أكدت النائب الثاني لرئيس مجلس الشورى د.بهية الجشي، أن الاتحاد الخليجي يجعل من دول مجلس التعاون قوة أمنية وعسكرية كبرى تحفظ التوازن الإقليمي، لافتة إلى أن الانتقال من وضع الدولة الوطنية للاتحاد لا يناقض فكرة الاستقلالية.
وقالت الجشي لدى مشاركتها في ختام منتدى أصيلة الثقافي الدولي بنسخته الـ36 في المغرب، إن أحداث المنطقة تسير عكس اتجاه صيغ التعاون والشراكة بين الدول، مضيفة «بالمقابل لا يعترف العالم بالكيانات الصغيرة، بل بالتجمعات والقوى الإقليمية».
ونقلت تجربة التعاون لدول الخليج العربية، وتناولت مسألة التحول من التعاون بين هذه الدول إلى مرحلة الاتحاد، وما يترتب على التشكيل الجديد من تغيرات في الشراكة وطبيعة التجمع.
وقدمت الجشي مشاركتها من منطلق معايشتها لتجربة مجلس التعاون الخليجي، ومراقبتها لما يجري في الوطن العربي، مشيرة إلى أهمية الموضوع المطروح وضرورته في الوقت الحالي على ضوء المتغيرات السياسية والاقتصادية في الوطن العربي.
وقالت «من المفارقات الغريبة أننا نبحث موضوع الاتحادات والدول رغم محاولات تجري من حولنا لتحويل تلك التجمعات إلى كيانات أصغر»، معربة عن قلقها حيال سير الأحداث الأخيرة في اتجاه مضاد لصيغ التعاون والشراكات بين الدول.
وأوضحت أن دول العالم تملك العديد من القواسم المشتركة وتتجه لخلق اتحادات، مردفة «العالم لا يعترف بالكيانات الصغيرة، بل بالتجمعات والقوى الإقليمية»، حيث يجب العمل على النهوض بالدولة الوطنية وتشكيل اتساع أكبر عبر الشراكات والاتحادات.
وبينت الجشي أن الانتقال من وضع الدولة الوطنية إلى الاتحاد لا يناقض فكرة الاستقلالية، ما دامت كل دولة تفرض سيادتها على محيطها الجغرافي، مستدركة «لكن في الوقت ذاته الأمر يتطلب جزءاً من تنازل هذه الدول الصغيرة عن سلطتها من أجل مصلحة الاتحاد، ليتمكن من اتخاذ القرارات والمواقف باسم المجموعة».
ولخصت الجشي أهم معوقات الاتحادات وأساب ضعف أدائها واستقرارها، بالاختلافات الإيديولوجية والاقتصادية والسياسية للدول المكونة للاتحاد، وعدم رغبتها في منح السلطة للمجموعة من أجل اتخاذ القرارات والمواقف.
وعن تجربة مجلس التعاون لدول الخليج العربية قالت الجشي «المجلس مثال من أمثلة التكتلات الإقليمية التي تجمعها مصالح ومقومات مشتركة وحضارية، وهذا المجلس خطا خطوات إيجابية نحو التكامل عبر اتفاقيات دفاعية وأمنية، والسعي لتطبيق اتحاد جمركي».
واستدركت «لكن تبقى الخطوات ناقصة في تحقيق تكامل اقتصادي، ويجب أن يكون هذا التكامل في المرتبة الأولى وعليه يُبنى الاتحاد الإقليمي». وأضافت «يمكن تحقيق ذلك عبر سوق مشتركة مثلاً، وما يترتب عليه من توحيد العملة، ما يمنح المجلس قوى اقتصادية على غرار الاتحاد الأوروبي، في إزالة الحواجز بين الدول الأعضاء، وربطها بشبكة مواصلات».
وعدت الجشي تشكيل مجلس التعاون كان أمراً حتمياً، نظراً لامتلاك المنطقة الكثير من المقومات المشتركة، والروابط الدينية والثقافية، إلى جانب تشابهها في الخصائص السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وصلات القربى الجامعة بين العائلات الخليجية تبعاً لروابط التصاهر والتزاوج والنظام القبلي.
