كتب – جعفر الديري:
ربما بسبب مزاحمة السينما والدراما، وربما بسبب فقر الإمكانات المادية، وربما لأسباب أخرى عديدة؛ تبدو صورة المسرح البحريني، اليوم مختلفة عن شكلها أيام زمان، حيث الطعم الخاص، والروحانية والجاذبية التي تطرب لها عين الجمهور!.
المسرحيون، الذين استطلعت «الوطن» آراءهم، تباينت آراؤهم، فبينما يؤمن بعضهم أننا على مشارف انتكاسة!، وأن المسرح يعيش أزمة خانقة، يشير آخرون إلى أن عدد المسارح الأهلية تضاعف، كما إن المهرجانات تتوالى عاماً بعد عام، على يد عناصر شابة نشطة، محبة للمسرح، مستفيدة من الأجيال الماضية، ما يؤكد أن المسرح مازال حياً يرزق، وينتج ويبدع!.
تشرذم وضياع
يقول المخرج والممثل المسرحي علي سلمان إن المسرح البحريني يشهد حالة من التشرذم والضياع وتفارق الرؤى في الطرح، حيث لا يسدي لطريق يمكن أن يؤدي لضوء في نفق النهاية المضيئة، فما بين المنتفعين وأنصاف المثقفين؛ يخرج لنا الأكاديميون في لباس البائسين أو حفاري قبور لدفن موتى فنهم وإبداعهم في مقبرة المشاهد الذي اتخذ لنفسه خط المسرح التنفيسي فقط، وهو ما يستسقي منه الجمهور متعته، فلو تنازل الأكاديمي وجعل فنه في تابوت الكوميديا لكان أفضل له.
ويضيف سلمان: كان للمسرح البحريني في العقود الفارطة، روحانيته، وجاذبيته التي تطرب لها عين الجمهور آنذاك، وأذنه، لهذا كان له طعمه الخاص أيام زمان.
ويشدد سلمان على أهمية التوفيق بين ميول جمهور هذه الأيام والفن الأكاديمي الصحيح ، فلا يذهب لجنون الإسفاف والهرج المسرحي ولا يجعل من فنه جنازة لا يجد من يمشي خلفها، فيكفي من الصخور والمعوقات التي يواجهها المسرح من قبل من يدّعون أنهم يقومون على بناء المسرح الحديث وتطويره من تجيير لمصالح خاصة، أو تركه في أعاصير الإفلاس والحرب بشكل أنه لا يمثل ما يصبون إليه، وكذلك ممن يصبرون على تعب المسرح أيام زمان، حيث قلوا هذه الأيام.
طاقة هي الأمل
ويرى سلمان أن ما تقدمه أو ما تحاول أن تقدمه المسارح الأهلية هذه الأيام، هو شيء جميل وهو وقود جيد لإثراء الحركة المسرحية في البحرين، خصوصاً المهرجانات المسرحية، ونرى في الطاقات الشبابية أملاً لمستقبل ينبئ بخير لمسرح وضــاء، هنا نشكر المسارح التي تحفر في الصخر لتظهر لنا مهرجاناً قل دعمه من قبل المسؤولين وكثرت فيه الطاقات الشبابية، ونصيحتي للقائمين على المهرجانات المسرحية أن يقدموا الراية للأكاديميين في الإشراف على هذه الطاقات الشبابية وأن يتيحوا لهم الوقت الكافي ليصنعوا منهم (الشباب) طاقات تخدم المسرح في البحرين، حيث تضائل الدعم الرسمي لدرجة الحياء وانعدم الدعم من قبل القطاع الخاص لدرجة الموت اللامتناهي.
