إن شهر رمضان قد عزم على الرحيل، ولم يبق منه إلا القليل، فمن أحسن فيه فعليه التمام، ومن فرط فليحسن الختام فالأعمال بالخواتيم، فاغتنموا منه ما بقي من الليالي اليسيرة والأيام القليلة، بأعمال صالحة تشهد لكم عند الملك العلام، وودِّعوه عند فراقه بأزكى تحية وسلام.
سلام على شهر الصيام فإنه
أمان من الرحمن أي أمان
لئن فنيت أيامك الغر بغتة
فما الحزن من قلبي عليك بفان
سلام من الرحمن كل أوان
على خير شهر قد مضي وزمان
لقد ذهبت أيامه وما تزودنا فيه من العمل، وكتبت علينا فيه الآثام والزلل، قلوب المحبين إلى هذا الشهر تحن، ومن ألم فراقه تئن، ودموعهم تهراق على فراقه، كيف لا يجري للمؤمن على فراقه الدمع؟ وهو لا يدري هل بقي له في عمره إليه رجوع مرة أخرى؟ فكم من أناس كانوا معنا في العام المنصرم، وأتى عليهم هذا العام وهم في غياهب اللحود، قد أكلهم الدود، ووجدوا ما عملوا في حياتهم، إن كان خيراً فخير، وإن كان شراً فشر، يتمنى أحدهم الرجوع، لماذا؟ هل للتمتع والشهوات؟ كلا، إنما يتمنى الرجوع ليزداد من العمل.
تذكرت أياماً مضت ولياليا
خلت فجرت من ذكرهن دموع
ألا هل لها يوماً من الدهر عودة
وهل إلى وقت الوصال رجوع
فأين حرق المجتهدين في نهاره؟ أين قلق المجتهدين في أسحاره؟ فكم هي القلوب المنكسرة على فراقه، وكم هي الدموع التي تسيل مشيعة لما أنست به النفوس، كم هي ترجو من الله القبول، وتدعو الله أن يعيده عليها وهي في خير؟
إذا كان هذا جزع من ربح فيه، فكيف حال من خسر في أيامه ولياليه؟ ماذا ينفع المفرط فيه بكاؤه؟ كم نصح المسكين فما قبل النصح؟ كم شاهد الواصلين فيه وهو متباعد؟! كم مر به السائرون وهو قاعد، حتى إذا ضاق به الوقت وحاق به المقت، ندم علي التفريط حين لا ينفع الندم، وطلب الاستدراك في وقت العدم.
أيا شهر الخير أرفق، فدموع المحبين تدفق، قلوبهم من ألم الفراق تكاد تشقق، فعسى وقفة للوداع تطفئ من نار الشوق ما أحرق، وعسى منقطع عن المقبولين يلحق بهم، عسى أسير الأوزار يطلق، فكم من الرقاب قد عتقت.
فاليت شعري من هذا المقبول منا فنهنيه؟ ومن هذا المحروم منا فنعزيه؟
عبداللطيف بن نجيب بن أحمد