسين من الاقتراض من بنك والاشتراك بجمعية، وقال إن المبلغ كافٍ للمهر والشبكة والحفلة ومصاريف الزواج كافة، ماذا أطلب بعد؟!.
يبدو أن حسين لم يحسبها جيداً، فمبلغ 6 آلاف دينار لم يكن قليلاً فقط ليلبي متطلبات الزواج بل تافهاً حتى، والد الفتاة لم يكن كثير المطالب مهر 5 آلاف دينار وحفلة بسيطة وشهر عسل بـ2500 دينار وكفى الله المؤمنين شر القتال.
لم تنل الضربة الأولى من عزيمة حسين، بل زادته عزيمة وإصراراً، وحدث نفسه «بدالها ألف» البنات كثر وهذه متطلبة لا تناسبني، كانت حسبته خاطئة مرة أخرة، وكما يقول المثل «ما تعرف خيرو حتى تجرب غيرو»، فكانت الفتاة الأولى وأهلها الأكثر قناعة، فالمطالب اللاحقة كانت تعجيزية بامتياز، المهر نفسه 5 آلاف دينار أو يزيد، وحفلة العرس بأفخم فندق شرط لا يقبل التنازل، وشهر العسل بدولة أوروبية، وحفلة خطوبة وثوب زفاف وشبكة بـ»هذيج الحسبة».
بدأ اليأس يتسرب إلى قلب حسين، الزواج حكر لأبناء الطبقات المخملية والمليونيرية، وأنا لست منهم قال، ولكنه في قمة يأسه وقع على الفتاة المطلوبة، من «ثوبه» ويبدو عليها التواضع والقناعة، «لن تكون متطلبة يا كريم يارب». جلس حسين مع فتاة أحلامه للتباحث في التفاصيل، هو يناسبها وهي تناسبه من جميع النواحي مسألة محسومة، ولكن التفاصيل يجب أن تناقش، بدأت الفتاة بتبرير المهر الغالي الذي ستطلبه لاحقاً، قالت إن الحياة غالية وتكاليفها تكسر الظهر ولابد من مهر يلبي كل ذلك.
قالت أيضاً إن شبكة الذهب البسيطة لا تقل عن 2500 دينار، الملابس والعطورات والمكياجات كلها غالية، أقل شنطة بـ20 ديناراً وهاي لا ماركة ولا «بطيخ مبسمر» والملابس «حدث ولا حرج» كل قطعة بالشيء الفلاني، وكل فتاة تحلم بليلة زفافها التي ستبقى محفورة بالذاكرة، هذه يجب أن تكون بأرقى فندق، وتحكي عنها البحرين كلها، هي ليلة بالعمر يا إما على أصولها ويا إما بلاها.
أقل صالة من المستوى المتوسط بـ3 آلاف دينار إذا بدك، وحفلة الخطوبة وفستان زواج، المهر 3 آلاف دينار أقل شي، وهذا أقل ما تطلبه أية فتاة بهذا العصر، ودور إذا بدك.
لم ينبس حسين ببنت شفة، ظل يهز رأسه طوال الوقت، وهي لم تكل ولم تمل من ترديد إسطوانة المطاليب، خرج من عندها مقتنعاً تمام القناعة، أن الزواج ليس لأمثاله، ويلزمه عمراً بطوله لتأمين تكاليف ثامن المستحيلات!