بقلم - الشيخ خالد السعدون:
تذكيرنا اليوم هو بأمر ما يكاد يخلو منه أحد، لا في أقواله ولا أفعاله، وإلا فباعتقاده وجنانه، والموفق من نأى عنه بعد إذ علم منه ما لايعلمه غيره؟ فما أخطره وأكبره؟! وأكثره وقوعاً في الناس؟! فهم عنه غافلون، وبأمره جاهلون!
فما هذا الذي منه تحذر، وفيه تعظم وتشدد؟! هو اللسان عباد الله!
وقد يقال خطره معلوم.. فما أتيت بجديد؟
فأقول هو كذلك، ولكني لا أتكلم عن عموم إفساده، أو خيره في إصلاحه؟ كلا، بل سأتكلم عن خصوص حبس الله لنصره شيئاً ولو قليلاً عن الصالحين لا الطالحين، بل عن الأنبياء والمرسلين، وما ذاك إلا بسبب إطلاق اللسان بغير تقييده بمشيئة الله، أو بغير إذلاله للملك القهار، مع أن القلوب والجوارح منهم خضعت للعزيز الغفار، ولكن لابد من خضوع القلب والجوارح، ويصدق ذلك كله ذل وتواضعٌ من اللسان، أو أن البلاء ينزل لخوف شر قريب منتظر، فينطق به اللسان قبل أن يقع، فإذا به يقع! فهاك رحمك الله أمثلةً ليتجلى لك ذاك، فتنأى عنه في دنياك:
-1 قصة نبي الله سليمان: روى الشيخان عن أبي هريرة مرفوعاً: «قال سليمان لأطوفن الليلة على تسعين امرأةً، كلهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله فقال له صاحبه «الملك»: قل إن شاء الله؟ فلم يقل إن شاء الله «ونسي» فطاف عليهن جميعاً، فلم يحمل منهن إلا امرأة واحدة، جاءت بشق رجل «نصف إنسان» وايم الذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانًا أجمعون «وبرواية للبخاري: لو قال: إن شاء الله لم يحنث، وكان دركاً له في حاجته».
فنبي الله سليمان لم يرد الولد من أجل الولد، بل للقتال في سبيل الله، ومع ذلك فالله غني عن هذه النية الخالصة لما تخلف اللسان عنها ولو نسياناً.
-2 لطيفة بين إسماعيل وموسى عليهما السلام: فأما فموسى عليه السلام فلما لم يجعل نفسه في جملة الصابرين، بل أفردها، لم يصبر، فقد أراد اتباع الخضر ليتعلم منه: فأجابه الخضر: «قال إنك لن تستطيع معي صبرًا «67» وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرًا «68» قال ستجدني إن شاء الله صابرًا ولا أعصي لك أمراً».
فقد استثنى في الصبر فصبر، ولم يستثن في العصيان فعصاه، ولو قال «ولا أعصي لك أمراً إن شاء الله»، سيوفق حتى في السكوت عما لا طوق له بالسكوت عنه، وهو معذورٌ، ولكن لو قالها لصبر، وكذا لو لم يفرد نفسه بالصبر، فلعله يصبر.
وأما إسماعيل، ففيه وأبيه قال تعالى: «فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين».
فلما نكر إسماعيل نفسه ، فأدخلها في جملة الصابرين متواضعاً لله، وكذا استثنى في صبره وفق فصبر فانتصر.
-3 تعليم وتأديب رباني لنبي الأمة: وهذا رسولنا رسول ولد آدم جميعاً تأخر عنه الوحي لكلمة قالها، ما يريد بها إلا الحسنى، لكن لم يقيد قوله بالمشيئة، وهذه الواقعة لا تكون إلا بصحة الحديث الآتي! فقد روى ابن جرير في تفسيره عن ابن عباس بسند فيه راو لم يسم، قال ابن عباس: «بعثت قريشٌ النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة، فقالت لهم أحبار يهود: سلوه عن ثلاث نأمركم بهن، فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسلٌ، وإن لم يفعل فالرجل متقولٌ، سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول؟ وسلوه عن رجل طواف، بلغ مشارق الأرض ومغاربها؟ وسلوه عن الروح ما هو؟ فإن أخبركم بذلك، فإنه نبي فاتبعوه، فقال لهم، أخبركم غدًا بما سألتم عنه، ولم يستثن، فمكث، خمس عشرة ليلةً، ولا يأتيه جبرائيل عليه السلام، حتى أرجف أهل مكة، ثم جاءه، بسورة أصحاب الكهف».
ومما نزل في هذه السورة: «ولا تقولن لشيء إني فاعلٌ ذلك غدًا «23» إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشداً».