حوار - وليد صبري:
أكد سفير المملكة المغربية لدى مملكة البحرين أحمد رشيد خطابي أن «حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك مملكة البحرين المفدى، قام بإصلاحات دستورية ومؤسساتية أسست تجربة رائدة بالمنطقة، دعمت الصف الوطني، واحتوت العنف والإرهاب»، مشيراً إلى أن «جلالة الملك أطلق مشروعاً إصلاحياً طموحاً للبناء الوطني والديمقراطي». وأضاف خطابي في حوار لـ «الوطن» في الذكرى الـ 15 لعيد العرش بالمملكة المغربية أن «حجم التبادل التجاري بين البحرين والمغرب بلغ أكثر من 102 مليون دولار»، موضحاً أن «هناك أكثر من 40 اتفاقية تعاون بين البلدين في إطار الشراكة المتجددة والواعدة، كما أن البلدين يسعيان لاستغلال فرص الاستثمار والتبادل وتذليل العوائق خاصة تأمين النقل البحري والجوي». وذكر أن «دستور 2011 حظي بإجماع الشعب المغربي وكان نتاج مقاربة توافقية وتشاركية لجلالة الملك محمد السادس»، لافتاً إلى أنه «لا تعارض بين انتمائنا المغاربي وشراكتنا الخليجية». وشدد خطابي على أن «القضية الفلسطينية وفي جوهرها القدس الشريف تظل في صلب الانشغالات الأساسية لجلالة الملك محمد السادس». وإلى نص الحوار:
كيف تقيمون العلاقات بين المغرب والبحرين، على كافة الأصعدة؟
- العلاقات بين المغرب والبحرين علاقات تاريخية ووطيدة، فنحن نتقاسم أواصر الانتماء ووشائج الأخوة والتضامن، فضلاً عن رصيد اتفاقيات التعاون الذي تجاوز الـ 40 اتفاقية في إطار شراكة متجددة وواعدة، تلكم العلاقات التي تعتبر نموذجاً لما ينبغي أن تكون عليه العلاقات العربية التي نعمل على تنميتها في جميع القطاعات على هدي التوجيهات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس وأخيه صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظهما الله.
التبادل التجاري
ما حجم التبادل التجاري والصادرات والواردات بين البلدين؟
- حجم المبادلات لايزال ضعيفاً حيث يبلغ 102.832.588 دولار أمريكي، علماً بأن الميزان التجاري لصالح البحرين، لذا نسعى سوياً لتفعيل مجلس الأعمال، وتنفيذ التزامات الطرفين بما فيها مذكرة التفاهم بين المركز المغربي لتنمية الصادرات، وغرفة التجارة والصناعة بمملكة البحرين. إن توصيات المنتدى الاقتصادي المغربي البحريني الذي انعقد بالمنامة في مايو 2012 بتعاون مع السفارة المغربية، أكد ضرورة تفعيل المجلس المذكور واستغلال فرص الاستثمار والتبادل، وتذليل العوائق المطروحة، خاصة تأمين النقل البحري والجوي، فالمغرب أرضية للإنتاج والتصدير والاستثمار، مثلما أن البحرين تعتبر مركزاً مالياً واستثمارياً، وعلى الفاعلين الاقتصاديين الاستغلال الأمثل للإطار القانوني والآليات القائمة.
