كتبت - زهراء حبيب:
أكدت المحكمة الدستورية في حيثيات حكمها بعدم دستورية المادة «20» من قانون المرور الجديد، أن المادة تجرد الأجنبي من الحق بالتنقل بحرمانه من الحصول على رخصة قيادة، وحرية التنقل حق عام وتقييده يجرد الحرية الشخصية، مشيرة إلى أن المادة تحرم الأجنبي الحصول على رخصة قيادة ما ينتقص من حق التنقل اعتسافاً، وتحدد لمن يستحق بالحصول على رخصة القيادة على قاعدة الحرمان الأصلي من الحقوق وتجعل من المنع هو الأصل والإباحة هو الاستثناء.
وقالت المحكمة في حيثيات حكمها، التي حصلت «الوطن» على نسخة منها، إن «المادة تجاوزت الحدود المنطقية التي يعمل فيها حق الأجانب في حرية التنقل، وهي جاءت مخالفة للمادة (19) فقرة(أ) من الدستور، ووصمتها مخالفة المادتين (18) و(31) من الدستور».
وأصدرت المحكمة الدستورية في 2 يوليو الحالي برئاسة القاضي الشيخ خليفة بن راشد آل خليفة حكمها في الإحالة الملكية للمادة 20 من قانون المرور الجديد بأنها غير مطابقة للدستور.
وذكرت المحكمة في الحيثيات أن المادة 20 من مشروع القانون بشأن المرور قد نصت على أنه « مع عدم الإخلال بالشروط الواجب توافرها بالمادة السابقة لا يجوز للأجانب المقيمين في مملكة البحرين من غير مواطني دول مجلس التعاون الخليجي، الحصول على رخصة قيادة أو قيادة مركبة آلية إلا إذا كانت طبيعة عملهم تقتضي ذلك، وتحدد اللائحة التنفيذية طبيعة الأعمال الأخرى التي تمنح بموجبها رخص القيادة للأجانب أو يسمح لهم بقيادة مركبة آلية في مملكة البحرين».
وأشارت المحكمة إلى أنه من المقرر في قضاء المحكمة أن المادة (31) من الدستور، اقتضت أنه «لا يكون تنظيم الحقوق والحريات العامة المنصوص عليها في هذا الدستور أو تحديدها إلا بقانون، أو بناء عليه، ولا يجوز أن ينال التنظيم أو التحديد من جوهر الحق أو الحرية».
ودلل على ذلك على أنه جوهر سلطة المشرع في تنظيم الحقوق يتمثل في المفاضلة التي يجريها المشرع بين البدائل المختلفة التي تتصل بالموضوع محل التنظيم موازناً بينها ومرجحاً ما يراه انسبها لمضمونها وأجدرها بتحقيق مصالح الجماعة واختيار أصلحها ملاءمة للوفاء بمتطلباتها في خصوص الموضوع الذي يتناوله التنظيم، إلا أن ممارسة هذه السلطة مقيدة بضوابط الدستور وحدوده والتي تعد سياجاً لا يجوز تخطيه، فإذا ما عهد الدستور إلى أي من السلطتين التشريعية أو التنفيذية بتنظيم موضوع معين، كان لزاماً على القواعد القانونية التي تصدر عن أي منهما في هذا النطاق ألا تنال من جوهر الحقوق والحريات التي كفلها الدستور، سواء بنقضها من أساسها، أو بانتقاصها من أطرافها، وإلا كان ذلك بمثابة عدوان على مجالاتها الحيوية.
وقالت المحكمة إن المادة (19) من الدستور نصت في البند (أ) منها على « الحرية الشخصية مكفولة وفقاً للقانون» كما ورد في المذكرة التفسيرية للدستور ما يلي: «وفي إطار ما اتجهت إليه الإرادة الشعبية من مبادئ ضمنتها الميثاق، جاءت التعديلات وكان رائدها في ذلك تعميق الاتجاه الديمقراطي، حيث تضمنت التعديلات مزيداً من الحقوق والحريات العامة والواجبات، بما يؤدي إلى تفعيل أكبر للنظام الديمقراطي ويتفق مع حقوق الإنسان التي يحرص المجتمع الدولي على تأكيدها دائماً».