ويقترح سلمان على القائمين والماسكين وإدارات المسارح الأهلية، حيث إنها تمثل الوجه الحضاري للبلد، أن تطالب بحقها في رفع مستوى الدعم الرسمي للمسارح لأنه المنفذ الوحيد الذي يمكن له أن يطور الحركة المسرحية، وبهذا الدعم يمكن للمسارح أن تقدم للشباب والطاقات الناشئة أجود وأعلى الدعم الفني والتدريب الأكاديمي، ليسيروا وبشكل مميز ومهم في المسيرة المسرحية بشكلها المطلوب، حيث يشكل الشباب نسبة كبيرة في مسرح اليوم نحفز الإدارات الاهتمام بهذه الطاقات، حيث نراهم يصنعون لهم من الأفلام القصيرة منفذاً لهم لممارسة طاقاتهم المتفجرة في التمثيل والإخراج، نرى ألا يتركهم القائمون على المسرح، بل يأخذوا بيدهم ويشجعوهم سواء مادياً أو تثقيفياً وتدريب، وهنا نستطيع أن نصنع من هذه الطاقات الشبابية نبراساً فنياً يضيئ أجواء بلادنا رقياً وثقافة وتحضراً.
لكل زمان رجاله
بدوره يعتقد المخرج والكاتب المسرحي خليفة العريفي أن لكل زمان دولة ورجالاً، «حين فعلنا، كنا نبني، على الأسس التي تركها الجيل الذي سبقنا، وبالتأكيد سيأتي جيل يبني على ما بنيناه، وأنا شديد الثقة بالشباب، وأعتقد أنهم سيبدعون أفضل منا في الزمن المقبل»، مشيراً إلى أنه في البحرين رواد الأدب والمسرح كثيرون لم يكرموا في بلدهم، ولكنهم يكرمون في الخارج، دفعوا من دمهم وأعصابهم حتى يؤسسوا حركة مسرحية فاعلة على مستوى الفعل الثقافي في البحرين.
ويلفت العريفي لأهمية أن تغير المؤسسات الثقافية، نمط التفكير، ونمط الأنشطة، لابد أن تسير نحو الحداثة بشكلها الأممي، مشيراً إلى أن المحاضرات والندوات الثقافية لم تعد مجدية في ظل العولمة، وفي ظل التقدم الهائل في التواصل الافتراضي حول العالم، لابد من التفكير في شكل آخر ونمط آخر للنشاط، «لا أدري ما نوع هذا التفكير، ولكن يجب الجلوس حول مائدة للتفكير والخروج بأفكار مبتكرة وخلاقة».
تجارب ناجحة
من جانبه يذكر المخرج والمؤلف المسرحي خالد الرويعي أن التأسيس الفعلي للاشتغالات السينوغرافية العام 1991 مع فرقة الصواري، كان بداية لظهور تجارب شبابية أكثر تأصيلاً، مثل تجربة ياسر سيف وجمعان الرويعي وسلمان العريبي وخالد الرويعي.
وأضاف «باعتبارهم مخرجين وسينوغرافيين في الوقت نفسه، إضافة لأهمية الفنان عبدالله يوسف، الذي ظهرت على يديه البدايات الأولى للاشتغالات السينوغرافية، في مسرحية السوق العام 1988».
وأكد الرويعي محورية السينوغرافيا كعنصر بأن ومؤسس في العرض وليس مجرد مظاهر خارجية منفصلة عنه، مبيناً أنها داخلة في القراءة الإخراجية للعرض، وأحد أهم العوامل اليوم في نسيج أي عرض ناجح.
انتكاسة متوقعة
أما المخرج والممثل المسرحي محمد الصفار، فيتوقع انتكاسة للمسرح البحريني، ذلك للعديد من الأسباب، منها: اختفاء الأسئلة وبالتالي يضمر الإبداع، عدم وجود الدعم الرسمي وعدم قيامه بواجباته، وذلك لعقد شخصية، عدم وجود قطاع خاص ذكي، ضعف الداعمين للعمل الثقافي والفني وذلك لقلة الوعي وانصرافهم لتوافه الأمور، طغيان الاهتمام الشبابي بأعمال التلفزيون والسينما لعدة عوامل، وبالتالي فإن معالجة ما سبق يوجد بيئة مناسبة للإبداع الفني والفكري.