كيف تقيمون علاقات المغرب بدول مجلس التعاون الخليجي وهل لها انعكاس على عضويته في اتحاد المغرب العربي؟
- بقدر ما يعتز المغرب بعلاقاته الراسخة على الصعيد الثنائي مع دول الخليج حرص منذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي، على إطلاق تعاون مثمر على المستوى المتعدد الأطراف. وكما تعلمون، فإن هذه العلاقات شهدت طفرة نوعية بفضل النتائج الإيجابية للزيارة التي قام بها جلالة الملك للمنطقة في 2012 والتي توجت بإقامة شراكة استراتجية. كما أن خطة العمل 2012-2017 التي وقعت بالمنامة في نوفمبر 2012 خلال الرئاسة الدورية لمملكة البحرين، تعد «خارطة طريق» للتعاون المشترك. إن العالم العربي يمر بمرحلة حرجة من الاضطرابات والتقلبات والمخاطر التي تهدد مقدرات المنطقة العربية، ووحدة دولها وسيادتها، وما أحوجنا للابتعاد عن النزاعات المفتعلة والشعارات الجوفاء، التي لم تولد سوى مشاعر اليأس والإحباط ومظاهر الخراب والفرقة، فمثل هذه الشراكات حتمية لصالح مستقبل أجيالنا، أما فيما يتعلق بالشق الثاني من السؤال، فالمملكة المغربية جزء من المغرب الكبير منذ أول دستور في 1962، وظل هذا الاختيار اختياراً ثابتاً في جميع المراجعات الدستورية، بما في ذلك دستور 2011 الذي نص على الالتزام بالعمل على بناء الاتحاد المغاربي كخيار استراتيجي. إن الدول الخمس لن تستطيع منفردة كسب رهاناتها التنموية والأمنية، فهي، في احترام كامل لسيادتها ووحدتها الترابية، مطالبة ببناء هذا الصرح علماً بأن جلالة الملك دعا بكل مسؤولية لانبثاق نظام مغاربي جديد، نظام مؤثر في محيطه العربي، وفاعل في عمقه الإفريقي وجواره الأورومتوسطي. فلا تعارض إذن بين انتمائنا المغاربي وشراكتنا الخليجية بل إن الأمر متكامل إذا ما ذللت العقبات الموضوعية للانخراط في مسار اندماجي متجانس قادر على التجاوب الملموس مع تطلعات شعوب العالم العربي في الاستقرار والتنمية المشتركة والعيش الكريم.
كيف ترون الإصلاحات السياسية في البحرين، خاصة مع تعنت الجماعات الراديكالية ودعمها للعنف والإرهاب ومحاولتها الاستقواء بالخارج؟
- كما تعلمون فإن جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة بادر بعد توليه مقاليد الحكم في 1999 لإطلاق مشروع إصلاحي طموح للبناء الوطني والديمقراطي بوضع الميثاق الوطني ودستور جديد بارتباط مع رؤية 2030 الاقتصادية والتنموية التي مكنت البحرين من احتلال مكانة متقدمة في مجال التنمية البشرية، وهو المسار الذي تعزز في السنوات الأخيرة بإصلاحات دستورية ومؤسساتية واجتماعية وحقوقية وإعلامية كان لها الأثر العميق تأسيس تجربة رائدة في المنطقة، وتجاوز تداعيات الأحداث المؤسفة التي عاشتها البلاد في 2011 وتثبيت الوحدة الوطنية، واحتواء أعمال العنف والإرهاب، ودعم الصف الوطني، للوقوف ضد كل أشكال التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية لمملكة البحرين الشقيقة.
يؤكد خبراء ومحللون أن دستور المغرب الجديد يكرس ملكية دستورية ديمقراطية برلمانية، كيف تقيمون تلك الخطوة في تاريخ البلاد؟
- فعلاً، دستور2011 الذي حظي بإجماع الشعب المغربي وكان نتاج مقاربة توافقية وتشاركية كرس ثوابت المملكة واختياراتها التي لا رجعة فيها، في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون في نطاق انصهار المكونات والروافد الوطنية والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن في تلازم بين حقوق وواجبات المواطنة. كما وضع الدستور هندسة متوازنة للسلطات ورسخ الدور الفاعل للديمقراطية التشاركية ومؤسسات حماية حقوق الإنسان والحريات والتنمية البشرية، وجعل من الجهة رافعة حقيقية للتنمية المندمجة والمستدامة والمتضامنة.
