كتب - أحمد الجناحي:
لشهر رمضان الكريم ذكريات مميزة وخفيفة تستحضرها الذاكرة كل ما حل الشهر الكريم برفقة المشاعر الروحانية العميقة، مواقف وذكريات فيها من الطرافة والمتعة والخفة، تفوح منها عبق الماضي المتجدد، يتذكرها الشباب وترسم على وجوهم ابتسامة عريضة شيءٌ منها يعكس السعادة والطرافة، وشيءٌ منها حنين وشوق تلك الأيام الجميلة التي مضت. حفصة الزياني تسترجع بعض الذكريات والمواقف الرمضانية القديمة، «كنا نستغل وقت انشغال الوالدة حفظها الله بالمطبخ، ونتسلل لنأكل «السمبوسة» أو «الكباب» التي كانت تحضر للفطور، على حين غفلة من الأهل، ولا يحلو لنا ذلك إلا قبل أذان المغرب بساعة، وبقي هذا الموضوع سراً لسنوات طويلة، قبل أن أكشف عنه الآن.
على درب الصوم
وتتذكر أنها بدأت صيام شهر رمضان لأول مرة، بشكل متطقع لأيام متفرقة كعطلة نهاية الأسبوع، وفي بعض الأحيان لنصف النهار، حتى بدأت الصيام بشكل كامل في سنة العاشرة «أتذكر الأيام الأولى لي بالصيام، حيث كنا نصوم يومي الخميس والجمعة، في عطلة نهاية الأسبوع القديمة قبل أن تتغير إلى الجمعة والسبت، وفي بعض الأحيان كنا نصوم نصف النهار، حتى بدأت الصيام بشكل كلي في سن العاشرة، ومازلت أذكر تلك الأيام التي كنا ننوي صيام النهار بأكمله قبل أن تغرينا بعض الأكلات، التي تحضر للفطور».
ومع حلول شهر رمضان المبارك في كل عام، تعود الذاكرة بحفصة لموقف حدث لها بالسنوات الأولى بالمدرسة عندما كانت في صف الثالث الابتدائي «عندما كنت في الصف الثالث الابتدائي، نشرت إشاعة بين صديقاتي في الصف، أنه يجوز شرب الماء فقط بشرط أن تقول سريعاً بعد الشرب «اللهم إني صائمة»، وكنا نستمر في ذلك حتى اكتشفت ذلك إحدى المعلمات، وقامت بواجبها التربوي والتعليمي وصححت هذا المفهوم».
وتقول حفصة عن صلاة التراويح «صلاة التراويح من أكثر الأشياء الروحانية التي أشتاق لها من رمضان إلى رمضان، فصلاة التراويح في جماعة مع الدعاء والتضرع لها لحن مغاير ومختلف عن أي شيء آخر، صوت القرآن في الصلاة عندما يدخل القلب، يفتح بابه عن آخره، وتداعب المشاعر الروحانية كل جزء منه، وما أن تنهي الصلاة حتى يكون القلب نظيفاً صافياً نقياً»، وأضافت وعيناها ملؤها الحنين للتراويح «أسال الله أن يبلغنا رمضان أعواماً عديدة، وسنين مديدة».
وتعلمت حفصة من رمضان دروساً عديدة ومفيدة أهمها «أحياناً في الأحداث اليومية الكثيرة وزخمها، ننسى كيفية الصبر على ما نريد، ونتذمر في أحيان كثيرة، ونصل لمرحلة أنه لا يمكننا أن ننتظر ساعة، لكن يعود رمضان في كل عام، ليذكرنا أن الصبر مفتاح الفرج، ويعلمنا أن كل ما نحصل عليه بعد صبر ومشقة له لذه وطعم مختلف».
