تتجاوز العملية الانتخابية قيام الناخب باختيار مترشح من بين قائمة من المتنافسين، عبر ورقة اقتراع يضعها في صندوق الانتخابات، ويضع معها أمالاً عريضة على المترشح في أن يحمل أمانة صوته ويسعى جاهداً لتحقيق طموحاته وتطلعاته في توفير سبل الحياة الكريمة له، فالعملية الانتخابية أكثر عمقاً بما تجسده من تفعيل لحق الناخب وتنمية إحساسه بالمشاركة في صنع القرار السياسي وصياغة المستقبل، والتي تنعكس بدورها على تعزيز روح الانتماء للوطن لديه.
وتعد المشاركة في صنع القرار أحد أهداف وسائل الديمقراطية الحديثة التي يراد منها تعزيز مشاركة المجتمع في رسم سياسات التنمية والرقابة على تنفيذها والمساهمة في إرساء أسس التنمية الشاملة.
ولا ينفصل صنع القرار السياسي عن واقعه الاجتماعي وما يحيط به من أحداث وتفاعلات، وإنما يكتسب أهميته من خلال الإطار السياسي والاجتماعي الذي يشكل أحد متغيراته، وعملية صنع القرار السياسي وفق هذا المعنى هي تحويل المطالب السياسية إلى قرارات من خلال سلسلة من الإجراءات والتفاعلات بين النسق السياسي والأنساق الاجتماعية الفرعية الأخرى، بهدف التوصل إلى صيغة معقولة من بين عدة بدائل وحلول مطروحة تحقق أهدافاً معينة، أو تتجنب حدوث نتائج غير مرغوب فيها، وذلك وفق معايير رشيدة يمكن الاستناد إليها وتحكيمها في عمليات التقييم والموازنة والترجيح والمفاضلة النهائية بين مختلف البدائل التي يطرحها الموقف.
وفي هذا الإطار، فقد خلصت دراسة أعدها الدكتور فاروق عمر العمر وأصدرها مركز «ميريت» للنشر والمعلومات بالقاهرة بعنوان «صناعة القرار والرأي العام»، إلى أن الرأي العام (بوصفه أحد المتغيرات الاجتماعية) في المجتمعات الديمقراطية يمثل مصدراً هاماً في اختيارات السلطة وتوجهاتها، حيث أن المشرع يستلهم القوانين والتشريعات من توجهات الرأي العام، كما أن اهتمام صانع القرار بوسائل الاتصال ينطلق من إيمانه بأنها تمثل أحد المصادر الرئيسة لنقل المعلومات التي يتطلبها أي قرار سياسي عند التفكير في اتخاذه سواء كان خارجياً أو داخلياً، وذلك من منطلق أن نجاح أي قرار يتوقف على مدى توافر المعلومات ووجود البديل عند صانع القرار وقدرته على اتخاذ القرار المناسب بحسب طبيعة المشكلة المراد اتخاذ قرار بشأنها.
ومن هنا، يمكن القول إن المشاركة في الانتخابات أو بمعنى آخر المشاركة في صنع القرار السياسي، لم تعد ترفاً أو مجرد متطلب ثانوي، بحيث يستطيع الناخب القيام به أو الامتناع عنه وفقاً لقناعاته الشخصية، وإنما باتت ضرورة لاسيما في المجتمعات التي يسعي مواطنوها لتعزيز مكتسباتهم على كافة الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وبالتالي، فإن المطالبة بتحقيق أعلى سقف من الطموحات التنموية المأمولة من الدولة، لابد وأن يقابلها في الجهة الأخرى حرص ووعي من جانب المواطن (الناخب) بأهمية المشاركة في صنع القرار السياسي، من خلال الحرص على انتخاب المترشح الأفضل والأصلح وفق معايير موضوعية، تضع في الاعتبار ضرورة أن يكون هذا الاختيار داعماً للتنمية التي تعمل على النهوض بالوطن في شتى المجالات لا معرقلاً لها.
معهد البحرين للتنمية السياسية