منذ توقيع اتفاقات أوسلو عام 1993 مروراً بحكومة رابين وليس انتهاءً بحكومة نتنياهو اليمينية، ظل الهاجس الأمني مسيطراً على عقول القيادات الإسرائيلية دون استثناء، وحجز الفلسطيني في العقل الإسرائيلي صفة «الأغيار» بدلاً من الجار.وفسر الاهتمام المتزايد في إسرائيل عن المناطق الأمنية والعازلة وبذل جهد من أجل إكمال عملية تنفيذها على أرض الواقع، وترافق ذلك مع إجراءات عنصرية مورست على الأرض، بعيداً عن الحقوق الفلسطينية السياسية والاقتصادية والاجتماعية المترتبة على الانفصال، وهروباً من الاستحقاقات والالتزامات المرتبطة بعملية السلام. في كل مرة كانت دولة الاحتلال وأجهزتها الأمنية تقر بعدم نجاعة خططها الأمنية، بعد خوض الاختبارات والتغول في الدم الفلسطيني.في الضفة مثلاً، والقدس جزء منها، طبق شارون ما خطط له في إسرائيل استراتيجياً لتنفيذ «حزام أمني» بطول 340 كيلومتراً تقريباً، وعمق يتراوح بين بضع مئات الأمتار إلى كيلو مترين، من خلال جدار الضم والتوسع، ومارس نتنياهو ذلك في الضفة من خلال الزحف الاستيطاني، ما شكل أحد أسباب فشل العملية السياسية، ومع ذلك يحاول فرض «حزام أمني» في غزة كنتيجة لجرائم حرب يمارسها جيش الاحتلال بحق الإنسانية في القطاع.نصت اتفاقات أوسلو عام 1993 على توفير حزام أمني بعمق خمسين متراً على طول حدود غزة، لم تلتزم بها دولة الاحتلال كما لم تلتزم بأي شيء وقعت عليه منذ عام 1993. وبفعل غطرسة القوة كان جيش الاحتلال يوسع هذا الحزام عقب كل عدوان حتى وصل نحو الكيلومترين عقب انسحاب أحادي نفذه شارون عام 1995. تركز هدف شارون الاستراتيجي حينها الوصول بالوضع الفلسطيني سياسياً وجغرافياً إلى ما كانت عليه الحالة الفلسطينية قبل الإعلان عن حكومة التوافق، للحيلولة دون قيام دولة فلسطينية، وهو ما تسعى حكومة نتنياهو لاستكماله باعتباره واحداً من الأفكار الاستراتيجية في العقل الإسرائيلي. في أعقاب عدوان 2008 وصل عمق هذا الشريط ما بين 500-2000 متر تقريباً، وعقب عدوان 2012 جرفت دولة الاحتلال كل المزروعات، وقطعت الأشجار المثمرة، واستخدمت النيران لمنع المواطنين من الوصول إلى أراضيهم ما خلق أمراً واقعاً بالقوة.يحاول الاحتلال استنساخ تجربة لبنان الفاشلة في أعقاب حرب تموز 2006، عندما صرح عمير بيرتس وزير الحرب الإسرائيلي حينها، أن أحد الأهداف الإسرائيلية من وراء الحرب على لبنان، تنفيذ حزام أمني بعمق كيلو متر واحد داخل الأراضي اللبنانية. وقال أيهود أولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها، إن الحزام يجب أن يكون بعمق كيلومترين، وأنه لا نية لوقف إطلاق النار طالما لم يتحقق هذا الهدف. في العدوان الإسرائيلي الحالي على قطاع غزة، توغلت قوات جيش الاحتلال بعمق ثلاثة كيلومترات في بعض مناطق القطاع، وحولتها إلى منطقة دمار بفعل القصف والتدمير والتجريف. حزام بعمق 3 كم تستهدف إسرائيل إعادة احتلال 170 كم من مجموع مساحة القطاع البالغة تقريباً 365 كم، أي ما نسبته 47% من مجموع المساحة، وتهجير نحو 800 ألف مواطن، والدفع بهم نحو العمق، ما يعني اكتظاظاً شديداً في مساحة تعتبر الأكثر اكتظاظاً بالسكان في العالم، وتدمير عشرات القرى والبلدات، وضرب الزراعة بشكل كبير جراء تدمير الآبار «نحو 200 بئر على طول الحدود»، واستنزاف المياه الجوفية المستنزفة أصلاً، وبالمختصر تحويل قطاع غزة من «معتقل» بفعل الحصار الإسرائيلي، إلى زنزانة أقل تحضراً لنحو مليون وثمانمائة ألف مواطن فلسطيني.