وأوضحت بأن المقرر في القانون الدستوري المقارن وفي قضاء المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن الدولة القانونية هي التي تقرر لمن يقيمون على إقليمها تلك الحقوق والحريات الأساسية التي يتوافق مضمونها مع الضوابط التي التزمتها الدول باطراد في مجتمعاتها، واستقر نهجها على التقيد بها في مظاهر سلوكها على اختلافها، فلا تنزل بالحماية التي توفرها لمن يمارسونها عما يكون لازماً لضمان فعاليتها.
ولفتت إلى أن للدول على صعيد علاقاتها الدولية حقوقاً أساسية تتمثل في ضمان استقلالها ومباشرتها فوق إقليمها، إلا أن مؤدى مناط التكافؤ في السيادة بين الدول أنه لئن خول كلاً منها، أن تنظم شروط دخول غير مواطنيها إليها، وأن تقرر كذلك قواعد ممارستهم لنشاطهم فيها على ضوء مصالحها القومية التي تمليها توجهاتها الداخلية وسياستها الخارجية، إلا أن سلطتها هذه لا يجوز القول بإطلاقها، وإنما تقيدها تلك القواعد الآمرة التي ارتضتها أسرة الدول سلوكاً لأعضائها يبلور أعرافها التي استقر العمل عليها فيما بينها، بما حاصله أن القواعد التي تنظم بها الدول شؤون غير مواطنيها الذين يستقرون فيها بصفة قانونية، وإن لم تكن هي ذاتها التي تشبههم بمواطنيها، إلا أنها تمثل بمستوياتها تلك الحدود الدنيا التي لا يجوز النزول بمعاملتهم عنها، ولا تستقيم حياتها من دونها، فلا تقاس تصرفاتها قبلهم إلا على ضوئها، ولا يعدو الإخلال بها أن يكون نكولاً من الدولة التي نقضتها عن واجباتها الدولية.
وانضمت مملكة البحرين إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية للأمم المتحدة، وتم التصديق على انضمامها بتاريخ 12 أغسطس 2006 وصدر بشأن ذلك القانون رقم(56) ولسنة 2006 ونشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 16 أغسطس 2006، ونصت المادة (121) من هذا العهد على أنه: «لكل فرد يوجد على نحو قانوني داخل إقليم دولة ما حرية التنقل فيه..» كما نصت المادة (26) أنه: «الناس جميعاً سواء أمام القانون ويتمتعون دون أي تمييز بحق متساوٍ في التمتع بحمايته، وفي هذا الصدد يجب أن يحظر القانون أي تمييز وأن يكفل لجميع الأشخاص على السواء حماية فعالة من التمييز لأي سبب كالعرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي سياسياً أو غير سياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو النسب أو غير ذلك من الأسباب»، مشيرة إلى أن عبارتي «فرد» و»الناس» الواردتين في المادتين السالفتين، إنما تستغرقان الناس كافة ولا تنصرفان فقط إلى من انعقدت له صفة المواطن.
وصدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الأربعين قرارها في 13 ديسمبر 1985 متضمناً إعلانها في شأن «حقوق الإنسان للأفراد الذين ليسوا من مواطني البلد الذي يعيشون فيه» مقرراً سريان أحكامه في شأن كل فرد يوجد في إحدى الدول ولا يكون من رعاياها، ومنوهاً بضرورة أن تتقيد الدول في كل تشريعاتها التي تنظم بها دخول غير مواطنيها إليها، وشروط إقامتهم فيها، وما يمكن أن يقوم بينهم وبين رعاياها من الفروق، بالحدود التي رسمتها التزاماتها الدولية، ومبيناً في المادة (5) فقرة (3) منه حقهم في حرية التنقل صوناً لحريتهم الشخصية التي لا يجوز الإخلال بها إلا وفقاً للقانون، مما ينبغي أن يكون مكفولاً بقوانينها المحلية، ومن دون إخلال بالتزاماتها الدولية المتصلة بها.