موهوبون كثر
من جهتها تقول الممثلة التلفزيونية والمسرحية شفيقة يوسف: منذ عودتي قبل بضعة سنوات لم تعرض علي أعمال مسرحية في البحرين، ولكني شاركت في بداية هذا العام في مسرحية نسائية تم إنتاجها وعرضها في مدينة الرياض السعودية وكانت تجربة جميلة رغم تخوفي منها نظراً للفترة الطويلة التي توقفت فيها عن المسرح. وأنا لا أزال راغبة في العمل بالمسرح، لكن لم أحصل على أي عرض حتى الآن.
وتشدد يوسف على أهمية دعم التجارب الشابة من قبل الفنانين ذوي التجارب والخبرة، ومساعدة هؤلاء الشباب في تنفيذ أعمالهم الفنية سواء بالمشاركة الفعلية أو حتى بتقديم الأفكار والنصائح، مشيرة إلى أن البحرين لا تشكو أبداً من قلة الموهوبين، وفي معظم الأعمال الخليجية لابد وأن تجد عنصراً بحرينياً مشاركاً بها سواء كان ممثلاً أو مخرجاً أو مؤلفاً، أو في التصوير أو الإضاءة أو الصوت، لكن المشكلة في قلة الإنتاج الفني والتي ربما تعود لعدم توفر المنتج المستعد لضخ مبالغ لا يستهان بها في مقابل الحصول على مردود مادي يتأخر لفترة ليست بالبسيطة في بعض الأحيان.
وتضيف يوسف أن مجال الإنتاج الفني صعب ويحتاج رأس مال كبيراً لكي يتم إنتاج عمل فني جيد يمكن تسويقه، ومعظم المنتجين في البحرين غير قادرين على ذلك مع الأسف الشديد ويعتمدون على تلفزيون البحرين الذي لا يمكن له أن ينتج في العام سوى عمل واحد أو ربما وعلى أحسن تقدير ينتج اثنين. أما في الكويت (هوليوود الخليج) فإن المنتجين لديهم الإمكانات المادية، وهناك كثير من القنوات الخاصة الناجحة تشتري وتنتج، ولاشك أن لها دوراً كبيراً في غزارة الإنتاج الفني وفي اكتشاف وجوه فنية جديدة بشكل مستمر.
ويرى الكاتب المسرحي علي الشرقاوي، أنه لا توجد نهضة مسرحية ولا انتكاسة، فهي حالة جزر، تأخذ وقتها لتأتي حالة المد، والمد، مهما تأخر، لابد أنه سيأتي، لأن هذا هو قانون الكون.
يقول الشرقاوي إن مثل هذه الكلمات الكبيرة العامة، مطاطة، ولا تقدم شيئاً، لأن من طبيعة أي حركة ثقافية أو سياسية أو اجتماعية أو ثقافية أو فنية ، أن تمر بمراحل جزر ومد، إذا كان للقمر القدرة على تحريك المحيطات في كل الحالات، فإن للظروف الموضوعية تأثيرها الواضح على حركة المسرح بصورة خاصة والحركة الثقافية بكل تجلياتها بصورة عامة.
ويضيف أن الوضع في السبعينات كان في حالة مد، كان الشارع كما أقول دائماً متجهاً نحو اليسار، وكان أغلب المنتمين للمسرح يحملون آمال وطموحات وطنية في الذهاب بالمسرح إلى مجالات جديدة ومختلفة ومتميزة. لذلك كان كل من ينتمي في تلك الفترة إلى المسرح، كان يحمل هماً مسرحياً، هماً في أن يقدم فكراً وفناً ولغة وحواراً ووعياً يساهم في تحريك المجتمع نحو مساحات أوسع من حرية التعبير وحرية القول.
الثقافة بحالة جزر
ويتابع الشرقاوي أن ما نراه اليوم من تراجع حركة المسرح كما كان عليها في السبعينات والثمانينات والتسعينات، يعود إلى أن الثقافة على مستوى المؤسسات تمر بحالة من حالات الجزر، والهم الذي كنا نتحدث عنه، في المرحلة السابقة، لم يعد هماً عند الجيل الجديد الذي انتمى المسرح في السنوات العشر السابقة، الجيل الجديد في أغلبه يريد أن يكتب نصاً مسرحياً دون أن يقرأ مسرحيات، رغم توفر آلاف النصوص المسرحية العربية والمترجمة، يريد أن يخرج أعمالاً مسرحية دون أن يشاهد مسرحيات، رغم أن آلاف المسرحيات من الممكن مشاهدتها عبر القنوات الفضائية وعير اليوتيوب.
