قالت أستاذ نظم المعلومات الجغرافية والبيئية المشارك بجامعة الخليج العربي د.صباح الجنيد إن البحرين تمثل حالة فريدةً للدول الجزرية الصغيرة النامية، رغم أنها ليست إحدى الدول الباسفيكية أو الكاريبية التي تركز عليها التقارير العالمية بارزة الصوت في المفاوضات المناخية، محذرة من أن ما يزيد عن ثلث مساحة البحرين معرض للغرق، وربما تفقد البحرين نصف أراضيها إذا ما تضافرت عوامل متعددة في زيادة ارتفاع سطح البحر، مما سيعرض الكثير من قلاعها التاريخية وموروثها الثقافي إلى الخطر.
وأضافت د.الجنيد في ورقة في ندوة ضمن منتدى أصيلة الثقافي الدولي الـ(36) بعنوان (التنمية المستدامة والتغير المناخي: أي دور للمنظمات متعددة الأطراف)، أن استضافة جمعٍ من المتخصصين والمهتمين بمواضيع البيئة والتنمية والتنمية المستدامة وتغير المناخ والأمن الغذائي والطاقة البديلة والاقتصاد الأخضر وغيرها خلال سنوات المنتدى فتح مجالاً واسعاً للتداول وطرح الأفكار والنقاش وتقريب وجهات النظر ما بين المتخصصين والباحثين، وتصغير فجوات الاختلاف ما بين الدول، ونحن في حاجة في هذا العالم للنقاش والتحاور كلما أمكن ذلك.
وأكدت د.الجنيد أن التركيز على موضوع التنمية المستدامة والتغير المناخي خلال الوقت الراهن يشكل إحدى الحلقات الأساسية في استدامة الحضارة البشرية واستمراريتها من خلال تقارب جميع دول العالم تحت مظلة المنظمات الدولية المتعددة ذات الصلة، والتي يعول عليها خلال الفترات القادمة في مراجعة وصياغة اتفاقية تغير المناخ في باريس للعام 2015، والتي تعمل على رأب الصدع حول ظاهرة تغير المناخ، وإيجاد آليات تنفيذ تراعي جميع الدول واستحقاقاتها المطلوبة.
وأوضحت د.الجنيد أن التغيرات السريعة المتلاحقة في النظم البيئية والبشرية الناجمة عن تداعيات تغير المناخ عنوان واقع الحياة اليومية في عالمنا المعاصر، مما يستدعي لأن تخطط الدول وبشكلٍ متسارعٍ موازٍ لهذه التغيرات وتأثيراتها على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والبيئية في مجتمعاتها، محذرةً أن تكون تلك الآثار أكثر حدة وكارثية في كل الدول سواء نامية أو متقدمة، وهي في معظمها تغيرات غير مستدامة تهدد بركود اقتصادي وتفكك اجتماعي واختلال في الأنظمة الإيكولوجية، إن لم يكن اندثار واختفاء الكثير من القيم والموروثات الاجتماعية والثقافية والبيئية في بعض الدول.
ولفتت إلى أن التغيرات المناخية ستتواصل بديناميكية متسارعة بشكلٍ قد لا يمكن التنبؤ به إلا في حدودٍ معينة، مثل: التنبؤ بزيادة درجات الاحترار العالمي، ندرة الموارد، ارتفاع أسعار المواد الغذائية، زيادة الطلب على الطاقة وزيادة تدهور الموارد الطبيعية، مبينةً أن العوامل الأخرى المتفاعلة مع هذه التغيرات -وبحكم طبيعتها- لا يمكن التنبؤ بها كذلك إلا في حدود ضيقة مثل: انهيار الأنظمة المالية، تصدع الأمن العالمي، زيادة انتشار الأمراض الوبائية، تكرار وزيادة تمرد وثورات الشباب، زيادة الهجرة ونازحي التغيرات المناخية وغيرها.
وعن أثر تلك التغييرات والكوارث المناخية، بينت د.الجنيد أنها ستعيق جميع الدول بشكلٍ عام، والدول الجزرية الصغيرة النامية بشكلٍ خاصٍ، وبأكثر حدة، وتهددها في تحقيق أهدافها في مجال التنمية المستدامة.