هل يعي العالم نتيجة ذلك؟ إنه الانفجار الذي على الأمم المتحدة ومجلس الأمن والدول الخمس دائمة العضوية وبمقدمتها الولايات المتحدة أن تتحمل مسؤولياتها تجاه حماية الشعب الفلسطيني من الدولة الوحيدة التي تتجاوز كل الأعراف الدولية ومواثيقها، دون أن تحاسب بل تكافأ بفتح مخازن الأسلحة الأمريكية الاستراتيجية لها.المفاوضات المغلقةصمدت جولة المفاوضات الأخيرة تسعة أشهر «29 يوليو 2013- 29 أبريل 2014»، وتنصلت إسرائيل بل تنكرت لالتزاماتها تجاه إطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى القدامى الذين كان يجب الإفراج عنهم في أبريل 2014 «وجب إطلاق سراحهم عقب اتفاقات أوسلو عام 1993».وجاء تعطيل الإفراج عن الدفعة الأخيرة بقرار واضح من «الكابينت» الإسرائيلي مساء 3 أبريل 2014، وتنكرت دولة الاحتلال مرة أخرى لاستحقاقات العملية التفاوضية، وتوقفت المفاوضات وأثبتت إسرائيل أنها ليست شريكاً حقيقياً لتحقيق السلام الذي اتفق على وصفه بالتاريخي، ما أوصل الأمور إلى طريق مسدود. وخلال هذه الفترة أطلقت دولة الاحتلال العنان للاستيطان وعبث المستوطنين بحياة المواطنين، واستمرت في خنق الفلسطينيين اقتصادياً واجتماعياً، وقطعت أوصال المحافظات من خلال الحواجز الاحتلالية وغيرها، ما يعني أن حكومة الاحتلال كانت تلعب على عامل الوقت لترتيب ائتلافها اليميني القائم على المصالح، وبالتالي غلبت مصالحها الداخلية على حساب تحقيق المصالحة التاريخية فانكفأت للداخل الإسرائيلي.بالمقابل واجه الجانب الفلسطيني انكفاء دولة الاحتلال لطبيعتها الاحتلالية، بتحرره من ضغط المفاوضات مع دولة لا تقيم للعملية السياسية وزناً، وصب جهده لتمتين جبهته الداخلية والذي تمثل في أمرين، الأول تحقيق المصالحة الفلسطينية بأي ثمن، وتشكيل حكومة وفاق وطني قادرة على مواجهة كافة التحديات الخارجية، والثاني تعزيز الحضور السياسي والدبلوماسي للدولة الفلسطينية على الصعيد الدولي، كخطوة للتوجه نحو المؤسسات الدولية والانضمام لمؤسسات الأمم المتحدة.واتبعت القيادة الفلسطينية هذه الإجراءات بشروط العودة للمفاوضات التي بقيت في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، على أن تكون هذه المفاوضات جدية وتستمر لـ3 أشهر، وتبحث في الحدود والقدس واللاجئين، ووقف شامل لكل العمليات الاستيطانية.تحققت المصالحة في 27 أبريل رغم التهديدات الإسرائيلية والضغوط الأمريكية، وشهد الثاني من يونيو تشكيل الرئيس محمود عباس حكومة الوفاق الوطني.الاحتلال يخلط الأوراقلم تتوقف دولة الاحتلال عن التفكير مجدداً لإعادة خلط الأوراق لتبقي جميع الخيوط بيديها، وهكذا نفذت إسرائيل ودون سابق إنذار، انتشاراً عسكرياً مكثفاً في محافظة الخليل وعلى تخوم بيت لحم في ساعات مساء يوم 12 يونيو 2014، ومساء اليوم التالي 13 يونيو أعلنت رسمياً اختفاء ثلاثة مستوطنين، وأعلنت أيضاً العثور على جثثهم مساء الأول من يوليو.كالت الاتهامات للرئيس عباس، وشنت حملة سياسية ودبلوماسية دولية للتحريض على حكومة التوافق المشكلة حديثاً وعلى الرئيس أبومازن الذي يتحالف مع حماس، واتهمت الحركة بتنفيذ عملية الاختطاف. إذاً إسرائيل أعلنت عن اختفاء المستوطنين وأعلنت العثور عليهم دون إشراك أحد في هذه العملية التي كانت مثار شك منذ البداية، واتهمت حركة حماس، وأعلنت فيما بعد أسماء منفذين لم نسمع عنهم شيئاً، وبقيت الرواية إسرائيلية حتى تبين لاحقاً «حسب قناة ZDF الألمانية» أن القصة جنائية، والسؤال الذي يطرح على دولة الاحتلال باعتبارها الدولة المتحكمة في كافة منافذ الوطن أين عامر أبوعيشة ومروان القواسمي؟!