وذكرت المحكمة في حيثياتها أنه بناء على المعايير الدولية المذكورة سلفاً، لا يجوز إهدارها من خلال أعمال تناهضها تأتيها الدول التي يقيم غير المواطنين بها، إلا في أضيق الحدود والتي تمليها المصالح الوطنية العليا في مجتمع ديمقراطي، فقد أضحى مقضياً أنه كلما كان العمل الصادر عنها متضمناً مساساً بالحقوق التي كفلتها هذه المعايير أو تحديداً لآثارها، أو مبنياً عن إخلالها ولو عن غير قصد بواجباتها أو منحدراً -بوجه عام- بمعاملتهم إلى ما دون مستوياتها الدولية التي لا يجوز التخلي عنها، كان إبطال هذا العمل -من خلال الرقابة التي تفرضها هذه المحكمة في شان الشرعية الدستورية- لازماً أساس ذلك كله ومناط القول فيه ما اقتضاه صدر المادة «18» من الدستور أنه (الناس سواسية في الكرامة الإنسانية).
وأشارت المحكمة إلى أن حرية التنقل -وما يقارنها من اختيار الفرد لوسيلة تنقله- هي المعتبرة بمقتضى الدستور وعلى ما جرى به البند (ب) من المادة (19) من الدستور، من عناصر الحرية الشخصية فلا تتكامل بعيداً عنها، ومؤدى ذلك أن حرية التنقل حق عام وأن تقييده دون مقتضى مشروع إنما يجرد الحرية الشخصية من خصائصها ويقوض صحيح بنيانها.
وأكدت أن نص المادة (20) من مشروع قانون المرور، وإن لم يجرد الأجنبي من الحق في التنقل، إلا أنه إذ حرمه من الحصول على رخصة قيادة أو مركبة آلية، فإنه يكون قد نظم هذا الحق على نحو يؤدي إلى انتقاصه من أطرافه اعتسافاً، وإلى التضييق منه تحكماً، مقيماً بذلك مركز الأجنبي في البحرين -في حدود الحق في الحصول على رخصه قيادة أو مركبة آلية- على قاعدة الحرمان الأصلي، من الحقوق جاعلاً المنع هو الأصل والإباحة هو الاستثناء، حال أنه من المقرر في الأشياء الإباحة استصحاباً لأصل الحرية في حدود ضوابط الدستور، فمن ثم فإن المادة تكون قد جاوزت الحدود المنطقية التي يعمل فيها حق الأجانب في حرية التنقل، وهي فرع من الحرية الشخصية، تقيمها على سوائها، فلا تنفصل عنها، واكتنفها بالتالي عوار عدم مطابقتها للمادة (19) فقرة (أ) من الدستور، ووصمتها مخالفة المادتين (18) و(31) من الدستور.
ونصت المذكرة التفسيرية للدستور بشأن حجية وآثار قرارات المحكمة الدستورية الصادرة في إطار مباشرتها لاختصاصاتها بالرقابة السابقة، على الآتي «وقد حرص النص على أن يوضح أن التقرير الصادر من المحكمة في هذه الحالة ملزم لجميع سلطات الدولة، وللكافة ليمنع بذلك إعادة الطعن على القانون بعد صدوره لسابقة الفصل فيه»، منوهة إلى أن الإحالة المالكية اقتصرت على المادة «20» من مشروع قانون المرور دون غيرها من مواد المشروع ذاته، فمن ثم فإن الحجية المطلقة لقرار المحكمة الدستورية الصادر بشأنها وما يستتبعها من آثار يقتصر عليها ولا تتعداها إلى غيرها من مواد مشروع القانون، وعليه قضت المحكمة بعدم مطابقة المادة للدستور».