وقالت د.الجنيد على هامش الندوة إن مملكة البحرين تمثل حالة فريدةً للدول الجزرية الصغيرة النامية، رغم أن مساحتها محدودة وكثافتها السكانية عالية ومواردها الطبيعية محدودة جداً، وسطح جزرها منخفض، وتتعرض أراضيها إلى ضغوط متواصلة بسبب التنمية الاجتماعية التي يجب أن توفر العديد من المشاريع الإسكانية، والتنمية الاقتصادية التي تركز على العديد من المشاريع الاستثمارية وتتطلب مساحات شاسعة من الأراضي والتنمية الصناعية.
وأضافت: كغيرها من الدول الجزرية، قد تتعرض مملكة البحرين للكوارث الناتجة عن ظاهرة تغير المناخ وارتفاع مستوى سطح البحر، مشيرة إلى أن نتائج تقارير البلاغ الوطني الأول والثاني لمملكة البحرين المقدمة إلى الاتفاقية الإطارية لتغير المناخ، أوضحت أن تغير المناخ قد يؤدي إلى تهديدات خطيرة ناتجة عن ارتفاع مستوى سطح البحر حول جزر البحرين المتناثرة ذات السطح المنخفض، وقد يؤثر هذا الأمر على البنية التحتية والقطاع الزراعي والصحة والمياه، وقد يزيد من تآكل السواحل وتناقص التنوع البيولوجي وتناقص مساحة وكثافة الغطاء النباتي، كما ستتزايد الضغوط على مصائد الأسماك والشعاب المرجانية خلال الفترات القادمة بسبب قابلية تأثرها البيئي المرتفعة جداً.
وأكدت د.الجنيد أن المملكة تحاول التصدي لجميع القضايا التي حددها برنامج عمل بربادوس في التقارير الوطنية البحرينية المقدمة إلى مؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة في 2003 و2012، لكنها لاتزال تواجه تحديات تنموية كبيرة مثل تلك التي تواجهها الدول الجزرية. مردفة د.الجنيد: رغم أن التنمية المستدامة تعتبر مسؤولية وطنية أساساً، إلا أن نجاحها يتطلب تعاوناً دولياً فعالاً من خلال تطبيق مبادئ وأهداف المؤتمرات البديلة التي تتالت خلال الثلاثين سنة الماضية.
وناشدت د.الجنيد؛ الدول المتقدمة من منطلق كون البحرين دولة جزرية نامية بالالتزام بمسؤولياتها الأخلاقية والقانونية لكبح جماح الانبعاثات وتقديم الدعم المادي والفني والتكنولوجي لتعزيز الجهود الوطنية في الدول الأقل نمواً لمواصلة تنفيذ معظم البرامج ذات الصلة بالتغيرات المناخية وبناء قدراتها الآن أكثر من أي وقتٍ مضى، وذلك لتخفيف الكوارث البيئية واحتواء الأزمات الوطنية والمجتمعية المتصاعدة، من أجل المساهمة في عملية التنمية العالمية والسلام.
وأوضحت أن الاتفاقيات والجهود الدولية لم تعد قادرة حالياً وبشكلٍ متزايد على تفادي الكارثة التي ستحل بكوكب الأرض، بسبب عدم وجود الآليات الفعالة التي تلزم دول العالم كافة باتخاذ الإجراءات الاحترازية والتخفيفية المطلوبة، مؤكدة أنه حان الوقت للتوصل إلى نظام فعال جديد قبل فوات الأوان، يبنى ويرسو على أسس الاتفاقيات السابقة وإيجاد آليات عملية قابلة للتنفيذ، تأخذ بعين الاعتبار الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للمجتمعات، كما تأخذ بعين الاعتبار التعليم والتوعية ونقل التكنولوجيا والاستهلاك المستدام.
وأملت د.الجنيد أن يتم التوصل إلى اتفاقية جديدة في باريس 2015، تكون ملزمةً قانونياً للدول الأكثر تلويثاً، وبمساهمة من الدول النامية حسب الإمكانات والدعم المقدم، وبما يكفل تحقيق التنمية المستدامة.