في الأثناء وبفعل التحريض الإسرائيلي الرسمي والإعلامي، اختطف الفتى محمد أبوخضير فجر الثاني من يوليو من أمام منزله في حي شعفاط بالقدس، وجرى التنكيل به وحرقه حياً. ودون الخوض في سيناريوهات التحليلات الإسرائيلية حول عملية الاختطاف ومن نفذها، اشتعلت كافة مناطق القدس، ومحافظات الضفة على وقع أبشع جريمة عرفها العصر الحديث. كانت إسرائيل بدأت عملياً منذ يوم 14 يونيو 2014 تنفيذ غارات جوية بطائرات إف 16 لبعض مناطق قطاع غزة، الذي رد بقصف المستوطنات المحيطة بالقطاع، وتدحرج الأمر إلى استدعاء قوات الاحتياط تحضيراً لعدوان مبيت على القطاع، يعيد خلط الأوراق في المنطقة، ويعيد نكأ الجرح الفلسطيني بتعميق الشرخ، وإغراق حكومة الوفاق الفلسطينية في تفاصيل أكبر من قدرتها على تحملها.سرعت دولة الاحتلال من عدوانها على القطاع، تحسباً من تدهور الأوضاع في القدس والداخل الفلسطيني ومحافظات الضفة، بعد أن عمتها التظاهرات بشكل لم تكن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تتوقعه، ولم تكن بحاجة لذريعة سقوط الصواريخ في محيط تل أبيب وعلى تخوم القدس، لأنها بالأساس جاهزة وخطط العدوان جاهزة في أدراج رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو.وهكذا بدأت إسرائيل عدوانها على القطاع بقصف مختلف محافظات القطاع يوم 6 يوليو 2014، وبدأت احتلالها وعدوانها البري مساء 18 يوليو، وعلق نتنياهو على ذلك بقوله «إنه يوم مصيري لإسرائيل»، أما يعلون وزير ما يسمى بالأمن الإسرائيلي فقال «لن يكون هناك مساومة على أمن مواطنينا».فلسطينياً تعاملت الحكومة بمنتهى المسؤولية والوطنية منذ اليوم الأول للعدوان الذي رفضته ونددت به، تأكيداً على وحدة الشعب والوطن والتزاماً بمسؤولياتها كحكومة تمثل الكل الفلسطيني، وشرعت بجملة خطوات سياسية ودبلوماسية لوقف العدوان، وإغاثية عاجلة لشعبنا في القطاع.في 20 يوليو بدأت دولة الاحتلال إجراءاتها الميدانية لتنفيذ واحد من الأهداف المعلنة، إقامة شريط أمني بعمق 3 كيلو مترات من خلال القصف العشوائي المركز على الشجاعية والشعف والزيتون وبيت حانون والقرارة، وتركز من أطراف معبر المنطار والشجاعية شرقاً باتجاه وسط الشجاعية التي دُمرت بالكامل، ونفذ فيها جيش الاحتلال مجزرة رهيبة بحق العرق البشري على الهواء مباشرة وسط مناشدات المدنيين، وصمت الأمم المتحدة ومنظماتها المختلفة، ولاتزال بعض الجثث شاهدة على هول المجزرة تحت الأنقاض حتى مطلع أغسطس 2014.الصرف الصحيتوقفت شبكة الصرف الصحي في القطاع بنسبة 95% ويمكن القول أنها قد تصل لنسبة 100% في حال استمرار العدوان ما ينذر بكارثة إنسانية وبيئية. الصرف الصحي لا أضرار الحريق في محطة توليد كهرباء غزةالجلاد والضحيةتمتلك إسرائيل قدرة عسكرية تفوق إمكانات العرب قاطبة، فهي رابع جيش في العالم وثاني جيش معزز إلكترونياً، غير أن هذه القوة لن يكون بمقدورها فرض إرهابها على الشعب الفلسطيني الأعزل. إيقاع آلاف الضحايا الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ، وتدمير الممتلكات الخاصة والعامة، وتدمير البنية التحتية، الكهرباء والماء والصرف الصحي. هكذا