ماذا عن توجهات الدبلوماسية المغربية؟
- الدبلوماسية المغربية استندت عبر تاريخها العريق على تأثيرات الموقع الجغرافي وتراكمات الموروث التاريخي للدولة – الأمة المغربية. ومنذ الاستقلال في 1957 ارتكزت كذلك على اختيارات المغرب المنفتحة فـي وقت كانـت فيه جل أنظمة الحكم في العالم الثالث خاضعة لإيديولوجية هيمنة الحزب الوحيد والاقتصاد الموجه. فالمغرب من البلدان التي تهافتت عليها القوى الاستعمارية الأوروبية منذ أواخر القرن الخامس عشر لكنه تمكن من الصمود في وجه هذه الأطماع، وحافظ على شخصيته القانونية، ولم يخضع لحماية فرنسا وإسبانيا، إلا بشكل متأخر في 1912. ومن الطبيعي أن تجد الدبلوماسية المغربية نفسها دائما والحالة هذه في الخط الأمامي للدفاع عن قيمنا الأصيلة وحوزة التراب والسيادة الوطنية. كما أن هذه التوجهات ارتكزت على مبادئ الواقعية واحترام استقلال وسيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وعلى أسلوب قائم على الاعتدال والاتزان والانفتاح وفضائل الحوار. ومنذ أول خطاب لمحرر الأمة جلالة الملك المغفور له محمد الخامس بالجمعية العامة في 1957 أكد الالتزام بمبادئ العدالة والشرعية والحرية والمساواة والتضامن، وهو النهج القويم الذي ترسخ على الصعيد العربي والإسلامي والإفريقي وتوسع إشعاعه الدولي على عهد جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني بحكمته المشهودة. وقد أعطت المقاربة الاستشرافية لجلالة الملك محمد السادس، والمشروع الحداثي الديمقراطي الذي يقوده جلالته زخماً وحيوية للفعل الدبلوماسي، ودعمت مكانة المغرب كقطب جهوي وعامل استقرار وسلم بالمنطقة، فضلاً عن تحديث آليات الأداء الدبلوماسي وإدخال إصلاحات هيكلية، ومنها إحداث إدارة خاصة بالقضايا الشاملة وبالدبلوماسية العامة والفاعلين غير الحكوميين بوزارة الشؤون الخارجية، والتعاون من منطلق الدور الأساسي للدبلوماسية الموازية. وهكذا، أصبح الجهاز الدبلوماسي أكثر فاعلية وانسجاما مع أولويات ومحددات السياسة الخارجية، وأكثر تفاعلاً مع قضايا محيطنا وجوارنا وارتباطاً في نطاق التعاون جنوب - جنوب ببعده الإفريقي، ولا سيما مع بلدان الساحل والصحراء، وكذا حماية حقوق ومكاسب أفراد الجالية المغربية عبر العالم.
ما هي مهمة الدبلوماسية المغربية في ظل الصعوبات والعوائق التي تواجه مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية؟
- إن أوجب واجبات الدبلوماسية المغربية الدفاع عن مشروعية مغربية الصحراء في ظل التوجيهات الملكية السامية. ومن هذا المنطلق، فإن المغرب الذي طرح في 2007 مبادرة الحكم الذاتي في أقاليمه الجنوبية في إطار وحدته الوطنية وسيادته الترابية يقف بكل حزم وبروح من التعبئة والإجماع الوطني وراء جلالة الملك رمز وحدة الأمة وضامن استقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة، لإحباط المناورات اليائسة لخصوم وحدتنا الترابية مواصلا التعاون الكامل مع الأمم المتحدة والمبعوث الشخصي للأمين العام لطي ملف هذا النزاع الإقليمي المفتعل، وفق هذه المبادرة التي حظيت بتجاوب واضح من المجتمع الدولي والقوى الفاعلة في أفق لإيجاد حل سياسي نهائي متوافق عليه ضمن محددات المسار الأممي الذي لا بديل ولا غنى عنه. ورغم أن قرارات مجلس الأمن بما فيها القرار الأخير 2152 في أبريل الماضي تشيد بالجهود المغربية المتسمة بالجدية والمصداقية وتؤكد «بأن التوصل إلى حل سياسي لهذا النزاع الذي طال أمده من شأنه تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في اتحاد المغرب العربي والإسهام في تحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الساحل «، إلا أن جارتنا الجزائر، مع بالغ الأسف، ما زالت تعاكس هذا التوجه الدولي في التعاطي السلبي مع قضية مصيرية بالنسبة للشعب المغربي، متجاهلة مسؤولياتها السياسية والدبلوماسية والإنسانية فيما يتعلق بتسجيل وإحصاء اللاجئين في «مخيمات تندوف» الموجودين فوق الإقليم الجزائري.
عاهل المغرب أقر خطة دعم المساجد لمواجهة التشدد، إضافة إلى منع رجال الدين من ممارسة السياسة.. كيف تقيمون تلك الخطوات؟
- إن الإصلاحات التي شملت تنظيم العلاقة التعاقدية مع المكلفين بمزاولة الإمامة والخطابة، خاصة ما يتعلق بالالتزام بالثوابت الدينية لبلادنا والتحلي بصفات الوقار والاستقامة والمروءة وعدم ممارسة أي نشاط سياسي أو نقابي طيلة مدة مزاولتهم لمهامهم، تندرج في إطار خطة إصلاحية متعددة الأبعاد للحقل الديني فدستورياً، جلالة الملك هو أمير للمؤمنين، ويرأس المجلس العلمي الأعلى، الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوي المعتمدة رسمياً استناداً إلى مبادئ الدين الإسلامي الحنيف ومقاصده السمحة. وبإشراف من جلالته وضعت هذه الخطة منذ 10 سنوات تضمنت جوانب تنظيمية، لصون حرمة المساجد، وسكينتها وضمان الأمن الروحي للمواطنين، وتأهيل الأئمة، وتمكينهم من أداء واجباتهم الدينية على أحسن وجه.