ويؤكد الشرقاوي أنه، لا توجد معوقات للاشتغال على المسرح، إلا في ذهن الإنسان الكسول، الإنسان الذي يريد أن يقوم بعمل مسرحي ويطلب من المؤسسة أو وزارة الثقافة أن تدعمه مالياً، مشيراً إلى أن المسرحي الحقيقي لا يهتم كثيراً بما يسمى المعوقات، المسرحي الحقيقي يبتكر أساليبه الخاصة، وكلنا يذكر جيداً أن أفضل الأعمال المسرحية والتي حصلت على جوائز عالمية وشاركت في العديد من المهرجانات، هي مسرحيات قدمت خارج إطار المسرح التقليدي، أعني الاعتماد على الخشبة، مسرحيات مثل (سكوريال)، (القربان)، (الكمامة) التي حصلت جائزة أفضل إخراج على مستوى العالم، فالمعوقات غير متوفرة إلا في ذهن البعيدين عن عشق المسرح، والذين لا يعرفون أن الأعمال الحقيقية لا تحتاج لدعم المؤسسة ولا تحتاج لدعم الدولة.
ويلفت الشرقاوي من جانب آخر، لأهمية المسارح الأهلية، التي خلقت الحراك المسرحي الذي نتكلم عنه الآن، فهي التي احتضنت المخرجين والممثلين والفنيين وغيرهم، من خلال المؤسسات المسرحية تعرفنا على إمكانات المخرجين والممثلين وما نراهم من ممثلين على مستوى الخليج كلهم خريجو المسارح الأهلية.
المهرجانات لم تقدم شيئاً
ويستدرك الشرقاوي: لكن المهرجانات التي نشاهدها في السنوات الأخيرة، في رأيي الشخصي، ليست إلا أكذوبة كبيرة، تحاول المؤسسات الأهلية. أن تقول للجمهور أنها مازالت موجودة. أقول أكذوبة لأنها لم تقدم لنا، كاتباً مسرحياً، أو مخرجاً متميزاً، أو ممثلاً مغايراً، هذه المهرجانات تقدم الكم دون الاهتمام بالنوع، تصرف على العديد من الأعمال الهزيلة، دون العمل على تقديم عمل مسرحي مبهر ومدهش، ومن الممكن أن نعتبره محطة في الطريق المسرحي اللانهائي. الشرقاوي يجد أن الدعم الرسمي متوفر، لكن ليس بالصورة الجيدة، التي نريدها للمسرح، مشيراً إلى أن هناك 5 مسارح في البحرين، يحصل الواحد منها على 12 ألف دينار سنوياً، بمعنى ألف دينار شهرياً، وإذا كنا نرى أن هناك العديد من المنتمين للمسرح لأكثر من نصف قرن، يقومون بدورهم كعمل تطوعي، فإن إنتاج العمل المسرحي الآن أصبح أكثر كلفة من السابق، من هنا لابد أن تكون هناك آلية جديدة لدعم إنتاج المسرحيات، خصوصاً تلك المسرحيات التي تحتاج إلى سينوغرافيا متطورة وإلى موسيقى، مصروف عليها لكي تكون بالمستوى اللائق. فالدعم الرسمي للمسارح يحتاج إلى مراجعة، وإلى زيادة 3 أضعاف مما هو عليه الآن، وإذا جئنا إلى دعم الخاص للقطاع فهو ليس موجوداً على الإطلاق!، لم أسمع عن مؤسسة من مؤسسات القطاع الخاص تبنت أحد الأعمال المسرحية البحرينية، حتى لو كانت هذه المسرحية تتكلم عن الوحدة الوطنية وكيفية الانتقال بالمجتمع في البحرين إلى مراحل أكثر رقياً.