وأردفت «في ظل ما تشهده المنطقة العربية اليوم من صراعات، بدا الأمر أنه يستلزم أن يكون هناك لحمة وتماسك، حيث إن الموقع الجغرافي لدول الخليج العربية يأتي معززاً لرؤية يتمتع بها قادة المجلس، وهي رؤية استشراف المستقبل».
وأشادت بمبادرة خادم الحرمين الشريفين المتمثلة في الدعوة خلال قمة مجلس التعاون في الرياض عام 2011 للانتقال من التعاون إلى الاتحاد، لافتة إلى أن المبادرة تأتي تماشياً مع المادة الرابعة من النظام الأساس لدول مجلس التعاون، والناصة على تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء.
وتابعت «في ظل ظروف تمر بها المنطقة العربية عموماً ودول الخليج خاصة، ليس هناك من طريقة إلا الاتحاد الخليجي لمواجهة التحديات الكبيرة»، مشيرة إلى أن تشكيل الاتحاد يجعل من مجلس التعاون قوى أمنية وعسكرية كبيرة قادرة على مواجهة ما يعترضها من تحديات، ما يحفظ التوازن الإقليمي بين القوى السياسية والعسكرية.
وعقبت «هنالك شوط طويل للانتقال من صيغة التعاون إلى الاتحاد»، معللة أن الأمر يستلزم أولاً وضع أسس للاتحاد المتمثل في التكامل السياسي والاقتصادي والدّفاعي.
وأوضحت «بدون هذه الأسس مجتمعة يتعذر إقامة تكتل إقليمي ذي فعالية على مستوى العالم»، لافتة إلى أن الاتحاد الخليجي لابد أن يعمل على التحول إلى أحد أهم التكتلات الاقتصادية على مستوى العالم، بحيث تكون له مواقف اقتصادية قوية مشتركة، يستطيع من خلالها فرض مفاوضاته التجارية والاقتصادية مع التكتلات والاتحادات الاقتصادية العالمية، لاسيما دول الاتحاد الأوروبي.
وقالت إن الاتحادات والتكتلات الإقليمية تستلزم أيضاً توحيد الأنظمة السياسية، وما يتبعها من إصلاح يتمثل في مجالس نيابية منتخبة، وهو ما تسعى الدول الأعضاء لتحقيقه للوصول إلى مجلس نيابي اتحادي.
وحول موضوع الاتحاد الخليجي، علقت الجشي أن موضوع الاتحاد طرح على مستوى القمة ولكن لم يطرح على مستوى الشارع ومؤسسات المجتمع المدني والمواطنين.
وقالت «أعتقد أنه لتحقيق ذلك يجب طرح الموضوع في ندوات ومناقشات عامة لوضع الرؤى والأسس الصحيحة لهذا الاتحاد، حتى يكون المواطن مستعداً لدعم هذا التوجه».
وواصلت «قيام اتحاد خليجي يتمتع بالمساحة الجغرافية والانسجام الجغرافي الموجود بين الدول، وتوفر العدد المناسب من السكان، وحجم الإنفاق الحكومي على مشروعات البنية التحتية، يساعد حتماً على إنشاء نشاط اقتصادي يحقق معدلات نمو عالية، ويعزر مكانة القطاع الخاص بما يخفف العبء على الإنفاق الحكومي».
وأكدت أنه في الوقت الراهن لم يعد بالإمكان للدول أن تواجه لوحدها ما يعترضها من تحديات، مضيفة «لذا فمن أجل التوصل لاتحادات إقليمية ناجحة، ينبغي العمل على تعزيز المقومات الأساسية لنمو واستمرارية ذلك الاتحاد».
وختمت بالقول «هناك مقومات وأسس لابد من وجودها لضمان الاستمرارية ومن أهمها الإصلاح وتنمية الاقتصاد في الدول الراغبة في الانضواء تحت اتحاد إقليمي، وتوفر الرغبة والإرادة الكافية للوصول إلى تفاهم حول القضايا ذات الإشكالية، والتوصل إلى اتفاقات حولها دون المساس بالسيادة الوطنية للدول ودون التفريط بما يتطلبه قيام اتحاد إقليمي قوي، بل يجب أن تكون هناك مزاوجة بين الاثنين».
واختتم منتدى أصيلة ندوته المعنونة «الدولة الوطنية والاتحادات الإقليمية في عالم الجنوب»، بعد أن استمرت يومي 8 و9 أغسطس الجاري.
970x90
970x90