الثالث الابتدائي
بدوره صام بوزايد 26 سنة لأول مرة عندما كان في الصف الثالث الابتدائي، ويتذكر بعض المواقف التي كان يفطر فيها في نهار رمضان دون علم أهله ويقول عن أحدها «أتذكر جيداً عندما فطرت على بطاطس «فونزيز» الحار من الحجم الكبير مع شراب الليمون البارد، كنت حينها أشعر بالجوع، لكن بعد هذه الوجبة الخفية شبعت، وشربت اللبن وقمت بمسح وجهي وشفتاي عن آثار الجريمة التي قمت بها، ودخلت المنزل وكأن شيئاً لم يحدث».
ويسرد بوزايد موقفاً طريفاً آخر حدث له في الحي الذي يسكن به، حيث أخذ أحد أبناء الجيران مكبراً للصوت وصعد على سطح المنزل وأذن فيه، الأمر الذي جعل بوزايد يقوم من مكانه ويهرول نحو مائدة الإفطار ويأكل منها، ليكتشف بعدها أن وقت أذان المغرب لم يحن بعد.
ولا ينسى المرة الأولى التي اشترى فيها البواريت «الجراخيات»، «في أول مرة اشتريت فيها الجراخيات، وضعت الجراخية في يدي اليمين والكبريت باليسار، وعندما قمت بإشعال الجراخية، قذفت الكبريت في الشارع ظناً مني أنها الجراخية، حتى انفجرت في يدي، الأمر الذي وبختني عليه أمي من المنزل حتى المستشفى».
ومن الأمور التي تعلمها بوزايد في رمضان هي صلاة التراويح والقيام في المسجد حتى نهاية الصلاة «تعلمت أن أصلي القيام والتراويح منذ صغري حتى النهاية، دون أن أفكر في أي أمر آخر ممكن أن يفوتني سواء على شاشة التلفاز أو بالمخيم مع الشباب».
ويضيف «كثير من الناس يصلون جزءاً من صلاة التراويح ويفزعون بعدها إلى المخيمات والأنشطة الشبابية، ناسين أن رمضان فرصة لا تعوض ولا يمكن أن تتكرر، والله أعلم إن كنا سنبلغ رمضان الأعوام المقبلة أو لا، لذا أدعو كل الشباب في هذا الشهر الفضيل، لاغتنام كل لحظة في رمضان، للفوز بالرحمة والمغفرة ونيل الأجر والثواب العظيم».
طفلة صغيرة
دانة عريقات لا تتذكر المرة الأولى التي صامت بها، وتقول «أصوم من زمان، من سنوات بعيدة، لا أتذكر بالضبط متى كان ذلك، لكن كل ما أتذكره، أني عندما كنت صغيرة، أنسى بأني صائمة، وأتناول الطعام برفقة أخي الصغير، دون أن ينبهني أحد».
وتذكر دانة أنها كانت صاحبة إرادة قوية في الصيام، وساعدها كثيراً الطقس في تلك السنوات، حيث كان رمضان في فصل الشتاء، فلم تكن حينها تشعر بالعطش أو الجوع، لتأكل على حين غفله من أهلها أو حتى أمامهم.
ولا تنسى طقوس رمضان التي اعتبرتها جميلة ورائعة للغاية «لا أنسى الطقوس الرمضانية عندما كنت صغيرة، كانت جميلة بالفعل، كان رمضان بفصل الشتاء، وكان الوقت لا يمر بسرعة، كنت أخرج مع الوالد قبل الفطور، نتجول بالشوارع ونشتري بعض الحاجيات للمنزل، كنت في الحقيقة أحاول أن أشغل نفسي بأي شيء، ليمر الوقت سريعاً، وكنت أفرح وأتسابق أنا وأخي لمائدة الإفطار عند سماع الأذان في بعض الأحيان التي نكون بها مشغولين في شيء ما».
وتضيف «في بعض الأحيان كنا نترقب الأذان على مائدة الإفطار، وأذكر أن الوالد حفظه الله كان يرفع يده للدعاء ونردد خلفه «آمين»، وأعيننا على شاشة التلفاز ننتظر الأذان».
