الحب لا يقبل الاشتراك، ولا يصح أن يحب المحب اثنين، ومن أخلص في حب محبوبه عرفه، لأن من أحب شخصاً أكثر من ذكره واستمتع بذكر حبيبه.
ولا ريب أن أقوى مراتب هذه العلاقة وأهم درجاتها هو السفر من الخلق إليه، أي التوجه التام بحيث ينقطع عما سواه، وهو السير في الحق بالحق، وهذا السفر يصح أن يعبر عنه بأنه سفر من المحدود من كل جهة إلى غير المحدود من جميع الجهات، وعطف وحنان ممن لا حد لحنانه إلى من هو المحتاج على الإطلاق، هو الانقياد بإخلاص لجلب رضا الحق وترك ما سواه، فهي الوسيلة للوصول للأفق القريب منه، والبقاء عليه تجتمع فيه سائر المراتب بل الفناء فيه، والثبات عليه ثبات في العطف الذي لم يزل ولا يزال، لأنه كل حب يكون معه طلب لا يعول عليه، كما كل شوق يسكن باللقاء لا يعول عليه أيضاً. من تعب من التفكر وقف حيث تعب، فمنهم من وقف في فكرة، ومنهم من وقف في القول، ومنهم من وقف في الحيرة فقال لا أدري، ومنهم من عثر على دليل فوقف عنده.
كل إنسان وقف حيث تعب، ورجع إلى مصالح دنياه وراحة نفسه وموافقة طبعه، فإن استراح من ذلك التعب، واستعمل النظر في الموضع الذي وقف فيه مشى حيث ينتهي به فكره إلى أن يتعب فيقف أيضاً أو يفنى.

علي العرادي