حوار - خالد أبو أحمد:
منى شاكر الروبي لها قصة في الإبداع والتألق والمثابرة ودافعها في التميز وسط مجتمع يزخر بالفنانين والمبدعين في كافة المجالات، ولذلك تشكل حضوراً واسعاً في المجتمع الإبداعي البحريني ولم تنس في حركتها التشكيلية أن جوارحها تأثرت بالنيل الخالد الذي ولدت على إحدى ضفتيه، وتجلياته الملهمة للإبداع، كما تظهر من خلال جيناتها عمق الحضارة النوبية في أسوان «المصرية»، والتمازج البشري في بريطانيا، وحضارات البحرين القديمة فكانت الخلاصة لوحة معبرة وصورة ناطقة بأجمل ما رسمته ريشة فنان.
التقاط مكامن الجمال
حكت لـ«الوطن» قصة الإبداع والتمازج الفني والحضاري بين السودان ومصر وبريطانيا وأخيراً البحرين قالت «سودانية من الوالد، وأمي من أصول مصرية من مدينة أسوان تحديداً، عشت طفولتي الأولى في السودان، ثم انتقلت مع الأسرة للمملكة المتحدة وهناك درست مراحل دراستي الأولية، وأثناء حركتي في بريطانيا من مكان لآخر بدأت في التقاط مكامن الجمال على أكثر من صعيد، ومن خلال التنوع البشري الذي تزخر بها المملكة المتحدة بدأت أتلمس الأشياء من حولي، من صور وأشكال وشخوص، هناك تعلمت الكثير ذلك لأن تجانس البشر من جذور مختلفة من كل قارات العالم، وفي محيط واحد شكل بالنسبة لي صوراً انطبعت في ذهني وفي فؤادي.
وفي مرحلة ثانية من مراحل العمر انتقل والدي للعمل في مملكة البحرين وهي بلا شك غنية بالمفردة التشكيلية الملونة التي يشعر بها المتذوق للجمال منذ أول وهلة، ومن حضارات هذه الجزيرة الضاربة في القدم «تايلوس» و«دلمون» و«أرادوس» كانت بداياتي الأولى حيث بدأت أناملي في التعبير عن الخليط البشري والجغرافي الذي تكونت منه، وتشربت معالمه الحضارية والفنية، شيئاً فشيئاً وجدت نفسي أمارس الفن التشكيلي.
مضامين إنسانية بحتة ثم ثقافية
وعن مشاركاتها الفنية تقول الفنانة منى الروبي:«في الخمس السنوات الأخيرة شاركت بفعالية حتى برزت شخصيتي الفنية من خلال المعارض التشكيلية والمواسم الفنية، والفعاليات الثقافية، وفي ديسمبر 2009م،شاركت بلوحات فنية ضمن مهرجان الشعوب والجاليات السنوي الذي تنظمه وزارة الثقافة البحرينية في كل عام، ثم أقمت معرضي الثاني لي في المركز البحريني الفرنسي أبريل 2010م، وبطبيعة الحال أعمالي تحمل مضامين إنسانية بحتة ومن ثم ثقافية، ومن هذه الأعمال كانت مشاركتي مع الأمم المتحدة في المعرض الذي أقيم لمناهضة العنف ضد المرأة وكانت أعمالي الفنية تحمل هذه المضامين، كما شاركت في مسرحية على هامش احتفال الأمم المتحدة بيوم المرأة العالمي من خلال لوحات فنية تشكيلية والذي أقيم بعنوان «خلف الأبواب» وكان ذلك في 2010م، أيضاً شاركت في جداريات الرحمة الذي أقامه مركز الرحمة للمعاقين، وحقيقة كانت فعالية جميلة ورائعة جداً برز فيها الحس الإنساني بكل تجلياته وكما شاركت وتحت رعاية مركز سيدات الأعمال الأمريكيات 2011م في معرض فني فلسفي، أيضا كانت هناك مشاركة في فعالية «وحدة..وحدة» التي أقامتها وزارة التنمية الاجتماعية التي اشتملت على أعمال تشكيلية على مجسمات للجمال «سفينة الصحراء» وهو يرمز إلى العمق التراثي الخليجي وكان ذلك في عام 2012م».