وتؤكد دانة أن رمضان يعلم الإنسان الصبر والانضباط الروحي والسلوكي، «رمضان يعلمنا الصبر، ويعلمنا الانضباط ويساعدنا على تحسين السلوكيات، كما يهذب النفس ويربيها على الاطمئنان، الذي يتحقق بالتقرب من رب العالمين عن طريق الصلاة وقراءة القرآن والصدقة وغيرها من العبادات، ويرشدنا رمضان للعطاء بسخاء للفقراء والمساكين والعمل على إطعامهم وسقيهم، وكل هذه الدروس تحفر بالذاكرة وتغرس بالنفس في رمضان لتستمر بعد ذلك».
ما هو الصوم
من جانبه يتحدث العم صالح السعدون عن قصة يتذكرها لأحد أحفاده عندما كان صغيراً يقوم العم «كانت إحدى بنات العائلة تشاهدنا ونحن نصوم رمضان، وكانت كثيراً ما تسأل باستغراب عما نقوم به، كانت تسأل لماذا تمتنعون عن الطعام، هل هناك ما يزعجكم ويشغل بالكم، وكنت حينها أعلمها التعاليم الإسلامية، حتى أصبحت مصرة على الصوم، في الحقيقة كانت صغيرة حينها ولا تقوى على الصيام، فاقترحت عليها أن تصوم النصف الثاني من النهار حتى أذان المغرب، العجيب والغريب أنها رفضت ذلك، وأصرت على الصيام من النهار، وكان ذلك في اليوم التالي، وتفاجأت صراحة عندما شاهدتها مختبئة تحت أحد كراسي الصالة وتأكل «التفاح»، وعندما شاهدتني أخفت التفاحة وقالت: مازلت صائمة».
ويعلق السعدون على هذه القصة الطريفة ويوضح أن الأطفال يحاولون أن يقوموا بأفعال الكبار، وهذا الأمر جميل ولطيف إذا استغل بالشكل الصحيح، عبر غرس المفاهيم الصحيحة الإسلامية في الأطفال، مثل الصوم والصلاة وقراءة القرآن وغيرها. ويسترجع ذكريات السحور في الماضي برفقه العائلة قبل أذان الفجر، ويقول «أتذكر السحور الجماعي الذي كنا نأكله سوية، ومنذ ذاك الوقت إلى اليوم، والأسئلة بشأن الفتاوى الإسلامية نفسها لم تتغير، هل شرب الماء عند سماع الأذان يفطر؟، هل غسل الأسنان يفطر؟، هل الطيب أو العطر يفطر؟، وإلى ما شاء الله، في كل سنة حتى هذا اليوم والأسئلة هي نفسها نفسها ولا تتغير، والفاضح أن كل شخص يفتي للآخر دون دليل علمي ودون استناد على هواه ومزاجه، كما قال المثل الشعبي «اربط صبعك والكل ينعت لك دوه».
فطرنا خطأ
أما بويوسف الخاجة فيتذكر موقفاً طريفاً ومحرجاً بالوقت نفسه حصل معه عندما كان في إحدى المراحل الابتدائية، وفطر الجميع بالخطأ، يقول عبدالرحمن «بإحدى المرات عندما كنت بالابتدائية، سمعت برنامج الأذان الذي قمت بتنصيبه على الهاتف، يأذن لصلاة المغرب، فأخبرت جميع من بالمنزل أنه حان موعد أذان المغرب، وتناول الجميع الإفطار، وبعد 3 دقائق، سمعنا المساجد تؤذن لصلاة المغرب، واكتشفنا أن هناك خطأ في توقيت الهاتف أدى لذلك». ويفتقد عبدالرحمن جدته هذا العام في رمضان ويتمنى لها الرحمة والمغفرة، ويرى أن من فوائد رمضان التي استفاد منها في مثل هذه المحنة هي فائدة الصبر.