فعلت في لبنان وهكذا فعلت في القطاع والضفة من خلال حروبها المتكررة دون نتيجة، فحتى مساء 2 أغسطس 2014 سقط في غزة والضفة 1712 شهيداً ونحو 9080 جريح من المدنيين ثلثهم من الأطفال والنساء، والخسائر المادية تقدر بنحو 3 مليار دولار أمريكي، ما يعني أن إسرائيل التي تتغنى بقدرتها العسكرية والتكنولوجية سقطت أخلاقياً، ما يفسر سبب عدم نجاحها في حروبها المتكررة سوى بدم الأبرياء! آن للجلاد أن يتوقف عن تنفيذ جرائمه ويطرح السؤال بوضوح كيف يمكن حل الصراع مع الضحية؟ بالتأكيد سيجد الجواب بأنه لا حل للصراع التاريخي دون حوار حقيقي يمنح للشعب الفلسطيني حقوقه السياسية. خريطة الألمتدحرجت الأهداف الإسرائيلية من وراء عدوانها على قطاع غزة، بذريعة إعادة الهدوء للمناطق الجنوبية، مروراً بتدمير الأنفاق، وتحجيم قوة حماس والجهاد الآخذة بالتعاظم. ابتكر الاحتلال وسيلة لتنفيذ ذلك حسب يوسي ميلمان المحلل الأمني والاستخباراتي الإسرائيلي، باختراع إسرائيلي شيطاني يسمى «خريطة ألم»، لعدم قدرة جيش الاحتلال الإسرائيلي من الوصول إلى «بنك الأهداف» بعد الدمار الشامل الذي ألحقه بقطاع غزة. و»خريطة الألم» حسب الجيش الإسرائيلي تعني قتل المدنيين، ليتساوق مع الشعار العنصري لليمين المتطرف في إسرائيل «الموت للعرب» واغتصاب نسائهم! هذه عقلية المحتل الذي يتعمد استهداف المدنيين، وهي الوسيلة الأكثر إجراماً، هي صورة النصر التي تعودت عليها إسرائيل دون موقف حازم صارم من المجتمع الدولي وعلى رأسها مجلس الأمن، الذي تعود وضع رأسه في الرمل حتى لا يتهم بالعداء للسامية. ولكن الشعب الفلسطيني لن يغفر لمن أوغل ولمن صمت على تنفيذ الجريمة، فلن يستطيع أحد ادعاء عدم المعرفة، لأن الجريمة كانت تحت بصر العالم أجمع وعلى الهواء مباشرة! مع «خريطة الألم» تقل أهمية الأهداف الأخرى التي تعتقد إسرائيل بقدرتها على فرضها بالقوة، وتتركز جملة الأهداف الإسرائيلية بالعمل على تعميق الشرخ الفلسطيني وإعاقة الوحدة الفلسطينية وحكومة التوافق، وحرمان الفلسطينيين من وسائل الدفاع عن أنفسهم وعلى رأسها سلاح المقاومة الفلسطينية، وفرض صيغة هدوء مقابل هدوء واستمرار حصار القطاع.العدوان الذي استهدف غزة تراوح بين أهداف استراتيجية وأخرى تكتيكية يمكن تلخيصها بما يلي:تدمير عملية المصالحة الفلسطينية كهدف استراتيجي.في ظل غياب شريك إسرائيلي حقيقي لعملية السلام، وتلكؤ حكومة اليمين التي تريد المراوحة حول المربعات الأولى دون تنفيذ الاستحقاقات المترتبة على ما تم التوافق حوله، استعادت القيادة الفلسطينية زمام الأمور وذهبت لمواجهة المجتمع الدولي موحدة سياسياً وجغرافياً. ووقف الرئيس محمود عباس في مواجهة الضغوط من الولايات المتحدة وتهديدات إسرائيل من أجل تحقيق المصالحة الفلسطينية، بعد سنوات سبع عجاف استطاعت إسرائيل خلالها من التذرع دوماً بحالة الانقسام التي كانت واحدة من الأهداف وراء الانسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة عام 2005، لمنع قيام دولة فلسطينية في الضفة والقطاع عاصمتها القدس، وذهب بقوة نحو توحيد الصف الفلسطيني وتعرية دولة الاحتلال من ذرائعها للتنصل من الالتزامات والاستحقاقات السياسية أمام العالم. تفتقت العبقرية الإسرائيلية عن فعل إسرائيلي لمنع الفلسطينيين من الوصول إلى هدف توحيد صفوفهم، فكان هذا العدوان الجائر على القطاع، لإحداث الفتنة في الصف الفلسطيني لإدامة الفصل بين الضفة وغزة سياسياً وجغرافياً، وتنفيذ عدوان يؤدي إلى حل مجزوء ومشوه في غزة بعيداً عن الضفة والقدس التي تعد لها حلاً مغايراً.