بقلم - د. راشد عبدالرحمن العسيري:
ها هي أيام الشهر الفضيل تمضي بنا سريعاً نحو ختام هذا الشهر المبارك، وها هي ليلة القدر الشريفة المباركة، ربما حلت علينا، وربما سوف تحل فيما تبقى، في هذه العشر الباقية من هذا الشهر الكريم، ليلة خصها الله تعالى بخصائص عظمى وفضائل كبرى، يكفي بها شرفاً وقدراً، أنها شرفت بنزول كلام الرحمن، فهي أفضل ليالي العام على الإطلاق، وهي ليلة تنزل الرحمات والبركات، من رب الأرض والسموات.
العبادة في هذه الليلة المباركة خير من عبادة ألف شهر، يقول المولى عز وجل في شأنها: «إنا أنزلناه في ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر، ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر، تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر، سلامٌ هي حتى مطلع الفجر».
فهي ليلة يكافئ المولى عز وجل فيها عباده، لمن تحراها محتسباً الأجر والمثوبة منه سبحانه، أن يغفر له ما تقدم من ذنبه، فيا سعادة من نالها وفاز بأجرها، وأرى الله من نفسه خيراً فاستحق ثوابها وفضلها يقول النبي صلى الله عليه وسلم مبيناً عظيم ثوابها: «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه». وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم زمان هذا الليلة العظيمة، فقال عليه الصلاة والسلام: «تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان»، فهي في الأوتار من العشر الأواخر، أي ليالي: إحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وخمس وعشرين، وسبع وعشرين، وتسع وعشرين.
وقد رجح بعض العلماء أنها تتنقل في هذه الليالي الوتر، وليست في ليلة معينة كل عام، قال النووي رحمه الله: «وهذا هو الظاهر المختار لتعارض الأحاديث الصحيحة في ذلك، ولا طريق إلى الجمع بين الأحاديث إلا بانتقالها».
وقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل ما نقول إذا وافقنا هذه الليلة، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها أنها قالت: «يا رسول الله: أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول؟ قال: قولي: «اللهم إنك عفو كريمٌ تحب العفو فاعف عني»».
فالموفق من اجتهد في تحريها لينال خيرها وثوابها، والمحروم من حرم خيرها واستعاض بحطام الدنيا ومشاغلها ولهوها عن فضلها وخيرها وبركتها.
فهي فرصة لا تعوض، فكم ممن عزم على كسب ثوابها وبركتها، انتهى به الأجل قبل حلولها، وكم ممن أراد نيلها، والظفر بفضلها، شغله المرض عن حلاوة لقائها.
فما دام في العمر بقية، وفي البدن صحة، فلنسارع لنيلها، ولنجتهد فيما بقي من أيام وليالي هذه العشر، علنا نوافق ليلة القدر، وننال ما فيها من عظيم الثواب والأجر، جعلنا الله ممن يوفقون لقيام ليلة القدر كل عام، ونيل ما فيها من ثواب وبركة وأجر، وختم الله لنا شهر رمضان بالعفو والغفران، والعتق من النيران، والفوز بأعالي الجنان، وأعاده الله علينا سنين عديدة وأزمنة مديدة، ونحن في صحة وعافية وحياة رغيدة.

al.aseeri_hotmail.com
alaseeri_bh