الاضطرابات بالأسواق المالية تؤثر على الاستثمارات الخارجية
توفير ?40 من القروض للمقترضين ذوي الجدارة الائتمانية الضعيفة
ارتفاغ أسعار الأصول بشكل كبير قبل الأزمة المالية العالمية
لا يختلف أحد فى أن الأزمة المالية العالمية الأخيرة كانت أساساً بسبب ممارسات خاطئة بدءاً من الإقراض لمن لاتتوفر لهم ملاءة ائتمانية مقبولة مروراً بالمجازفات المرتبطة بالتعامل المبالغ فيه بالمشتقات وغيرها من الممارسات المشوبة بتضارب المصالح والتحايل على القوانين وضعف الشفافية إضافة إلى قصور كبير في الالتزام بالمعاير الأساسية للحوكمة
الخشية ونحن على أعتاب الخروج من تلك الأزمة أن نكون قد نسينا دروسها القاسية وكأن التاريخ يعيد نفسه. هذا في الواقع ليس أمراً مبالغ فيه حيث إن الأسواق المالية العالمية بدأت من جديد فى التحذير من مخاطر جديدة قادمة ترجع فى غالبيتها إلى التهور والجشع وعدم توخي الحذر والتساهل في إدارة المخاطر بالمستوى المطلوب.
وسواء تحدثنا عن المخاطر السياسية أو مخاطر الاستثمار وتوظيف الأموال أو تحدثنا عن نوع السياسات المالية والنقدية التى أغرت على المجازفة والاستثمار في أصول عالية المخاطر، مدفوعة بالاعتقاد بأن السلطات النقدية ستستمر فى توفير الأموال والسيولة اللازمة بأسعار رخيصة انطلاقاً من رغبتها فى انتشال الاقتصاد من الركود وتعزيز مسيرة النمو والتعافي الاقتصادي، إلا أن هذا الوضع قد أدى إلى توجه كثير من المستثمرين إلى أدوات استثمارية وإن كانت مرتفعة العائد نسبياً إلا أن ذلك جاء على حساب الجدارة الائتمانية وارتفاع درجة المخاطر.
هذا بالضبط ما حصل قبل وقوع الأزمة المالية الماضية، حيث ارتفعت أسعار الأصول بشكل مبالغ فيه ولم يعد هناك علاقة منطقية بين أسعار الأصول المالية ومعدلات النمو الاقتصادي التي لاتزال في مستويات متدنية. إن مثل هذه المظاهر هي التي قادت كثير من المتخصصين آخرهم كان الن غريزبان محافظ البنك الاحتياطي الفدرالي الأمريكي السابق الذي صرح مؤخراً بأن الأسواق المالية سوف تشهد حركة تصحيح كبيرة وقاسية.
وفي حالة تحقق مثل هذا التنبؤ فإن الآثار المتوقعة ستطال قطاعات واقتصاديات كثيرة من العالم. والخشية في مثل هذه الحالة أن أسواق النفط التي تشهد حالياً بعض التراجع فى مستوى الطلب يمكن أن تتعرض لتسارع موجة التراجع هذه بشكل مفاجئ دون أن تكون الدول النفطية على استعداد للتكيف مع مستويات أقل من الإنتاج والإيرادات النفطية.
إن تأثير الاضطرابات المحتمله في الأسواق المالية من شأنه أيضاً أن يؤثر على الاستثمارات الخارجية كما أنه من شأنه أن يؤثر على التجارة والصادرات والتدفقات المالية خاصة للاقتصاديات الناشئة.
إن ما حصل الأسبوع الماضي في الأسواق المالية العالمية ما هو إلا صفارة إنذار حيث إنه خلال بضعة أيام خسرت مؤشرات الأسهم الأمريكية كل ما كسبته منذ بداية العام وحتى الآن. ولم تسلم من موجة بيع الأصول بجميع أصنافها حتى السندات السيادية لأهم اقتصاديات دول العالم.
لاشك أن توجس المستثمرين من انعكاس المخاطر السياسية كان له دور أيضاً سواء تصاعد التأزم في العلاقة بين الغرب وروسيا بخصوص أوكرانيا أو بسبب تزايد المخاوف من تدهور الأوضاع السياسية في الشرق الأوسط على ضوء أحداث الحرب على غزة أو تدهور الأوضاع في ليبيا أو تزايد المخاوف من توسع نفوذ داعش، هذا إضافة إلى استمرار الحرب فى سوريا وتأثيرها على الدول المحيطة مثل الأردن ولبنان. كل هذه الاضطرابات تثير المخاوف تجاه إمدادات نفط الشرق الأوسط الذى يؤثر بالتأكيد على الاقتصاد العالمى.
إن التحدي الذي تمثله عملية إدارة المخاطر في مثل هذه الظروف أصبح أكثر تعقيداً، حيث إنه يستدعي الخروج عن المألوف والاهتمام والتركيز بشكل أكبر على كيفية إدارة المخاطر أكثر منها الاستمرار في التشبث بمحاولة تحقيق معايير الأداء أو الحرص على الالتزام
بكفاية رأسمال أو معدل السيولة التي هي وإن كانت دائماً مطلوبة فهي لا تبدو تمثل المخاطر الأكثر إلحاحاً في الظروف الراهنة كما إنها لاتبدو كافية للتصدي لنوع المخاطر التي تواجه النظام المالي والاقتصادي العالمي اليوم .
على صعيد آخر فإن كثيراً من مدراء المحافظ الاستثمارية نتيجة للضغوط التي تمارس عليهم لتحقيق معدلات أداء ملتزم بها على الرغم من أنها لا تتفق مع ما يمكن تحقيقه عملياً ضمن ظروف الأسواق المالية الحالية، لذا فإنهم مضطرون لأخذ مخاطرأعلى من المعتاد الأمر الذي من شأنه تعريضهم وتعريض زبائنهم لخسائر قد لا تكون محتملة.
وحسبما يبدو فإن ظروف الأسواق المالية اليوم لم تعد تتمثل فقط في الحاجة إلى تدعيم القواعد الرأسمالية للبنوك أو مستويات السيولة لديها بقدر ما تحتاج إلى تجنيب المستثمرين مخاطر اللجوء إلى أدوات استثمارية عالية المخاطر. إن ارتفاع مؤشرات الأسهم الأمريكية قد وصل خلال بضعة أشهر قليلة ماضية ألى أكثر من 17% في الوقت الذي لم يتجاوز معدل نمو الاقتصاد الأمريكي أكثر من 2% خلال الاثني عشر شهراً الماضية.
كذلك تتضح المخاطر في الأسواق المالية للدول الناشئة، حيث زادت بشكل كبير إصدارات السندات، إضافة ألى أن أكثر من 40% من القروض المجمعة تم توفيرها لمقترضين ذوي جدارة ائتمانية ضعيفة وغير مطمئنة. وفي الواقع هذه النسبة تفوق حتى تلك التي عرفناها أثناء تفاقم الأزمة المالية الماضية .
إن الحذر أصبح حسبما يبدو، ضمن هذه المعطيات، عملة نادرة وإذا كانت عملية إدارة المخاطر هي دائماً مطلوبة حتى في الظروف الاعتيادية فإنها بالتأكيد تكون مطلوبة أكثر في زمن الاضطرابات وعدم اليقين وفي ضوء استمرار التحذيرات التي لا نعتقد بأنها تبتعد كل البعد عن الواقع.
الرئيس السابق لصندوق النقد العربي*