وكالة بيت مال القدس الشريف، التابعة للجنة القدس، التى يرأسها جلالة ملك المغرب، تقوم بجهود جبارة، وتحظى بتقدير العالمين العربي والإسلامي، هل هناك خطط لتطويرها في المستقبل القريب؟
- أود التذكير بأن القضية الفلسطينية العادلة وفي جوهرها القدس الشريف تظل في صلب الانشغالات الأساسية لجلالة الملك محمد السادس الذي يضعها في مرتبة قضيتنا الوطنية، كما أعلن خلال الدورة العشرين للجنة القدس التي انعقدت في يناير الماضي بمراكش تلكم الدورة التي تمت بحضور الرئيس محمود عباس ووزراء خارجية الدول الأعضاء أوممثليهم وشخصيات رفيعة دعيت - لأول مرة - تمثل البلدان الدائمة العضوية في مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي، وحاضرة الفاتيكان، فضلاً عن الجامعة العربية والتي أصدرت مجموعة من القرارات العملية للمحافظة على هوية القدس الشريف وطابعها الروحي والحضاري والثقافي والأماكن المقدسة والتصدي لسياسات التهجير القسري والاستيطان، الذي يستهدف عزل المدينة المحتلة عن مجالها الفلسطيني الطبيعي، في خرق سافر لأحكام القانون الدولي والقرارات الأممية ذات الصلة. ولابد من التأكيد أن جلالة الملك محمد السادس رئيس لجنة القدس يتعامل مع هذه القضية التي تعتبر مفتاح الحل للصراع العربي الإسرائيلي وفق رؤية تشاركية وملموسة بالتعاون الوثيق مع القيادة الفلسطينية، وما فتئ يتدخل كلما استدعت الظروف ذلك لدى القوى الكبرى والأمم المتحدة والفاتيكان و»اليونسكو». كما يقدم جلالته كل الدعم لوكالة بيت مال القدس الشريف لتنفيذ برامجها العمرانية والاجتماعية والصحية والتعليمية، فضلاً عن ترميم المباني الأثرية وخاصة مرافق المسجد الأقصى المبارك علما بأن المغرب يتحمل اكثر من 80 % من تمويلات هذه المشاريع. لذا فإن من بين قرارات الدورة المذكورة البحث في إلزامية المساهمات في ميزانية هذه المؤسسة بدل الاقتصار على التبرعات الطوعية. فعمل هذه الآلية عمل دائم ومتطور بطبيعته إزاء مستجدات الأوضاع وما تمليه الظروف لإصدار مواقف أو القيام بمساع لفائدة الدفاع عن المركز القانوني للقدس الشرقية أو الإقدام على مبادرات لصالح موروثها الروحي والثقافي أو الاستجابة لحاجيات الساكنة المقدسية.
دعم غزة
كيف تقيمون الأوضاع في غزة؟
- تتابع المملكة المغربية بانشغال عميق الحالة المأساوية بقطاع غزة، وقد بادرت فور بدء العدوان الإسرائيلي الآثم الذي يعتبر انتهاكا صارخا لأحكام القانون الدولي والقيم الإنسانية، بإدانته، وقد أصدر صاحب الجلالة الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، تعليماته لتقديم دعم مالي بقيمة 5 مليون دولار، ثم أصدر جلالته أمره السامي بتخصيص مساعدات نوعية وكمية إضافية لإغاثة أشقائنا الفلسطينيين. وقد تم اقامة جسر جوي لإيصال المساعدات العاجلة لضحايا العدون الإسرائيلي على غزة عبر رفح المصرية، علما بأن أولى الطائرات وصلت الاربعاء الماضي. وشدد جلالة الملك خلال اتصاله الهاتفي بالرئيس الفلسطيني على ضرورة الحفاظ على أرواح الفلسطينيين، وتغليب المصلحة الوطنية الفلسطينية وتجنب ما من شأنه أن يجعل كفاح الشعب الفلسطيني موضع مساومات أو توظيف من لدن أي كان، وعلى الحاجة الملحة لتراص الصف العربي في مساندة الشعب الفلسطيني في هذا الظرف البالغ الدقة. وكما تعلمون فإن الأوضاع في العالم العربي والعدوان الإسرائيلي كانت في جوهر المباحثات التي أجراها جلالة الملك مع خادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز ال سعود من منطلق دعمهما المشهود للحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.