البايومورفك «واللون الأسود المتحرك»
تعمل منى في الوقت الراهن على إنجاز أعمال فنية بتقنيه «البايومورفك» وهي حركة بدأت في القرن الـ 20، وهي نماذج لتصاميم وعناصر التي توحي بأشكال الطبيعة أو المحيط ومختلف الكائنات الحية، مضاف إليها خطوط سوداء مائعة تحفز المتلقي أن يستوعب الحركة التي يرنو إليها الفنان وتقدم الروبي هذه التجربة في مجموعة من اللوحات التشكيلية تحاول من خلالها التعبير عن التمازج الفني والإنساني في تشكيل صورة المشاعر الإنسانية وانعكاسها على السلوك الإنسان، والمجموعة تقدم على هيئة قطع قليلة في معارض متفرقة.
الربط بين الثقافات الأفريقية والآسيوية
سألت «الوطن» الفنانة التشكيلية منى الروبي عن الهموم التي تزحم دائماً الفنان وتجعله في سباق مع الزمن وفي تحدي مع نفسه..قالت «كما تعلم بأن التشكيلي دائماً في حالة قلق بسبب الأسئلة الطارئة التي تنزل عليه بدون مقدمات وفي الغالب أسئلة ملحة تبحث عن إجابات وعن ملامح وعن شخوص، وعن أمكنة وعن تاريخ وعن صلة هذا بذاك، لذلك أعمل بعمق شديد لكى أربط بين ثقافتين، ثقافة تتحرك بعيداً عني مادياً وفي داخلي روحياً، وثقافة أخرى أتمرغ في حقولها كل لحظة، أحاول أن أبتدئ برسم أكثر من خط يتلاقى عند نقطة الممكن ولنقُل المسار الأفريقي والآسيوي والمزيج الحضاري والعرقي المختلف مثل ما هو موضح في بعض لوحاتي، وكما أحاول أن أرى الخيوط المتشابهة من خلال قراءة التاريخ الممتد لآلاف السنين عبر حضارات متعددة وحقب زمنية مثلت لنا إرثاً زاخراً».
العلاقة بين البشت والغترة والجلابية والعمة السودانية
لدي مجموعة التي أعمل عليها ولم تر النور بعد تعتمد على المزج بصورة كبيرة ما بين البشت والغترة والعقال والدفة والبطولة والبخــــــور السودانـــــي و«القرمصيص» و«الثوب» والجلابية و«العمة» السودانية، لا أعتقد أن هنالك صعوبة طالما أننا أستطعنا أن نعيش في مزيج ما بين المجتمع السوداني المتكاتف جداً في البحرين، والبحرين كبلد خليجي كريم من ناحية، كريم بمنتهى ما تحمل كلمة الكرم، في التساوي عند الحقوق، وفي كل شيء جميل .. ومزجي يصل إلى درجة الالتباس لكل من يشاهد اللوحات بالتأكيد سيقول الناظر إليها، إن هذا الراسم إما أنه لسوداني ويعيش في البحرين وإما لبحريني يعيش في السودان.
الانتماء للبحر يشكل ثقافة حياة في البحرين .. تقول بكل تأكيد «لن تستطيع وأنت في البحرين أن لا تنتمي لهذه الجزيرة وللبحر، البحر يمثل كل الحياة في البحرين وبدونه البحرين لا تعني شيئاً، وللبحر طابعه الخاص كرمز حياة وثقافة مجتمع تشكل كل حياته المادية والروحية من وجود هذه المياه، نرتاح عند شواطئه وخلجانه بمجرد نظرة، حتى الدفان يشعرنا بالغضب لماذا الدفان يقتل ثقافتنا؟ .. فالردم رغم حاجتنا إليه لسد فجوة الإسكان إلا أنه يدمر الحياة البحرية ويقضي على أجمل السواحل».