خلط الأوراق كهدف تكتيكي.تعرض التحالف اليميني الحاكم الذي يقوده نتنياهو للكثير من الضربات ما هدد بانهياره والذهاب لانتخابات مبكرة، فعمل على إعادة خلط الأوراق «في الجوار الذي أعاد ترتيب صفوفه»، للحيلولة دون قدرته على الحركة السريعة دولياً وإقليمياً، وإدخال الشأن الفلسطيني في خضم تجاذبات وصراعات إقليمية على حساب الدم الفلسطيني النازف، في محاولة لسحب البساط من تحت القيادة الفلسطينية وتعميق الشرخ في الصف الفلسطيني.احتكار صورة الضحية كهدف استراتيجي.نجحت الماكينة السياسية الدعائية لدولة الاحتلال والحركة الصهيونية على ترسيخ صورة الضحية لأكثر من ستة عقود، ومن خلال ذلك ابتزت المواقف السياسية والدعم المالي، هذه الصورة اهتزت كثيراً بفعل فظاعة الجريمة الإسرائيلية بحق الطفل الفلسطيني المقدسي محمد ابو خضير الذي اختطف وجرى التنكيل به وحرقه حياً، ووجدت استنكار وشجب المجتمع الدولي قاطبة، وفقدت إسرائيل على وقع الجريمة صورتها كضحية، وباتت بحاجة لوقف النزيف في صورتها وبشكل خاص أوروبا التي باتت أقرب لاتخاذ مواقف بحق إسرائيل «دولة الاحتلال» والاستيطان باعتباره غير شرعي. أمام ذلك وجدت دولة الاحتلال نفسها بحاجة لجهد لتغيير هذا الانهيار في صورتها مهما كلف الثمن، فكان قرارها الذهاب إلى عدوان على قطاع غزة، بذريعة أن دولة إسرائيل تدافع عن نفسها، وبحثت عن مبررات عسكرية وأمنية للعدوان لضمان بقاء التعاطف الدولي إلى جانب إسرائيل «الضحية»!!.التدريب في اللحم الحي كهدف تكتيكي داخلي. مؤخراً واجهت موازنة جيش الاحتلال الكثير من التجاذبات في الكنيست الإسرائيلي، حتى إن بعض القيادات العسكرية الإسرائيلية تحدثت عن تأثير ذلك على القدرة الهجومية والدفاعية لجيش الاحتلال، جراء عدم الموافقة على موازنة الجيش، وتم تقليص تدريب الجنود وعدد الطلعات الجوية للطيران الحربي. ما استنفر كافة مراكز القرار العسكري السياسي الأمني لنفض الغبار عن بعض الخطط الجاهزة للقيام ببعض التحركات على حساب اللحم الفلسطيني الحي، باعتبار المناطق الفلسطينية حقل الرماية، ويشكل المدنيون الأبرياء أهدافاً متحركة لا تحظى بالحماية الدولية، وبخاصة أن دولة إسرائيل تعامل طوال الوقت بأنها فوق القانون ولا تخضع لمعايير المساءلة العالمية عن جرائمها!!تجنب المحاكم الدوليةفي ظل تعثر حكومة نتنياهو في تحقيق أي من الأهداف الاستراتيجية والتكتيكية، سوى إيغالها في الدم واللحم الفلسطيني، وتدمير البنية التحتية للقطاع، بدأ الصوت يعلو في حكومة نتنياهو حول وقف العدوان أو استمراره، حتى أن غدعون ساعر الوزير في حزب اليكود، دعا نتنياهو لقراءة متعمقة في تقرير فينوغراد (هآرتس)، فيما ذكرت (يديعوت) أيضاً أن الكثير من قادة الجيش يحضرون أنفسهم للمحاكمة بسبب الإخفاقات في العدوان على غزة.لكن حقيقة الأمر أن على إسرائيل الاستعداد لمواجهة التحقيق الدولي في جرائم الحرب على غزة، بعد وصول لجنة التحقيق الدولية التي شكلها مجلس حقوق الإنسان، والتي ستبحث في الكثير من الجرائم التي ارتكبها جيش الاحتلال في القطاع، وقصفه المدارس والمستشفيات والجوامع والمنازل وإبادة الكثير من العائلات.ونختم أن شعبنا الفلسطيني لن يغفر لمن تقاعس ومن صمت ومن حمى من أوغل في الدم الفلسطيني!.