في الوقت الذي كانت فيه الطائرات الحربية تلقي أول القنابل الأمريكية على أهداف لمتشددين مسلحين إسلاميين في شمال العراق يواجه الرئيس الأمريكي باراك أوباما شكوكاً داخل إدارته وخارجها حول ما إذا كانت المهمة المحدودة التي أمر بها ستكون كافية لقلب الموازين في صراع يهدد بتفكيك العراق.
ووجد أوباما نفسه في مأزق بعد شهور من تفادي اللجوء لعمل عسكري أمريكي مباشر في أزمة العراق، فأمر على مضض بالتدخل في بلد اعتقد الأمريكيون أنهم تركوه خلفهم منذ فترة طويلة.
والآن وقد عاد الرئيس بالولايات المتحدة لتلعب دوراً ميدانياً للمرة الأولى منذ أن سحب الجنود الأمريكيين قبل عامين ونصف العام، فإن هناك تساؤلات بشأن إن كان أوباما سيقدر على حسم المعركة.
وقال ريان كروكر، الذي عمل سفيراً للولايات المتحدة في بغداد بين عامي 2007 و2009، إن إرسال «طائرتين من طراز إف. إيه-18 لإلقاء قنابل تزن 500 رطل على مدفعية (المتشددين) لن يقلب الموازين في هذا الصراع.. لا أعلم ما هي استراتيجيتهم».
وفي الوقت الذي تواجه فيه السياسة الخارجية لأوباما انتقادات في الداخل والخارج بسبب طريقة إدارته للأزمات في أوكرانيا وقطاع غزة وسوريا، فإنه ليس بوسع الرئيس الأمريكي ان يتحمل انتكاسة كبيرة أخرى فيما يقترب من نصف مدته الرئاسة الثانية.
وأمر أوباما يوم الخميس بشن الضربات الجوية معللاً ذلك بضرورة وقف تقدم المتشددين المسلحين نحو العاصمة الكردية وحماية الأمريكيين إلى جانب مئات الآلاف من المسيحيين وغيرهم من الأقليات الدينية التي تلوذ بالفرار خوفاً على حياتها.
ويأمل المسؤولون الأمريكيون أن تمنح القوة الجوية واشنطن متنفساً كي تعيد تسليح القوات الكردية التي تواجه الآن القدر الأكبر من هجمات المتشددين المسلحين والسماح للجيش العراقي بإعادة تنظيم صفوفه بعد أن انهار جنوده في الشمال خلال الهجوم الخاطف للإسلاميين في يونيو.
وقد تمنح الضربات الجوية إدارة أوباما مزيداً من الوقت والنفوذ للضغط على قادة العراق المنقسمين لتشكيل حكومة أكثر شمولاً ربما بدون رئيس الوزراء نوري المالكي، وهو شخصية مثيرة للانقسام فقد تأييد واشنطن له.
لكن في الوقت الذي يصر فيه المسؤولون الأمريكيون على عدم وجود خطة بشأن «حملة مستمرة» ضد المتشددين فإن الكثيرين في واشطن يعتقدون أن الضربات الجوية لن تسفر سوى عن تعطيل تقدم الإسلاميين وليس دحرهم فعلياً. وأعلن تنظيم «داعش» الخلافة في مناطق واسعة سيطر عليها في العراق وسوريا.
وعبر بعض المسؤولين الأمريكيين سراً عن شكوك داخل الإدارة بشأن أهداف أوباما وخطته للخروج في نهاية المطاف. ويصر أوباما ومساعدوه بأنه لن يتم إرسال قوات برية أمريكية للعراق، وبأن الولايات المتحدة لن تنجر إلى حرب شاملة أخرى.
ورغم مناشدات الحكومة العراقية ومطالب من منتقديه في الكونجرس وحتى نصائح من بعض مساعديه، فقد عارض أوباما لفترة طويلة الموافقة على شن ضربات جوية في العراق حتى بعد أن اجتاح الإسلاميون شمال العراق بعنف.
وكان هذا يتماشى مع مبدأ أوباما في تفادي أي تورط عسكري جديد ولا سيما في الشرق الأوسط المضطرب، في وقت سأم فيه الأمريكيون من حرب استمرت أكثر من عشرة أعوام.
