كتب - جعفر الديري: لماذا تكتب؟! سؤال كبير تتعدد إجاباته حسب اهتمام كل كاتب. البعض يحاول الانعتاق من الكتابة لكنه لا يستطيع! وآخرون يتمنون الكتابة لكنها لا تستجيب. لكنهم في النهاية يجدون في الكتابة متنفساً.. حاجة ماسة.. عناقيد من عنب تتدلى واهبة من يستطعمها عالماً مختلفاً يصنعه كما يشاء. يقول الكاتب فواز الشروقي إن الأفكار التي يحملها الإنسان في مسيرة الحياة تتحول أحياناً إلى عبء، لا يستطيع المرء أن يحمل معه أفكاراً جديدة إلا بعد أن يتخفف منها. الكتابة هي بمثابة التخفف من هذه الأفكار. هي الهدايا التي نوزعها في الأعياد لا لكي نفرح من نهديه، ولكن لنخفف عن كاهلنا حمولة الهدايا. هي ما نتخفف منه لكي لا تنكسر ظهورنا. هي حاجة لدى الكاتب أكثر مما هي حاجة لدى القارئ. ولذلك فإن الكاتب سيفشل حين يظن أنه يكتب لسد حاجة لدى القارئ. الكاتب يكتب لأن الكتابة بالنسبة إليه متنفس. أما القارئ فإنه دائماً يتجه للكاتب الذي يكتب محتاجاً لا متبرعاً.الاختناق بالأفكار ويضيف الشروقي أن الكاتب الذي يمتلئ بالأفكار دون أن يكتبها قد يختنق، قد ينوء بحمل الأفكار الجديدة. أولئك الذين يكتبون إنما يقومون بذلك لكي لا يختنقوا. ولذلك تجد كثيرين من الكتاب يعرضون أنفسهم للخطر ثمناً لما يكتبونه، لا لفرط شجاعتهم ولكن لفرط جبنهم. إنهم يجبنون من الموت اختناقاً بالأفكار. إنهم يفضلون الموت تحت سيف المتسلطين ولا الموت اختناقاً من كثرة الأفكار. ما الذي دفع الحلاج للقتل؟ وما الذي دفع المعري لاتهامه بالزندقة؟ وما الذي جعل نصر أبوزيد يجبر على فراق زوجته وبلده؟ إنه الخوف من الموت اختناقاً. فكثرة الأفكار تخنق، والكتابة متنفس.الشغب نفسه بدوره يرى الكاتب عبدالحميد القائد في الكتابة نوعاً من المشاغبة المتعبة.. الشهـة.. الممتعـــة.. هـــي الشغــــب نفسه.. هي التمرد على الحالي والممكن.. هي تجاوز كل شيء وإعادة تكوينه وبنائه وتركيبه من جديد، إنها ركوب المستحيل.. ركوب الموج العالي وإعادة إنتاج الحاضر بصورة سريالية. ويضيف أن الكتابة هي رسم بالكلمات.. عزف بالكلمات.. دخول في معارك حقيقية أو وهمية مع النفس ومع الغير.. إنها كتابة الوطن.. معانقة الوطن.. الرقص مع الوطن بالكلمات.. بالعشق.. بالورد.. بالمطر. أنا أكتب لأحاصر الكآبة والحزن والقهر وأحرقها كلها بالحروف والكلمات.. من الخيبات أصنع الفرح.. من الهزيمة أصنع الانتصار.. الانتصار على الذات..على صدأ الروح. أصبحت الكتابة بالنسبة للقائد، نافذة من خلالها أعانق العالم.. أرمي نفسي وردة في قلب العالم.. الكتابة ليست صنعتي.. أنا صنعتها.. أنا خادمها وعاشقها والمتيم في هواها.. أجلس في حضرتها خنوعاً أتوسل غيثها وسماءها ونجومها.. أتوسل إليها أن تأخذني.. تحلق بي في أتونها.. في غاباتها.. في أحراشها المخيفة اللذيذة.. في سحرها. أما بشأن الشعر فيقول القائد: أكتب الشعر.. عفواً يكتبني الشعر كي أتوهج.. أتشظى.. أحترق ثم أبعث من جديد في كل لحظة.. الشعر يعني كتابة الوطن والقواقع والبحر والمطر والحلم على الورق.. بالكتابة أحلم.. بالكتابة أراقص الجنون.. بالكتابة أعدو والحروف خيولي.. القصيدة صهيلي.. كل نص جديد موت/بعث جديد.. بالكتابة أبكي.. أضحك.. أصرخ.. أحتج.. أحمل راية الوطن في قلبي وأقول له كم أعشقك.. كم أنا مدين لك بروحي ودمي.. أيها الوطن كم أنا أنت وأنت أنا.. أنا هنا لأجعلك حديقة وفردوساً لا محرقة.. أنا هنا لأذوب في عشقك بالكلمة والشعر والكتابة المحلقة مع الأمل والفراشات وفيروزات البحر الحالمة بغد أجمل وزهور لا تذبل. باختصار «أكتب كي أصادق الجنون اللذيذ.. أكتب كي أتحول إلى وردة.. إلى إنسان حقيقي.. أكتب كي لا أكون وحيداً» كما قال الشاعر محمود درويش، أكتب لأقاوم الحزن والإحباطات الأزلية فالكتابة سلاحي الوحيد في هذه الظلمة التي تزاد حلكة وعبثية.