وقال فريدريك هوف، وهو مستشار سابق لشؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأمريكية، أثناء فترة ولاية أوباما الأولى «لا أعرف إن كان قد قام بذلك على مضض.. لكن بشكل ما فإن الرئيس وضع في مأزق واضطر للتحرك».
وتغيرت حسابات أوباما بعد أن حققت «داعش» الذي تسيطر على ثلث العراق في الشهور الأخيرة مكاسب ضد القوات الكردية وتقدمت باتجاه أربيل عاصمة إقليم كردستان الذي يتمتع بحكم شبه مستقل والذي كان يسوده الاستقرار.
وواجه أوباما دعوات دولية للتحرك لتفادي كارثة انسانية فوق قمة جبل، حيث تقطعت السبل بعشرات الآلاف من أفراد الطائفة اليزيدية المهددين بسبب تقدم الإسلاميين.
وقال مسؤول كبير في إدارة أوباما بشأن مشاورات اللحظة الأخيرة التي أجراها أوباما «لم أسمع كلمة الإبادة الجماعية تستخدم من قبل في غرفة العمليات.. لهذه الكلمة ثقل كبير».
وكان أوباما يتلقى أنباء عن أحدث تطورات الوضع المتدهور في العراق لدى اجتماعه مع قادة أفارقة في واشنطن في قمة كبرى هذا الأسبوع. وقال المسؤول إن الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان المشتركة قفز داخل سيارة الرئاسة بعد ختام مؤتمر صحافي ليعود إلى البيت الأبيض ويبلغ أوباما تفاصيل إضافية.
وقال مسؤول أمريكي إن سلسلة الهجمات متعددة الجوانب التي بدأ الإسلاميون تنفيذها يوم السبت ووصلت لذروتها الأربعاء بالتهديد بالتقدم نحو أربيل هي التي أجبرت أوباما في النهاية على إعلان الحملة الجوية المحددة.
ورغم أن أوباما كان حريصاً على عدم إعلان «خطرأحمر» فإن مسؤولاً أمريكياً كبيراً قال إن الإدارة «حددت هدفاً بأننا سنتحرك لحماية موظفينا ومنشآتنا والتي تشمل بالطبع هاتين المدينتين المهمتين استراتيجياً.. أربيل وبغداد».
لكن الأهداف التي أعلنها أوباما للتدخل الأمريكي وهي حماية المواطنين الأمريكيين في العراق ومنع ما وصفه «فعل محتمل من الإبادة الجماعية» لا تزال مبهمة في نظر الكثيرين في واشنطن.
وقال أعضاء في الكونجرس إنهم يؤيدون إنزال المساعدات جواً والضربات الجوية، لكن الجمهوريين يطالبون بأن يحدد الرئيس استراتيجية طويلة المدى. وحتى أقرب حلفاء أوباما من الديمقراطيين أوضحوا أنهم يريدون منه العمل مع المشرعين وليس التحايل عليهم.
وقال كين بولاك، وهو مسؤول سابق في المخابرات المركزية الأمريكية والبيت الأبيض ويعمل الآن مع معهد بروكينز البحثي في واشنطن، إن أقرب مقارنة لمهمة العراق ما حدث في ليبيا عام 2011 عندما تعهد أوباما -لأسباب إنسانية أيضا- بحماية مدينة بنغازي من مذبحة وشيكة على أيدي قوات موالية لمعمر القذافي.
وقال الرجل إن كثيرين توقعوا حملة جوية أمريكية كبرى تعقبها مساعي إعادة الإعمار بعد الحرب، لكن ما حدث هو أن الولايات المتحدة قادت من الخلف في الهجوم الجوي الذي قاده حلف شمال الأطلسي وبعد سقوط القذافي «قمنا بالانسحاب».
وتوقع كروكر أن تنظيم «داعش» سينتظر انتهاء الهجمات وسيؤجل تهديده لأربيل وسيحول مساره بدلاً من ذلك لشن هجمات باتجاه الأردن أوالسعودية.
وقال «سيبدأون بالنظر عبر الحدود.. يؤمنون (بأهمية) الحدود السعودية والأردنية مثلما (يؤمنون) بأهمية الحدود السورية والعراقية».
(مات سبيتالنيك - رويترز)